(ترجمة: عرب 48)

شهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا في العنف ضد الروهينجا في راخين، وهي من أفقر الولايات في ميانمار. حيث يسعى عددٌ كبيٌر من الناس المهجَّرين للحصول على ملجأ من الأعمال الوحشية، فهم يهربون لبنغلاديش مشيًا أو باستخدام القوارب. إنها أحدث موجات النزوح للسكان المهجرين، والتي تفاقمت مع الممارسات الأخيرة لجيش إنقاذ روهينجا أراكان.

ثمة اعتقاد واسع الانتشار بأن الاختلافات الدينية والعرقية هي المسبب الرئيسي لأعمال الاضطهاد. ولكن من الصعب الاعتقاد بعدم وجود عوامل أخرى في المشهد، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود 135 جماعة إثنية معترف بها رسميًا في ميانمار (تم إزالة الروهينجا من هذه القائمة في عام 1982).

أثناء تحليل أحداث العنف الأخيرة، ركزت الكثير من الوسائل الإعلامية الغربية على دور الجهاز العسكري والزعيمة أونغ سان سو كي، حيث تمت مساءلة مكانتها كشخصية حاصلة على جائزة نوبل للسلام، وذلك منذ بروز الشواهد الأخيرة لأعمال العنف.

أونغ سان سو كي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام

وقد استمرت في تجنب إدانة العنف الممنهج ضد الروهينجا، على الأقل توجهت أنظار الوسائل الإعلامية تجاه المأزق.

ولكن لم يتم استكشاف القضايا الأخرى. فمن الضروري النظر فيما هو أبعد من الاختلافات الدينية والعرقية والتوجه نحو الأسباب الجذرية الأخرى التي تسببت في أعمال الاضطهاد والعنف والتهجير.

ينبغي أن نأخذ المصالح السياسية والاقتصادية في عين الاعتبار كعوامل مساهمة لأعمال التهجير القسرية في ميانمار، ليس مع الروهينجا فقط بل مع الأقليات الأخرى مثل الكاشين والشان والكارين والشين والمون.

انتزاع الأراضي

يعد انتزاع الأراضي ومصادرتها في ميانمار أمرًا واسع الانتشار، فهو ليس ظاهرة جديدة.

فمنذ التسعينات، تعمل الطغمة العسكرية على انتزاع الأراضي من الملاك الصغار عبر أرجاء البلاد، من دون أي تعويضات وبغض النظر عن الخلفية الدينية أو العرقية.

كان يتم أخذ الأراضي عادة بغرض المشاريع "التنموية"، بما فيها توسيع القواعد العسكرية، واستخراج الموارد الطبيعية، والمشاريع الزراعية الكبيرة، بالإضافة للبنى التحتية والسياحة.فعلى سبيل المثال، صادر الجيش في ولاية كاشين أكثر من 500 فدان من أراضي القرويين لدعم توسيع أعمال التنقيب عن الذهب.

أدت المشاريع التنموية لإجبار آلاف الناس على الرحيل – داخل الحدود وخارجها لبنغلاديش والهند وتايلاند – أو إجبارهم على الرحيل بحرًا نحو إندونيسيا وماليزيا وأستراليا.

في عام 2011، وضعت ميانمار إصلاحلات اقتصادية وسياسية وصلت لأن لقِّبت بـ "حدود آسيا الأخيرة" بعد فتحها الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي. وبعد ذلك بفترة قصيرة، في عام 2011، تصاعدت أعمال العنف ضد الروهينجا في ولاية راخين وضد مسلمي كارين بدرجة أقل. أسست حكومة ميانمار خلال ذلك مجموعة قوانين تتعلق بإدارة وتوزيع الأراضي الزراعية.

تعرضت هذه الخطوات لانتقادات حادة لتدعيم قدرة الشركات الكبرى على الربح من الاستيلاء على الأراضي. فعلى سبيل المثال، عملت الشركات الزراعية العابرة للقارات مثل دايو بوسكو بحرص على الدخول للسوق والتعاقد مع الحكومة.

غنيمة محلية

تقع ميانمار بين بلاد لطالما اهتمت بمواردها، مثل الصين والهند. فمنذ التسعينات، قامت الشركات الصينية باستغلال الخشب والأنهار والمعادن في ولاية شان في الشمال.

وقد أدى ذلك لنشوب صراعات مسلحة بين النظام العسكري والجماعات المسلحة، بما فيها منظمة كاشين المستقلة والأعراق الحليفة لها في ولاية شرقي كاشين وولاية شمالي شان.

وفي ولاية راخين، تعد المصالح الصينية والهندية جزءًا من العلاقات الصينية الهندية الأوسع. تتمحور هذه المصالح بشكل أساسي حول بناء البنى التحتية وخطوط الأنابيب في المنطقة. تدعي مثل هذه المشاريع ضمان الوظئف ورسوم العبور وعائدات النفط والغاز لجميع سكان ميانمار.

ومن بين العديد من البرامج التنموية، تم بناء خط أنابيب عابر للحدود من قِبَل شركة الصين الوطنية للبترول لتصل بين سيتوي عاصمة راخين وحتى كونمينغ في الصين، حيث بدأت عملياتها في أيلول/ سبتمبر 2013. تم توثيق كافة المساعي المتعلقة بأخذ النفط والغاز الميانماري من أراضي شوي المليئة بالغاز وحتى غانغزو في الصين.

ومن المتوقع أن يعمل خط أنابيب موازي على نقل نفط الشرق الأوسط من ميناء كياكفيو إلى الصين. ولكن حثَّت اللجنة الاستشارية المحايدة في ولاية راخين حكومة ميانمار على إنجاز تقدير شامل لآثار كل ذلك.

في الحقيقة، اعترفت اللجنة بأن خطوط الأنابيب تضع المجتمعات المحلية في خطر. فثمة توتر محلي كبير فيما يتعلق بمصادرة الأراضي والتعويضات غير الكافية على الأضرار والتفسخ البيئي وتدفق العمالة الأجنبية بدلًا من توفير فرص التوظيف المحلية.

وخلال ذلك، تم تمويل وبناء ميناء سيتوي البحري من قِبَل الهند كجزء من مشروع كالدان للمنافذ المتعددة. حيث يهدف لوصل ولاية ميزورام الشمالية الشرقية في الهند مع الخليج البنغالي.

تعد المناطق الساحلية من ولاية راخين ذات أهمية استراتيجية واضحة لكل من الهند والصين. لذلك تمتلك حكومة ميانمار مصلحة حقيقية في إخلاء الأراضي للتحضير للمشاريع التنموية القادمة وتعزيز نموها الاقتصادي.

كل ذلك يأتي ضمن السياق الأوسع للتحركات الجيو سياسية. ثمة دور أساسي لبنغلاديش في تأجيج التوترات العرقية أيضًا. وداخل صراع القوى هذا، تصبح التكلفة البشرية عاليةً جدًا.

الضعف المتزايد الأقليات

الجماعات التي تسقط ضحية لعمليات الاستيلاء في ميانمار تبدأ عادةً بحالة مستضعفة وتُترك بحالة أسوأ أيضًا. وتُعد أوضاع الروهينجا في ولاية راخين من أكبر النماذج على عمليات الترحيل الأوسع التي تصيب الأقليات.

عندما تهمَّش وتُظلَم مجموعة ما فإنه يصعب عليها القيام بتحصين نفسها وحماية حقوقها، بما في ذلك ممتلكاتها. وفي حالة الروهينجا، فإن قدرتهم على حماية مساكنهم قد انهارت عبر إبطال حقهم بالمواطنة البورمية.

ومنذ أواخر السبعينات، فر حوالي مليون روهينجي من ميانمار هربًا من الاضطهاد. وما هو مأساوي أنهم تعرضوا للتهميش داخل دولتهم.

ومع عدم استعداد أي دولة لتولي مسؤوليتهم، فإما أن يُجبروا أو يُدفعوا للاستمرار بعبور الحدود. والممارسات التي استُخدمت لدفع الروهينجا نحو هذه الخطوة جعلهم أكثر عرضة للخطر.

إن مأساة الروهنيجا هي جزءٌ من صورة أكبر تعرِض سياسات اضطهاد وتهجير الأقليات عبر ميانمار نحو الدول المجاورة.

لا يمكن إنكار صلة وتعقيد المسائل الدينية فيما يحصل بيانمار، ولكننا لا نتسطيع تجاهل السياق السياسي والاقتصادي والعوامل لجذرية لعميات التهجير والتي لا يسلط عليها الضوء عادةً.

اقرأ/ي أيضًا | مجازر بورما تهجر 370 ألفا من الروهينغا لبنغلادش