اتهم محللون إسرائيليون اليوم، الاثنين، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بأنه المسؤول الأول عن الأجواء العنصرية التي تسود البلاد، على ضوء تصريحاته العنصرية وأدائه، التي توّجها بسن "قانون القومية"، وذلك على خلفية اعتداء يهود متطرفين على ثلاثة شبان عرب من مدينة شفاعمرو كانوا يستجمون في شاطئ قرب حيفا، مساء الأربعاء الماضي، وكادوا يقتلونهم.

وأشارت الباحثة والمحاضرة في العلوم السياسية، الدكتورة رفيطال عميران، في صحيفة "معاريف"، إلى الاعتداء على الشبان الشفاعمريين، واعتداء مستوطنين، من غلاة المتطرفين، على نشطاء حقوق إنسان يساريين يهود متضامنين مع الفلسطينيين، بالقرب من بؤرة استيطانية عشوائية في جنوب جبل الخليل بالضفة الغربية المحتلة، يوم السبت الماضي.

وأكدت عميران على أن "من يعتقد أن هذه أحداث محلية مصاب بالعمى. فالحديث هنا يدور عن روح الفترة التي تغلغلت عميقا إلى قلب المجتمع الإسرائيلي، وهي روح تزج بالعرب إلى مكانة مواطنين من الدرجة الثانية، وستؤول في نهايتها إلى تحويلهم وتحويل من يتضامن معهم إلى فريسة بالنسبة للمجرمين الذي يرتكبون جرائم الكراهية. وهذا لن يتوقف حتى يندد المسؤول عن روح القائد بهذا العنف بشدة".

وربطت عميران بين الأجواء العنصرية والكراهية للعرب واليساريين اليهود وبين تصريحات أطلقها نتنياهو ووزراؤه في السنوات الأخيرة. وكتبت أن "روح القائد التي تحرّض ضد العرب بدأت في الحملة الانتخابية الأخيرة لنتنياهو، في شريط فيديو يحذر من توجههم لتطبيق حقهم الديمقراطي بالتصويت. لكنها لم تتوقف هناك. بل أصابت هذه العدوى قسما من الوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف. وهكذا، على سبيل المثال، لم يتردد عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش في التعبير علنا عن استياء واضح من أن والدات يهوديات يرقدن قرب والدات عربيات، وحتى أنه عبر عن تأييده لأقوال زوجته التي هلعت من إمكانية لمس أيادٍ عربية أطفالا يهود".

ولفتت إلى تحريض الوزراء الإسرائيليين، وخاصة غلعاد إردان ونفتالي بينيت وأييليت شاكيد، ضد المواطنين العرب، وزعموا بأنهم يقفون وراء اشتعال الحرائق، عام 2016، وبعد ذلك اتهام إردان للشهيد يعقوب أبو القيعان، في قرية أم الحيران مسلوبة الاعتراف، بأنه نفذ عملية دهس، رغم أن التحقيقات أثبتت كذب زعم هذا الوزير العنصري. وأشارت إلى أقوال عضو الكنيست ميكي زوهار، من حزب الليكود الحاكم، في أعقاب احتجاج عرب في شاطئ تل أبيب ضد "قانون القومية"، بأنه "صحيح، لديكم الحق الديمقراطي بالمجيء إلى شواطئنا... هذه دولة يهودية، ولذلك فإن الملكية هي للشعب اليهودي" في ربط مباشر مع "قانون القومية".

وختمت عميران مقالها بالتمني أن يتدارك نتنياهو نفسه، وهو نتنياهو الذي كان أحد قادة المحرضين ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، يتسحاق رابين، عشية اغتيال الأخيرة، وذلك "قبل أن ينفجر علينا اغتيال سياسي آخر".

العرب ونشطاء حقوق الإنسان اليهود "استفزازيون"

رأى المؤرخ الدكتور أفيعاد كلاينبرغ، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن هناك ثلاثة أسباب دفعت المستوطنين المتطرفين إلى مهاجمة النشطاء اليهود جنوبي جبل الخليل. أولا لأنهم يساريون "ومسموح مهاجمة اليساريين"، ثانيا لأنهم كانوا يحملون كاميرات، وثالثا "لأن فرضية أن للفلسطيني حقوقا، ويسمح له ولآخرين بالاحتجاج على المس بها هو استفزاز".

وأضاف أن جنود الاحتلال الإسرائيليين حاولوا حماية نشطاء حقوق الإنسان، فيما استمر المستوطنون اليهود بضربهم وركلهم وشتمهم. "يوجد شيء ما غريب بفكرة أن قوات الأمن يحاولون إنقاذ المعتدى عليهم ولا يعتقلون المعتدين. لكن يُخيل أن هذه الفكرة لم يفكر فيها الجنود. ففي نهاية الأمر، البلاد تعود للمستوطنين، وليس الجنود الذين يقررون ما هو مسموح أو غير مسموح. مسموح للمستوطنين، على سبيل المثال، أن يضربوا ويلقوا الحجارة والاستهزاء بأوامر الجنود. وللآخرين ممنوع".

وشدد كلاينبرغ على أنه "يوجد للعرب حقوق معينة. وهذه الحقوق، مثلما أوضح قانون القومية، مشروطة، وطالما أنها لا تزعج راحة الجيران. فإذا حاولت، مثلا، الدفاع عن حقوق العرب، فأنت استفزازي. وإذا انتقدت نتنياهو، فأنت استفزازي. وإذا كنت من سكان شفاعمرو، وتريد الاستجمام في شاطئ كريات حاييم (في حيفا)، فأنت استفزازي. وللاستفزاز عواقب".

ولفت كلاينبرغ إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضا وصف نشطاء حقوق الإنسان اليهود بأنهم "استفزازيون". وأصدر المتحدث باسم جيش الاحتلال بيانا قال فيه إن "النشطاء صعدوا باتجاه المستوطنة بهدف إثارة استفزاز، وتطور في المكان احتكاك بينهم وبين المستوطنين القاطنين في المنطقة" ثم أعلن عن الموقع أنه منطقة عسكرية مغلقة وتم إبعاد النشطاء منها.

وأشار إلى اللهجة الملطفة التي يستخدمها جيش الاحتلال لدى الحديث عن المستوطنين، وإلى اتهام النشطاء وتبرئة المستوطنين. وكتب كلاينبرغ أنه "إذا كنتم تفضلون لهجة أقل شاعرية، فإن المستوطنين هم أسياد البلاد والجنود يتعاملون معهم وفق ذلك. لا يفكرون بطرد المستوطنين. وكل ما بمقدورهم فعله هو تخليص نشطاء حقوق الإنسان من المكان ونقلهم إلى المستشفى نتيجة ’للاحتكاك’ (وليس الاعتداء). والاستنتاج هو أن ’لا ينبغي أن يصل النشطاء إلى هنا، واذهبوا إلى أماكنكم’. وبذلك يتزايد عدد الأماكن التي باتت خارج الحيز بالنسبة للعرب واليساريين".

"إسرائيل دولة أبارتهايد"

أنشأت صحيفة "هآرتس" افتتاحيتها حول الاعتداء العنصري والوحشي على الشبان الشفاعمريين، وأكدت أن هذا الاعتداء هو "نتيجة مباشرة لماكينة التحريض اليمينية، التي تعمل بكل قوتها تحت حكم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. وقول أحد المهاجمين، ’أيها العرب، لا ينبغي أن تصلوا إلى هنا، اذهبوا إلى أماكنكم’، هو تطبيق لروح قانون القومية، الجوهرة في تاج التمييز والقومية المتطرفة".

وشددت الصحيفة على أنه "يجب عدم استغراب أن أحدا من كبار الوزراء لم يكلف نفسه التنديد بالاعتداء. فنتنياهو ووزراؤه يفضلون الانشغال بالاعتبارات الانتخابية الضيقة وليس بتنمية دولة وآمنة وديمقراطية، تشعر الأقليات فيها كأنها في بيتها. فالسلطة تسمح بإطلاق الرسن ضد كل من لا يتساوى مع عقيدة الاحتلال والتمييز".

وفيما يتعلق بالاعتداء على النشطاء، فإن "عجز الجيش نابع من معرفة من هو السيد والمُقرر وفوق القانون. فقد وقع عدد لا نهائي من أعمال التنكيل العنيفة من جانب مواطنين إسرائيليين يهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين ونمط حياتهم وأملاكهم، وأحيانا ضد نشطاء يساريين، وانتهت بلا شيء – من دون تحقيق أو بإغلاق ملفات بالشرطة. والجنود لم يستطيعوا منع العنف لأنهم يعرفون أنهم ليسوا مدعومين من مستويات أعلى منهم، لا من الجيش ولا من الحكومة ولا من الشرطة للجم المستوطنين".

وتابعت الصحيفة أنه "يصعب اتهام الجنود بعدم منع جريمة كهذه، في الوقت الذي يصف فيه عضو كنيست من الائتلاف، سموتريتش، النشطاء اليساريين بأنهم ’استفزازيون عنيفون يخرجون كل يوم سبت من بيوتهم ويسافرون كيلومترات كثيرة من أجل تشجيع ومشاركة مثيري الشغب ومتجاوزي الحدود العرب الذين يهاجمون المستوطنات بعنف ومن خلال تشكيل خطر على حياة المستوطنين. وعلى الأرجح، أنهم أصيبوا من خلال عنفهم بحق أنفسهم ومزاعمهم ضد المستوطنين، الذين في أسوأ الأحوال اضطروا للدفاع عن أنفسهم من مثيري الشغب والغزاة".

وخلصت الصحيفة إلى أنه "في العادة يتم إعفاء سموتريتش بأنه رمز يميني متطرف ’مهووس’، لكن هو بالذات يعبر بوضوح ومن دون التواءات عن التيار العميق الجاري تحت الحكومة. تيار عميق يهودي – قومي متطرف، يكره العرب ويميز ضدهم، ويحصل بصورة متواترة على تعبير تشريعي، وفي نهاية المطاف يتغلغل في الأرض. والحكومة حولت إسرائيل إلى دولة أبارتهايد عنيفة، كارهة للأقليات، ومشكوك في ديمقراطيتها".