(ترجمة خاصة: عرب 48)

يُعتبر التحليل النفسي أو العلاج التحليلي النفسي أحد أساليب معالجة المشاكل النفسية المتجذِّرة، وهي تتأسس على قناعة مفادها أن السلوك يتشكل عن دوافع قد تكون غير معروفة وغير واعية.

وبهذه الرؤية يصبح بالإمكان التفكير بالمعنى والأسباب المتخفية وراء هذا السلوك، وهو ما يمكِّننا من تغييره.

بالرغم من قيام نظريات فرويد العقلية على فرضية وجود اللاوعي، لكن لا يعد هو صاحب هذا المصطلح. فقد تناول فكرة اللاوعي فلاسفة القرن السابع عشر الغربيين من أمثال جون لوك ورينيه ديكارت وغوتفريد لايبنتس لاحقًا، حيث تكهنوا بوجود شيء داخل العقل ووراء الوعي يؤثر أيضًا على السلوك.

أسباب السعي نحو العلاج التحليلي النفسي

يسعى الناس لطلب مساعدة التحليل النفسي للعديد من الأساب، مثل أنواع الفشل المختلفة أو العلاقات المدمِّرة، وتوتر العمل، والاكتئاب والقلق، والاضطرابات الشخصية أو القضايا المتعلقة بالهوية الذاتية والجنس. يسعى البعض للعلاج بعد تعرضهم لفقد مؤثر، بسبب الموت أو الطلاق، أو كنتيجة لحدث صادم أو لتعرضهم للتحرش خلال مرحلة الطفولة أو المراهقة.

قد يذهب الناس إلى المحلل النفسي مرةً أو أكثر كل أسبوع خلال عدة أشهر أو سنوات. وقد يتعامل المحلل النفسي مع نفس الشخص لأربع أو خمس مرات في الأسبوع. وتمكِّن الجلسات العادية مع الوقت، والتي تتراوح مدتها بين 45 و50 دقيقة، من تطوير تصور عن أنماط التفكير والسلوك والطريقة التي تؤثر بها على الفرد بناءً على حالته العاطفية بالتوازي مع شركائه وعائلته وأصدقاءه وعمله ومجتمعه المحيط.

في أستراليا، يقدر الأشخاص الذي يزورون محللًا نفسيًا ذو خلفية طبية، سواءً كان طبيبًا نفسيًا أو طبيبًا عاديًا، أن يطالبوا بجلسات تسري ضمن برامج العناية الطبية.

وبالنسبة للأشخاص الذين يتعالجون أو يأخذون جلسات مع شخص من خلفية غير طبية، فيتاح لهم المطالبة بأكثر من عشر جلسات في العام ضمن برنامج العناية الطبية، وذلك بناءً على المؤهلات المهنية للمعالج.

يأخذ التدريب على التحليل النفسي والعلاج التحليلي النفسي مدة خمس سنوات على الأقل بشكل عام. وهو مفتوح لمجموعة متنوعة من التخصصات مثل الطب النفسي والممارسة العامة وعلم النفس والعمل الاجتماعي والتمريض.

يتضمن التدريب منظورًا تطوريًا، حيث يأخذ بعين الاعتبار تأثير تجارب السنوات الأولى والطفولة على حياة الأفراد فيما بعد.

وتتضمن التدريبات تأسيسًا نظريًا وعملًا سريريًا تحت الإشراف ومتابعة طفل رضيع منذ الولادة لمدة عام واحد بالتوازي مع الدروس النظرية. يتلقى جميع المتدربين تحليلًا شخصيًا أو علاجًا تحليليًا نفسيًا خلال فترة تدربهم.

مراحل العلاج

يحاول المرضى خلال الجلسة أن يتحدثوا بكل ما يخطر على بالهم، ويطلقوا العنان لأفكارهم ومشاعرهم وذكرياتهم وأحلامهم. وليتمكنوا من ذلك، يستلقي البعض على أريكة ويجلس المعالج خلفهم، بينما يجلس آخرون أمام المعالج.

في هذه الوضعية السرية، وكنوع من بناء الثقة، تبدأ تتشكل ملامح لاوعي المريض وعالمه الداخلي، وتصبح أنماط العلاقات والتجنب بادية أمام المعالج.

ينصت المحلل بكل تركيز لتأملات وأحلام وذكريات وأفكار المريض ويحاول أن يستكشف معانيها.

وتأمَل أن يتمكن المريض من بناء تصور عن أنماط الحياة المدمرة بالنسبة له وطريقة تشكلها، ليفهمها باعتبارها استجابة لأحداث حياته والعلاقات التي يعيشها.

هل هذا أمر فعال؟

ثمة نقاش معتبر حول فعالية العلاج بالتحليل النفسي. إحدى المشاكل الموجودة هو مقاومة المحللين النفسيين لإدراك قيمة الأبحاث والأدلة المنهجية في تطور هذا العمل. والأخرى هي صعوبة دراسة العلاج نظرًا لطبيعتها طويلة المدى.

حيث أقرت مقالة منشورة في عام 2012:

... لم يعد يُوصى بالمحللين النفسيين للتعامل مع الأمراض النفسية نظرًا لغياب الإثباتات. فلم تتمكن ورقة منشورة مؤخرًا من الكشف عن تجربة عشوائية مضبوطة لتقييم التحليل النفسي التقليدي على المدى الطويل، ولم يكن واقع التحليل النفسي الحديث جيدًا بكل الأحوال.

ولكن، ومنذ ذلك تم إجراء ونشر بعض الدراسات التي خرجت بنتائج إيجابية.

في عام 2015، نشر معهد تافيستوك دراسة عن اكتئاب البالغين تستكشف فاعلية العلاج عن طريق التحليل النفسي. استخدمت الدراسة نموذجًا عشوائيًا لتجربة ضابطة وتفحَّصت مجموعة من المرضى الذين تم تشخيصهم باكتئاب طويل المدى والذين فشلوا في تجربتي علاج مختلفتين على الأقل.

خضعت مجموعة للعلاج التحليلي النفسي لمدة سنتين، بينما تمت معالجة المجموعة الضابطة الأخرى بالعلاج الإدراكي السلوكي، حيث تعلم المرضى أساليب جديدة في التفكير والسلوك.

في حين لم تكن النتائج مختلفة بشكل كبير بين المجموعتين في نهاية عملية العلاج، برزت اختلافات حقيقية خلال 24 و30 و42 شهر. شهدت نتائج الاكتئاب انحدارًا كبيرًا في مجموعة العلاج النفسي التحليلي، بالتوازي مع تحسين سلوكهم الاجتماعي، وذلك بالمقارنة مع مجموعة العلاج الإدراكي السلوكي. هذا يشير إلى أن العلاج التحليلي النفسي مفيدٌ في تحسين المخرجات طويلة المدى في علاجات مقاومة الاكتئاب.

قادت دراسة ثانية لنفس المؤلف، منشورة في عام 2016، بالبحث في دور العلاج التحليلي النفسي في العلاقة بين الوالدين والأطفال، وهو ما يهدف لتحسين عملية التفاعل بين الأهل والأطفال. تم اختيار المشاركين بشكل عشوائي لتقديم الرعاية الأولية الداعمة.

لم تكن هناك اختلافات بارزة في نتائج مقاييس تطور الأطفال الرضع، والتفاعل بين الأهل والأطفال، أو قدرة الأهل على الاهتمام بالصحة النفسية للطفل وصحتهم النفسية أيضًا. ولكن تبين أن أولئك الذي تعرضوا للعلاج النفسي بين الأهل والأطفال قد شهدوا تطورًا في العديد من نواحي الصحة النفسية الأمومية، بما فيها توتر الأهل والعلاقة مع الطفل. وهو ما يشير إلى قدرة العلاج التحليلي النفسي على تحسين العلاقة بين الأهل وأطفالهم.

حاجج نقاد التحليل النفسي ضد المدة التي يتطلبها العلاج، وهو أمر مكلف بالنسبة للمحافظات ميسورة الحال من ضواحي الطبقات الوسطى. إن المريض الذي يسعى للعلاج النفسي قد لا يريد ولا يحتاج لعلاج طويل المدى، فهو لا يحتاج إلا لترتيب بعض الأمور. لذا يبدو أن العلاج الإدراكي السلوكي أو أي علاج آخر هو خيار أكثر فائدة لبعض المرضى.

من غير الممكن الاستمرارية في العلاج التحليلي النفسي على المدى الطويل ضمن القيود المالية الخاصة بالصحة النفسية العامة ونظام الرفاه. ولكن يمكن استخدام العلاجات التي تركز على تقديم الحلول أو ذات الجلسات الموحدة مع الأفراد والعائلات الذين يعيشون في محن ومصائب.

اقرأ/ي أيضًا | علماء يستطيعون رسم خريطة تفاعلية للمشاعر

لا يتوافر العلاج التحليلي النفسي بسهولة في المناطق المحلية والريفية والمعزولة. وفي حين يتوافر "العلاج عن بعد" عبر الوسائل التكنولوجية مثل "سكايب" و"فيس تايم" و"زوم" والهاتف، إلا أنه يجب تقييم هذه الوسائل وما إذا كان لها نفس تأثير العلاج وجهًا لوجه.