في 12 آب/ أغسطس، أطلقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حملتها الانتخابية في مدينة دورتموند غربي ألمانيا. وبعدما أمضت عطلتها لمدة ثلاثة أسابيع في جبال الألب الإيطالية، سخرت من إهمالها لتذكر عدم انتهاء الانتخابات، حيث قالت: "كدت أنسى أن أقول أن الانتخابات لم تُحسم بعد، وأننا نحتاج كل الأصوات بالتأكيد".

ومع المسار الذي تجري فيه الانتخابات، يمكن العفو عن نسيان ميركل لهذه المعلومة الجوهرية الصغيرة. فبعد التوقعات القائلة بأن هذه الحملة الانتخابية ستكون الأكثر إثارة للخلاف، لم تكن هناك أي أحداث درامية خلال الأسابيع الأخيرة من الانتخابات، إلى درجة أن مجلة "وول ستريت جورنال" نشرت عنوانًا رئيسيًا حول الحملة أوجزته بـ "يا له من ملل".

ولكن مع ذلك، فإن قيام ميركل بتقديم مثل هذه التعليقات قبل شهر من يوم الانتخابات يعدُّ إشارة حول المدى الذي اتجه نحوه المشهد السياسي خلال الأشهر الستة الأخيرة، وكيف أصبح موقعها مضمونًا أيضًا. فمع التقاء العوامل المختلفة، من تعثر خصمها وحتى تحسن آفاق اللاجئين، لصالح ميركل، أصبحت إمكانية معاودة انتخابها أمرًا محتومًا.

كان متوقعًا أن تكون حملة ميركل الانتخابية لعام 2017 من أصعب الحملات، فهو العام الذي سعت فيه أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية الأوروبية، بما فيها حزب "البديل من أجل ألمانيا" المعادي للهجرة، لفرض قوتها الانتخابية وسط الرفض المتزايد للعولمة وأزمة اللجوء في أوروبا. عندما أعلنت ميركل عن ترشحها للانتخابات في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تضررت كثيرًا بسبب الانتقادات القاسية التي وُجِّهَت لها لأكثر من عام بسبب سياسة فتح الأبواب للاجئين، كما شعر الناخبون بقدرٍ من الملل بعد استمرارها لـ 12 سنة في منصبها.

ثم جاء منافس ميركل الأساسي، مارتن شولز، وهو سياسي "وافد جديد" من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط) احتُفي به باعتباره سياسي ذو كاريزما ويقع على الطرف النقيض من ميركل. وبعد دخول شولز للسباق في كانون الثاني/ يناير، انخفض الدعم لحزبها لحدود الثلاثينات، مما وضعها في منافسة شرسة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي لأول مرة منذ أكثر من خمسة سنوات. وقد ضج الوسط السياسي الألماني من أثر شولز؛ أي التأثير الواسع للمرشح الجديد وقدرته على التغلب على ميركل وضخ دماء جديدة في منصب المستشار. حيث أخبرني بيتر بيير، وهو عضو برلماني من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل: "راودنا بعض الخوف والقلق في بداية هذا العام عندما قدم شولز نفسه كمرشح في الانتخابات". وأضاف: " كانت الاستطلاعات مختلفةً تمامًا... لقد كان نجمًا".

واليوم، استعاد حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الخاص بميركل قاعدته المفقودة وحصل على ما يقارب الـ 40% في معظم استطلاعات الرأي العام، وهو ذات الدعم الذي حصل عليه قبل أربع سنوات، وذلك قبل مدة قصيرة من فوز الحزب بـ 41.5% في الانتخابات الفدرالية لعام 2013. وفي المقابل، ارتكز الحزب الاشتراكي الديمقراطي في مراحل ما قبل شولز، حيث تراوحت النسب بين 22% و25%. كما استعادت ميركل عافيتها أيضًا. ففي ذات المرحلة من عام 2013، كانت نسبة معدلات قبولها هي 67%، وقد هبطت كثيرًا في عامي 2015 و2016، وذلك في أوج أزمة اللاجئين، ولكنها كانت أعلى بنقطتين في شهر تموز/ يوليو الماضي في مقابل الفترة السابقة لإعادة انتخابية خلال عام 2013.

ومع بقاء أزمتي الهجرة واللجوء ضمن أولويات العديد من الناخبين، كان تباطئ طلبات اللجوء إلى ألمانيا من الأمور المفيدة. ففي الربع الأول من عام 2017، أظهرت إحصاءات الحكومة الألمانية وجود 54600 شخص قدم طلب اللجوء إلى ألمانيا، وانخفاض هائل بنسبة 73% عن عام 2016 في نفس تلك الفترة. ومع قلة عدد الزائرين، وجد حزب "البديل من أجل ألمانيا" صعوبة بالحفاظ على زخمه، حيث حصل في الاستطلاعات على نسب تتراوح بين 7% و10%، وذلك بعد هبوطه عن نسبة 15% على الصعيد الوطني.

وفي نفس الوقت، وبعد الحملة الأولى لشولز، لم يحالفه الحظ في إيجاد قضية يمكن أن يتحدى به ميركل بشكل فعال. لذا نصَّب نفسه كرجل ينتمي للناس (فهو لاعب كرة قدم محترف سابق وغير حاصل على شهادة ثانوية، والذي لجأ للكحوليات بعد تعرضه لإصابة أنهت مسيرته الرياضية) وأجاب اليسار عن صعود اليمين الشعبوي في أوروبا – حيث وصفته صحيفة زوديتشي زايتون في بداية هذا العام بـ"الشعبوي اللبق" – هي أن الرسالة لا يبدو أنها انتشرت بطريقة جيدة. ففي مناظرة يوم الأحد بين شولز وميركل، احتاج شولز لأداء يغير قواعد اللعبة كي يقلب الموازين لصالح حملته، ولكن أشارت استطلاعات ما بعد المناظرة أن الناخبين يرون في ميركل المرشح الفائز.

وبالإضافة إلى ذلك، فمنذ وقوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضمن "الائتلاف الكبير" مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي في البرلمان الألماني، كان يصر شولز على توضيح مواضع اختلاف حزبه عن حزب ميركل ولماذا ينبغي على الناخبين أن يغيروا الوضع الراهن. ولكن أخبرني أليكساندر موس، مُستطلع الآراء السياسية في برلين، أنه "بحكم وجود الحزب الاشتراكي الديمقراطي ضمن الحكومة الائتلافية، فإن هذا يضعهم في موقف صعب جدًا". وأضاف: "فمن الصعب أن تعارض سياسات الحكومة الائتلافية بينما تشكِّل أنت جزءٌ منها".

كان هذا التحدي لشولز واضحًا في انتخابات ثلاثة ولايات عبر ألمانيا في الربيع، والتي كان ينظر لها كمؤشر محتمل لانتخابات شهر أيلول/ سبتمبر، حيث كان النصر فيها جميعًا حليف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (كامتداد لميركل). ففي ولاية سارلندا، وهي ولاية غربية صغيرة على الحدود الفرنسية والتي صوتت في شهر آذار/ مارس، توقع حزب ميركل أن يواجه تحديًا صعبًا، ولكن حصل على خمسة نقاط إضافية مقابل أداءهم السابق هناك. وفي شهر أيار/ مايو، حل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي محل حكومة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في كل من ولايتي شلسفيغ هولشتاين وشمال راين ويستفاليا، وهي أكثر الولايات الشعبوية ومعقل الحزب الاشتراكي الديمقراطي. قال بيير، والذي يتحدر من شمال راين ويستفاليا: "كان من مفيدًا جدًا بالنسبة لنا أن ندرك قدرتنا على الفوز مرةً أخرى، في هذه الانتخابات على مستوى الولايات".

لن تتأثر محاججة ميركل للاستمرار في ألمانيا، وذلك بحكم أن الكثير من الألمانيين – الحذرين من الرئيس دونالد ترامب وحالة التأهب الذي نشرها في العالم – قد زادوا من تقديرهم لعدالة مستشارتهم. حيث أخبرني سوبها ديفيد ويلب، الباحث في البلاد العابرة للمحيط الأطلسي في صندوق مارشال الألماني، أن ميركل "لا زالت شخصيةً راسخة في عالم يتقلب باستمرار"، وأضاف: "إن الفوضى الواقعة في بلاد المحيط الأطلسي، والتي ازدادت مع ضعف الاتحاد الأوروبي، دفعت الناس لتوجيه دعمهم لميركل".

وعلى نحو تتفوق في على السياسيين الآخرين في تاريخ ألمانيا الحديث، قامت ميركل – والتي يشار لها بكلمة "موتي"، أو "الأم" – بإطلاق حملات أعطتها هذه الصورة المنتشرة التي طورتها بين الناخبين الألمانيين. انعكست هذه السمات في الاستطلاعات الأخيرة، حيث سُئِلَ الناس في تموز/ يوليو عن المرشح الذي يعتبرونه كزعيم قوي، واختار الناخبون ميركل على حساب شولز بنسبة 77% مقابل 12%، وسُئِلوا أيهم أكثر أهلية، فاختاروا ميركل مرةً أخرى وبأغلبية ساحقة (76% مقابل 13%).

يقول موس أن الناس ترى ميركل كـ"شخص يهتم بك، يعتني بك، ولا يتبني موقفًا استقطابيًا من المستشار السابق ابن الحزب الاشتراكي الديمقراطي غيرهارد شرودر". "يمتلك الناس إيمانًا كبيرًا بها، وأنها تفعل الشيء الصحيح، خاصة إذا ما قورنت بشولز، حيث يُنظر لها كزعيمة قوية وذات أهلية، ومحل ثقة، وكشخص متعاطف متشبث بما يؤمن به".

لا يعني كل ذلك، بالتأكيد، أن ميركل لا تواجه أي عقبات في طريق يوم الانتخابات، وحتى فيما بعد الانتخابات. فلا زال من المتوقع أن يفوز حزب "البديل من أجل ألمانيا" بمقاعد في البرلمان، والذي يهدف لأن يكون ثالث أكبر حزب في ألمانيا ويعتبر نفسه كأبرز حزب معارض لميركل. وبالإضافة إلى ذلك، لا زال من غير واضحًا من هو الطرف الذي يبني ائتلافًا مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، فمع تضخم حزب "البديل من أجل ألمانيا"، تقل احتمالية فوز ميركل بالدعم اللازم للتحالف مع أحد أصغر الأحزاب (الحزب "الديمقراطي " الليبرالي المتحرر والخضر) وأن يجبَر على الدخول في تحالف لأربع سنوات إضافية ضمن الائتلاف الكبير غير المرغوب مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي.

كما أن هناك احتمالية كبيرة لحصول حدثٍ مفاجئ في اللحظة الأخيرة قد يغير مسار الحملة. فبالرغم من تباطؤ دخول اللاجئين لألمانيا، فإن أي تنامٍ للزائرين الجدد قد يشكل قضية نقاشية لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، مما يزيد من احتمالية حصولهم على الدعم في انتخابات أيلول/ سبتمبر. وفي أي يوم، قد تصدر محتويات التهكير المتعلقة بالبرلمان لعام 2015 في أي وقت على ويكيليكس أو أي مصدر آخر، وهو ما قد يقودنا إلى أحداث مشابهة لما حصل قبيل انتخابات أميركا وفرنسا.

اقرأ/ي أيضًا | ريفلين لميركل: استقرار إيران بسورية سيقود لحرب

ولكن إذا استثنينا حدوث بعض التغيرات أو الأحداث المحورية، فسيتصدر حزب ميركل في الشهر القادم. يقول ديفيد يولب: "قد تخرج الأمور عن المتوقع، فلا زلنا لا نعلم ما إذا سيصدر شيء يتعلق بتهكيرات البرلمان، أو عدم قدرة حزبها على إيجاد شريك لتشكيل أغلبية. ولكن... من الصعب أن نرى مثل هذه السيناريوهات".