في الأرشيف العسكري للجيش الإسرائيلي الواقع في تل أبيب بالقرب من مستشفى تل هشومير، تحتفظ إسرائيل بآلاف الوثائق المرئية والمكتوبة والمسموعة حول أسرار وأحداث حرب حزيران عام 1967، وسقوط أو احتلال الجولان خلال 48 ساعة من بدء تلك الحرب من وجهة النظر الإسرائيلية الموثقة بالصوت والصورة والشهادات الحية للجنود الذين شاركوا بتلك الحرب.

على شاشات الحواسيب الصغيرة، هناك صور وأرقام ومصطلحات، للدلالة على مواد وكتابات وأسرار القتال ومعارك وأسماء المناطق وأسماء جنود وضباط وألوية وفرق عسكرية إسرائيلية اشتركت في تلك الحرب، والكثير من الوثائق والمحفوظات التي لا تزال، ورغم مرور 49 عامًا، مُصنفة أمنية سرية. خاصة كل ما يتعلق بالشأن السياسي أو الاقتصادي والإستراتيجي لتلك الحرب. الأمر الذي يشرعن أي تساؤلات وتحاليل في ظل عدم توفر المعلومات الصحيحة الإسرائيلية والسورية على حد سواء، التي تعتبر اليوم من حق الجمهور بأن يعرف تفاصيلها ومجرياتها وأسرارها.

لا يمكن أن تدخل غرف الأرشيف العسكري، وتخرج كما خططت مسبقًا، فالكم الهائل من المعلومات والتفاصيل يسحبك إلى أعماقه بحثًا واستكشافًا وتسجيلًا، ووضع إشارة على ورقة واحدة قد يفيدك، لكنها تكون جزءًا من ملف بحجم كبير، سيخضع إلى رقابة المختبر. حيث ترعاك هناك عيون موظفين وموظفات، تدقق بكل ما تبحث عنه، وتوافق أو لا توافق على إشارتك، بحسب المعلومة او الصورة وتصنيفها الأمني.

خلال ساعات طويلة تتصفح عشرات الصفحات، لتحصل على جزء بسيط من بحثك، وتسمع وتشاهد عشرات الفيديوهات والتسجيلات، لتحصل منها على دقيقتين أو أكثر من مرادك، بحث متواصل هو كالمطاردة الدقيقة وراء المعلومات التي سمعنا عنها، وتحدث الكثيرون عنها إسرائيليون وسوريون وعرب وربما أجانب، لكنها أحاديث غير موثقة وغير مسجلة، ولا يمكن اعتمادها بأي بحث جدي حول ما حصل في الحقيقة خلال تلك الفترة في الجولان، التي تكمن أهميتها في معرفة تاريخ هو جزء من حاضرك ومستقبلك، ليس لمناجاة أطلال تتلاشى يومًا بعد يوم، أو البكاء والتحسر على ما مضى، وليس التغني بطبيعة الحال بأمجاد ماض كان يمكن أن يكون أكثر إشراقًا وأكثر بياضًا وأكثر صدقًا فيما لو تعامل أصحاب الأرض بصدق، وكشفوا حقيقة ما جرى دون أي تشويه أو أكاذيب عشنا تحت ظلالها لعقود طويلة، ونعاني من أثمانها الثقيلة اليوم، ولربما سيعاني أبناؤنا بعدنا من إفرازاتها المستقبلية.

في شهاداتهم أمام لجنة التوثيق الإسرائيلية، لاستخلاص العبر العسكرية من تلك الحرب، قال جنود وضباط إسرائيليون في العام 1968 إنه في تاريخ 19-6-1967 وثقت قيادة الجيش الإسرائيلي، وقبل أن تجف دماء القتلى وقبل أن ينفض الغبار عن أرض المعركة، وقبل أن يشفى الجرحى من إصاباتهم في المستشفيات، كل الأحداث الميدانية التي حصلت على كافة الجبهات المصرية والإسرائيلية والسورية، وما يعنينا هنا منها ما حصل خلال احتلال تل الفخار وبانياس وزعورة وعين فيت.

في التحقيقات الإسرائيلية التي يحتفظ فيها الجيش في الأرشيف العسكري لوزارة الدفاع الإسرائيلية، هناك تفاصيل عن أبرز عمليات الفشل والإخفاق التي قامت بها ألوية وفرق في الجيش الإسرائيلي خلال تنفيذ الأوامر والخطط العسكرية، أو بكيفية تعاطيها مع المستجدات الميدانية، وهناك تسجيلات واضحة لتصرفات سيئة قاموا بها خلال احتلالهم للقرى والبلدات السورية.

وهناك أيضًا النجاحات التي يصفها قسم الأرشفة بالبطولات الفردية والجماعية للقوات الإسرائيلية، من وجهة النظر الإسرائيلية، تهدف إلى تعريف الأجيال الإسرائيلية عن حقيقة ما حصل، كنوع من الثقافة المعنوية والروحية التي يغرسونها في نفوس الأجيال الشابة، وكنوع من صناعة الرموز والأبطال، للتغني بأمجاد الجيش الإسرائيلي في حروبه ومعاركه لحماية دولته وشعبه عن طريق القوة والتوسع بخطاب صهيوني ممنهج.

إحدى الوثائق الصادرة بعد أيام من انتهاء الحرب، وتحديدا في 19 من حزيران عام 1967، تتحدث عن الفشل الاستخباري الإسرائيلي وتقول: 'كل من دخل الهضبة السورية، أدرك أن هناك فشلا معلوماتيا واستخباريا إسرائيليا حول تفاصيل هذه الجبهة، لم نكن نعلم أنها بهذا الحجم من التحصينات والدفاعات المنيعة. كل شيء في المواقع السورية كان يتحسب لأي عملية هجوم او احتلال، ولهذا كان وضعها أفضل بكثير من المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجليل.

وكان نائب رئيس الأركان، الجنرال حاييم بار ليف، يقول ويكرر إن هذه التحصينات كانت أقوى وأضخم من التحصينات العسكرية الألمانية في أوروبا، لم يكن يمتدح ويفاخر بالسوريين، لكنه كان يصف الواقع والحقيقة المرة، التي استفقنا عليها بعد انتهاء المعركة، وضباط آخرون كانوا في فرنسا وشاهدوا التحصينات العسكرية هناك، لكنها لم تكن بحجم التحصينات والدفاعات السورية في الهضبة السورية، من قاتل هنا من السوريين، في تل الفخار والعزيزات قاتلوا بشراسة غير معهودة، خسرنا 34 قتيلًا ومئات الجرحى لكن هذا الثمن الباهظ كان من الممكن أن يكون قاتلًا بالنسبة لنا في حال لم تنسحب قوات الجيش السوري، وتترك قواعدها ومواقعها'.

وتضيف الوثيقة، التي تضم شهادات جنود إسرائيليين:

'في تلك الحرب قاتلنا مجموعات من قوات الجيش السوري في تل العزيزات وتل الفخار، وفي جبهة الجنوب حصلت معارك في التوافيق بالقرب من طبرية، والعال وكفر حارب. كانت الخطة الأساسية أن نهاجم بانياس وعين فيت، لكن ما حصل أننا لم نهاجم بانياس، وإنما دخلناها، لأن القوات المعادية كانت قد غادرتها، لهذا تم إصدار أمر الهجوم على الهضبة بشكل مفاجئ وسريع. دخلنا قرية عين الديسة وتل العزيزات والبحريات وبرج بابل، خلال ساعات قليلة كان هذا المحور كله تحت سيطرة قواتنا.

كان احتلال بانياس وتل الفخار بالنسبة لنا قبل الحرب، من أكثر المناطق خطورة ومجازفة، لأنهما يشكلان خطا دفاعيا واحدًا مع باقي المواقع، والمفاجئ أنه لم تكن هناك قوات سورية كثيفة، نظرًا لأننا في حالة حرب منذ الخامس من حزيران على الجبهات المصرية والأردنية، وكان السوريون يقصفون المستوطنات الشمالية من التلال، ليس أكثر منذ لك.

فكانت التقديرات الأولية قبل الحرب، أن حجم القوات سيكون أكبر وأكثر شراسة، لكن الحقيقة كانت غير ذلك. كانت دبابة واحدة في تل العزيزات ودبابة في تل الفخار وخمس دبابات غادرت برج بابل قبل دخولنا، وفي خربة سودا كان هناك عدد من الدبابات، قصفت قواتنا. مع دخولنا لم يتبق إلا دبابة واحدة سالمة دون أية أضرار، والباقي كانوا قد هربوا.

خلال اقتحامنا استطعنا تحييد عدد لا بأس به من الدبابات على طريق مسعدة زعورة، بالنهاية اكتشفنا أن معسكر بانياس السوري المشهور بدفاعاته وقواته كان خاليا وموقع البحريات كان خاليا، عدا بعض المدنيين.

وفي القطاع الجنوبي، حملت طائرة هليوكوبتر قوة إسرائيلية في محيط منطقة التوافيق، بالتزامن مع وصول قوة إسرائيلية راجلة من الكتيبة 80 والكتيبة الثالثة، ووصلت مفترق البطمية في العاشر من حزيران. في صبيحة اليوم التالي وصلت قواتنا إلى البطيحة والجلبينية والدرباشية وحفر بشكل التفافي وأكملت جميع القوات طريقها نحو القنيطرة، بدون أية عراقيل أو مواجهات تذكر.

ويقول الضابط غوروديش، إن تل حمرا وموقع النخيلة كان متروكا وخاليا من القوات المعادية، وكانت العديد من الآليات متروكة أيضا على الطرقات وفي جوانبها.

اللواء 51 العسكري هو من دخل بانياس وتبعه لواء 13 وسيطروا على مقر الشرطة ودخلوا المعسكر السوري الذي كان هو أيضا خاليا ومتروكًا بكامل أجهزته وعدد كبير من الآليات والقطع العسكرية، 'نظفوا بانياس' وصعدوا نحو طريق مسعدة ودخلوها بالتزامن مع وصول باقي الألوية العسكرية إلى القنيطرة، وفي اليوم التالي إلى قمة جبل الشيخ، والإعلان ميدانيا عن انتهاء الحرب السريعة والقصيرة لاحتلال الهضبة السورية، مع خسائر باهظه (حسب تقديرهم)، لكنها أقل بكثير من التوقعات التي كانت قبل البدء في هذه المعركة'.

(المصدر: أرشيف الجيش الإسرائيلي)