(ترجمة: عرب 48)

في شهر شباط/ فبراير من هذا العام، بث الرئيس دونالد ترامب رؤيته التي اشتهر بها والقائلة بأن الإعلام يهمل تغطية بعض الهجمات الإرهابية، بل وصل إلى مرحلة قوله بأن الأوضاع قد وصلت لنقطة حيث "لا تتم تغطية (الأحداث الإرهابية) حتى".

كما أشار ترامب إلى هجمة إرهابية غير موجودة يفترض أنها حدثت في السويد بعد شهر من ذلك ("السويد، من له أن يصدق ذلك؟ السويد")، بينما قامت إحدى أعضاء فريقه، كيلي آن كونواي، بالإشارة إلى أفعال للاجئين عراقييين غير موجدين قاما بحدث إرهابي غير موجود. ("مجزرة الساحة الخضراء").

في دراسة نُشِرَت خلال الشهر الماضي حول التقارير الإخبارية والتغطية الإعلامية للهجمات الإرهابية أثبتت صحة أقوال ترامب؛ حيث يبدو أن الإعلام يُهمِل تغطية بعض الأحداث الإرهابية. كما تقدم الدراسة نتائج تؤكد وجود تفاوت لا لبس فيه في التغطية الإعلامية لهجمات إرهابية على حساب أخرى.

الجماعة في حالة سيئة .. أفرادُها في حالة سيئة

قام مؤلفو الدراسة، وهم إرين كيرنز وأليسون بيتوس وآنثوني ليميوكس، بتسليط بعض الضوء على العوامل التي تؤثر في شدة تغطية الوسائل الإعلامية لأي هجمة إرهابية. ينبغي أن يطلع على هذه النتائج كل من يهتم بالإعلام وتحيزاته ومستقبل الإسلاموفوبيا.

عاد مؤلفو الورقة للنظريات النفسية، مثل منظور الهوية الاجتماعية عند تاجفل وتيرنر، والتي تضع أهمية كبيرة لعضوية الجماعة (داخل الجماعة)، وتعريف الهوية بما يُضادها (خارج الجماعة). وبحسب هذه النظرية، عندما يكون داخل الجماعة جيداً، فإنه يعزز من إمكانية بقاء أعضاء الجماعة في حالة جيدة، والعكس بالعكس، فعندما تكون الجماعة في حالة سيئة، سيكون الأفراد داخل الجماعة في حالة سيئة، وقد يؤدي ذلك إلى توجيه مواردها لتقوية وضع الجماعة.

يرى الباحثون من جامعة ولاية جورجيا، أن الأفراد الذين يعملون في الوسائل الإعلامية، وهم "بيض ومسيحيون في الغالب" من الولايات المتحدة، قد يتوجهون بوعي أو بدون وعي نحو حماية حالة جماعتهم عن طريق عدم التركيز على "جرائم البيض". ولكن، حيثما كانت تُرتَكَب الجرائم من الأفراد الذين ينتمون لجماعات أخرى، فإنهم يميلون للتركيز عليها بشكل أكبر، خاصة إذا ما كان ذلك الفرد ينتمي إلى أقلية "حرجة" (كالمسلمين والأمريكيين الأفارقة والمهاجرين إلخ.).

الصورة الخيالية للعرب

رجع المؤلفون أيضاً إلى جاك شاهين، والتي كانت أعماله حول الإسلاموفوبيا في الإعلام رائدةً في مجالها؛ حيث وجد أن الصورة الخيالية للعرب عبر الوسائل الإعلامية تميل بشكل عام لأن تكون سلبية ومهينة ومذلةً للغاية.

تختبر الدراسة أربعة عوامل: هوية مرتكب الجريمة (ما إذا كان المجرم مسلماً أم لا)، وما إذا تم إمساك المجرم أو اعتقاله، وطبيعة الهدف، وأخيراً عدد ضحايا الحادث. أجرى الباحثون تحقيقات في جميع الهجمات الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة بين عامي 2011 و2015، ووجدوا أن هناك 110 هجمة من هذا النوع خلال تلك الفترة. ثم استخدموا قاعدتي بيانات لمواد إخبارية (ليكساس نيكساس أكاديميك وموقع CNN.com) ليجدوا كافة البيانات حول التقارير التي أُعدَّت حول تلك الهجمات، من تاريخ الهجمة وحتى نهاية عام 2016. تحتوي ليكساس نيكساس أكاديميك على منشورات مثل صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوسس ضمن قاعدة بياناتها، وذلك بالإضافة للصحف المحلية. وبعد استبعاد بعض المواد لغايات منهجية مختلفة، انتهوا لمراجعة 2413 مادة إخبارية.

تغطية إضافية

وكما هو متوقع، اكتشفوا أنه في الحوادث التي كان منفذها مسلماً، فإن القصة تحصل على تغطية إضافية بنسبة كبيرة تقدَّر بـ 449% مقابل الهجمات الأخرى. فإذا أخذنا مثال هجمات ماراثون بوسطن الإرهابية، فقد حصلت على نسبة تقارب الـ 20% من بين جميع التغطيات الإخبارية خلال فترة حدوثها، بينما حدث مثل هجمة ويد ميشيل ميج القاتلة على معبد للسيخ في ويسكونسين، فقد حصل على تغطية بنسبة 3.81% فقط، في حين تلقت هجمة ديلان روف الإرهابية على كنيسة لأمريكيين أفارقة في شارلستون نسبة 7.42% من التغطية الإعلامية. وتلقت هجمة فرايزر غلين ميلر المعادية للسامية على كنيس يهودي في كانساس على نسبة ضئيلة 3.27% من التغطية خلال فترة حدوثها.

لقد أصبح واضحاً الآن أن الطريقة التي يغطي بها الإعلام موضوعاً معيناً يمتلك تأثيراً عميقاً على تصورات الناس. حيث يمكن إثارة مجموعة واسعة من التحيزات الإدراكية بناءً على طريقة صياغة الموضوع. يصف ذلك كيف نبدأ بتصديق فكرة بسيطة لأننا نتعرض لها باستمرار. فإذا كانت تتعرض ممارسات "المسلمين" الإرهابية لتركيز أكثر بنسبة 449% في الإعلام، فمن المؤكد أن يبدأ الناس بالاعتقاد بأن المسلمون إرهابيون، خاصة عندما تقل التغطية الإعلامية المسلَّطة على الممارسات الإرهابية الأخرى.

ولا يتطلب الأمر ذكاءً كثيراً لإيجاد الرابط بين تغطية الهجمات الإرهابية والهيجان العشوائئ لعنف الإسلاموفوبيا الذي نراه كثيراً في العالم، من الهجوم على المصلين خارج المساجد وحتى الهجمات المؤذية التي تعاني منها لندن.

تحدث الهجمات الإرهابية دائماً، وهو أمر حقيقي. وهناك فئة قليلة من المسلمين تنجر للتطرف، وهذه حقيقة أيضاً، وينبغي أن يتم تشخيص كلا الأمرين. يتوجب على الإعلام أن يلعب دوراً مسؤولاً في هذه الحالات وأن يلتزم بما يعد من أبرز مبادءه الرئيسية، وهو تغطية الأخبار بشكل عادل ومتزن ومتناسب. تؤكد هذا الدراسة بشكل علمي ما كان يفكر به الكثيرون منذ سنوات، وهو أن الإعلام يفشل بالوفاء بذلك ويصب الوقود على أوضاع متفجرة أصلاً.

اقرأ/ي أيضًا | الإصرار على إغلاق "الجزيرة" هجوم غير مقبول على حقوق الإنسان