تبث إسرائيل توجساتها وقلقها من الوضع في سورية في المستقبل. من جهة، تتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومن الجهة الأخرى تتحسب من "عناق" أوروبي لنظام بشار الأسد. وذكر موقع "واللا" الالكتروني مساء أمس، الثلاثاء، أن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي هي أن "الأسد نجح في استقرار نظامه، وهو يسيطر اليوم على الغالبية المطلقة من الأراضي السورية، وخاصة في مناطق دمشق وحمص وحلب وحماة. وفي الفترة الماضية، أحاط نفسه بمستشارين كبار وشبان، وبينهم العديد من النساء".

وبحسب المحلل العسكري في "واللا"، أمير بوحبوط، الذي يستقي معلوماته من الجيش الإسرائيلي، فإن الأسد يستخدم "الأسلوب التصالحي الذي استخدمه أبيه، حافظ الأسد، الذي درج على التمسك بأكثر من دعامة واحد لسورية. ولهذا السبب يسعى إلى عدم التمسك فقط بروسيا وإيران، اللتين ساعدتاه على استعادة زمام الأمور، وإنما هو يعزز علاقات مع دول أخرى ورجال أعمال بالغي التأثير في أنحاء العالم. وليس صدفة أن الأسد لا يهاجم بشكل مباشر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وحتى أنه يعيد إلى الداوائر القريبة منه من اشتبه بهم في الماضي، كي يوسع القاسم المشترك من أجل تحقيق الهدف الأساسي: استقرار نظامه".

وأضاف بوحبوط أنه على هذه الخلفية "يتخوفون في جهاز الأمن والمستوى السياسي (الإسرائيلي) من أن يستغل الأسد المصاعب التي تواجهها الدول الأوروبية في استيعاب المهاجرين، وأن يحصل على ’مساعدات إنسانية’ واستثمارات مقابل إعادة اللاجئين" السوريين في أوروبا.

والتخوف في هذا السياق، بحسب جهاز الأمن الإسرائيلي، هو من أنه "في الواقع الذي يفضل فيه الأسد استثمار موارده في الجيش وليس المواطنين، فإن من شأن هذه العملية أن تكون سيئة جدا لإسرائيل والدول السنية في المنطقة التي كانت تريد أن ترى المحور الراديكالي (إيران – سورية – حزب الله) يضعف. وفي الواقع الراهن لا يوجد مال لدى روسيا وإيران من أجل الاستثمار بالبنية التحتية المدمرة في سورية، ولذلك فإن التقديرات الإسرائيلية هي أن المبالغ الكبيرة ستصل من أوروبا ودول سنية تتطلع إلى استقرار سورية مقابل إبعاد إيران. ولن يستغرب أحد إذا أدخلت الصين، التي تبحث عن تأثير، يدها إلى جيبها". ونقل بوحبوط عن مسؤولين سياسيين في إسرائيل قولهم إنه "تجري حاليا اتصالات بين دبلوماسيين أوروبيين ونظام الأسد".

تفكيك مليشيات

تقول تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي، إن الأسد سيضطر إلى التعامل مع تحدٍ آخر، يتمثل بوجود جيل كامل من الأطفال السوريين الذين لم يرتادوا المدارس، بسبب الحرب الوحشية، وأن هذا الجيل "يطور كراهية لنظامه. ورأيهم ومستقبلهم مهم للأسد، على الأقل وفق الخطابات التي القاها مؤخرا. وهذا جيل شهد عنفا شديدا وقد ينتفض ضده".

في موازاة ذلك، يواجه جيش النظام أزمة تجنيد، لكن بدأت مؤخرا أفواج تجنيد جديدة لهذا الجيش. وكتب بوحبوط أن "التقديرات في إسرائيل هي أن قسما من المليشيات النشطة اليوم في سورية ستتفكك وقسما منها سينضم إلى الجيش السوري. وما زالت منظومة دبابات جيش الأسد مستقرة وتوصف حالتها بـ’جيدة’، وهكذا هو حال منظومة الدفاعات الجوية التي تلقت مساعدة روسية رغم الهجمات الإسرائيلية وفقا لتقارير أجنبية".

وأضاف بوحبوط أن "الأسلحة البرية والذخيرة حصلت هي الأخرى على مساعدة واسعة النطاق من موسكو. وعاد سلاح الجو السوري، الذي عانى من مشاكل جهوزية شديدة، إلى الطيران في الليل وهو ما يدل على تطور وتحسين. والنواقص الكبير في جيش الأسد تتعلق بنقص صواريخ أرض – أرض وأسلحة إستراتيجية استخدمها ضد المتمردين".

إيران تريد تحقيق أرباح اقتصادية

بتعبيرها عن تخوفها أو خشيتها، فإن إسرائيل تقول عمليا إنها لن تقف على الحياد بكل ما يتعلق بالوضع في سورية في السنوات القريبة المقبلة. ولا تخفي إسرائيل أنها تمارس ضغوطا على الولايات المتحدة وروسيا من أجل إخراج إيران من سورية. وعلى ما يبدو أن إسرائيل تعتزم، أو ربما أنها بدأت، القيام محاولات لتحريض الأوروبيين على عدم الاستثمار في سورية، بعد أن عبرت عن توجسها من خطوات أوروبية في هذا الصدد. فاستقرار سورية يعني بالنسبة لإسرائيل أن إيران باقية هناك وكل ما يترتب على ذلك.

وقال مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع لوسائل الإعلام، أمس، إن "الجيش الإسرائيلي سيواصل العمل بكل حزم ضد محاولات إيران لنقل قوات عسكرية ومنظومات أسلحة إلى سورية"، كما سيستمر الضغط السياسي في هذا الاتجاه. وأضاف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وضع محاربة الاستقرار العسكري الإيراني في سورية كغاية مركزية.

لكن في هذه الأثناء، زار وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، دمش أول من أمس، وأعلن عن توقيع اتفاق بين الجانبين، تعمل إيران من خلاله على ترميم الجيش والصناعات العسكرية في سورية. وكتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، ومراسل الصحيفة في واشنطن، أمير تيبون، في مقال مشترك، اليوم الأربعاء، أن أقوال حاتمي هي رسالة من إيران، بنظر إسرائيل، مفادها "نحن هنا كي نبقى". ويأتي هذا الاتفاق بعدما أعلنت روسيا أنها ستبعد إيران مسافة 85 كيلومترا عن الجولان المحتل، لكن هرئيل وتيبون أشارا إلى أن "هذا الاتفاق الروسي – الإيراني لا يشمل محيط مدينة دمشق".

وبحسب هرئيل وتيبون، فإن التهديدات الإسرائيلية لإيران في السنة الأخيرة كانت موجهة ضد وجود أفراد حرس الثورة الإيراني في سورية وضد نشر منظومات عسكرية إيرانية. "وترميم الجيش السوري، الذي وضعه متدن للغاية بعد سنوات الحرب، ليس موجودا في مكان مرتفع في قائمة التهديدات التي تثير قلق إسرائيل".

واضافا أن إسرائيل لاحظت وجود توتر موضعي بين سورية وإيران، وأشارا إلى حادثين وقعا منطقة البوكمال، حيث هاجم جيش النظام ميليشيات موالية لإيران مرتين.

واعتبرا أن إيران وروسيا تتنافسان على الفوز بمناقصات في إطار مشاريع إعمار سورية، التي سيمول قسما منها ما تبقى من آبار نفط في البلاد. وأضافا أن إيران تحاول السيطرة على سوف الاتصالات السوري، خاصة بعد توقيع اتفاق بهذا الصدد بين سورية وإيران. ونقلا عن الخبير الأميركي في السياسة الخارجية، مات برودسكي، الذي أصدر مؤخرا بحثا حول النشاط الاقتصادي الإيراني في سورية، قوله إنه "عدا مصدر الدخل الثابت الذي يمكن أن ينمو مع مرور السنين، فإن السيطرة على سوق الاتصالات يتوقع أن تخدمهم من الناحية الاستخباراتية".

وأضاف أن إيران نفذت خطوة مشابهة في العراق. ووفقا لبرودسكي فإنه "يجري الحديث عن محاولات إيران لإنشاء تواصل وجود عسكري من العراق حتى لبنان. والسيطرة على البنية التحتية للاتصالات يساعدهم على دفع هذا الهدف". وتابع أن شركات إيرانية مرتبطة بحرس الثورة حصلت على السيطرة على مناجم فوسفات في سورية، وشركات بناء إيرانية باتت تعمل في منطقة دمشق. "الإيرانيون لا يرون بسورية حلبة عسكرية فقط، وإنما حلبة نشاط اقتصادي أيضا سيحتاجون إليها في السنوات المقبلة".

كما نقل هرئيل وتيبون عن الخبيرة في الشؤون الإيرانية في معهد "راند"، الدكتورة أريان طبطباي، إن "الإيرانيين لن يوافقوا على الخروج من سورية في السنوات القريبة المقبلة، لأنهم يعتزمون كسب مال كثير هناك. وعقوبات إدارة ترامب تصعد الضغوط على النظام من أجل استغلال عملية إعمار سورية لتحسين الوضع. والقيادة الإيرانية تقدر أنه حتى لو كان واضح أن إيران تربح من الإعمار، فإن هذا لن يمنع أوروبا ودول الخليج من ضخ أموال. ولا أحد يريد أن تتحول سورية إلى ليبيا أخرى".