(ترجمة خاصة: عرب 48)

قال الكاتب الأميركي، رالف ألدو إميرسون، ذات مرة، أن التماسك الأحمق هو غول العقول الصغيرة. ما عليك إلا أن تبدل "التماسك الأحمق" بـ"العنوان الأحمق" وسيكون لديك توصيف جيد لخطابنا السياسي المعاصر.

دافعت تيريزا ماي عن "رأسمالية السوق الحرة"، بينما نافح جيرمي كوربين عن "اشتراكية القرن الواحد والعشرين"، وهكذا رددت خلفهم العناوين العريضة والتقارير الإخبارية. أي أن زعماء الأحزاب يخبروننا عن أنفسهم عبر خطاباتهم.

ولكن ما الذي تعني هذه العناوين فعليًا؟ وما هي السياسات الاقتصادية التي تتضمنها؟ وما هو نوع المجتمعات التي تصفها؟

يعود مفهوم الرأسمالية إلى الثورة الصناعية، عندما كان يمتلك رجال الأعمال الأغنياء "رأس المال" المادي الذي أصبح ممكنًا بفضل التقدم التكنولوجي. فقد كان المسؤول عن مصنع الغزل والنسيج الجديد هو مالكه أيضًا، وكانت تمنح هذه الملكية قوة اقتصادية وسلطة اجتماعية هائلة، وذلك بحكم قدرة مسؤولي المصانع على تحديد أجور وظروف العمال.

ولكن من الذي يمتلك رأس المال المادي، أي "أدوات الإنتاج"، في اقتصادنا الحديث؟ فلم يعودوا هم أولئك الأشخاص الذين يديرون المؤسسات الكبيرة التي يعمل لديها الكثير منا. فالملايين منا يُستثمرون في هذه الشركات العملاقة من خلال رواتب التقاعد. هل هذا يجعلنا "رأسماليين"، مثل ملاك المطاحن في القرن التاسع عشر؟ هذا أمر صعب. لقد انفصلت القوة الاقتصادية عن الملكية المشتركة. ولكن لا يعني هذا أنها أصبحت مشتركة بشكل واسع.

والاختلاف الآخر هو أن معظم الشركات النشطة اليوم – مثل جوجل وأمازون وأوبر – لا تمتلك فعليًا "رأس مال" كبير بالمعنى التقليدي للكلمة. فقيمة مثل هذه الشركات لا تأتي من معداتها الملموسة أو سلعها، بل من ملكيتها الفكرية، ومن خبرة الموظفين المهرة وشبكاتها وعلاماتهما التجارية.

"يمكن أن تكون العناوين اختزالًا مفيدًا عندما لا نكون مدركين تمامًا لمعانيها. ولكن هذه العناوين تحديدًا – "الرأسمالية" و"الاشتراكية" – لا تسهل عملية الفهم، بل تُفشلها. فهي لا تشجعنا على التفكير جديًا بتحديات تفعيل أنظمتنا الاقتصادية"

كما يعد مفهوم "الاشتراكية" إشكاليًا أيضًا، ويعود إلى عصر الصراعات السياسية بين العمال المنظمين والنخبة الاقتصادية. ولكن العمال انتصروا في الكثير من هذه المعارك، وأسسوا أنظمة حماية لمكان العمل، وحقوق تصويت شاملة، وأنظمة دولة الرفاه. لذا ما الذي تعنيه الاشتراكية في السياق الحديث؟ هل تعني النمط السوفيتي في التخطيط المركزي وإلغاء الملكية الشخصية؟ أم النمط الفنزويلي في التحكم بالأسعار؟ أم النمط الكوبي في قمع الحريات المدنية؟

أم أنها تعني ببساطة ملكية الدولة لمجموعة محددة من الخدمات الطبيعية المحتكرة؟ قد يكون هذا تبريرًا لاستخدام هذا المفهوم بالنسبة للبيان الانتخابي لحزب العمال. ولكن، وإذا سرنا على ذات المنطق، هل ينبغي أن نصف هولندا كدولة اشتراكية بحكم تملُّك الدولة لنظام سكة الحديد؟ وهل تعد فرنسا اشتراكية لأنها تمتلك شركة وطنية للطاقة؟ وهل يمكن اعتبار ألمانيا اشتراكية لمجرد وضعها ضوابط على الإيجار؟

في الواقع، تعد جميع هذه الدول ديمقراطية اجتماعية، وهي تشكيلة من اقتصاديات السوق في العالم المتقدم. تحظى بريطانيا على تنويعة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لليابان، والدول الإسكندنافية أيضًا، فجميعا تحظى بنظام اقتصادي مختلط، حيث تتواجد الأسواق مع درجة ما من ملكية وتدخل الدولة. وحتى أميركا، ببرامجها البحثية العلمية الممولة من الدولة والحقبة الجديدة من نظام الأمان الاجتماعي، فهي تمثل نظامًا اقتصاديا مختلطًا.

إن الفكرة القائلة بأن تيريزا ماي والمحافظون يقدمون سياسات يمكن وصفها بـ"الرأسمالية" وأن حزب العمال يقدم سياسات مختلفة تمامًا تدعى بـ"الاشتراكية"، لهي فكرة سخيفة. بلا شك، هناك مجموعة من الاختلافات بين الحزبين الأساسيين من ناحية تصورهم عن الحدود المناسبة بين السوق والدولة ضمن نظامنا الاقتصادي المختلط (وهي اختلافات أكبر بكثير مما كانت عليه منذ عدة عقود)، ولكن مواقفهم تقع ضمن اتصال واضح ومعروف.

فتيريزيا ماي نفسها تقول إنها تريد صوتًا أعلى للعمال في غرف الشركات، وتشدد على ضرورة عمل الأسواق "ضمن القواعد والتنظيمات الصحيحة". ولا يدعو جيرمي كوربين، وبالرغم من كل محاولات الصحف اليمينية لتصويره كثوري متعطش للدماء، إلى تأميم محلات السوبر ماركت ومصانع السيارات.

لا يمتلك الناس الكثير من أوقات الفراغ، ويمكن أن تكون العناوين اختزالًا مفيدًا عندما لا نكون مدركين تمامًا لمعانيها. ولكن هذه العناوين تحديدًا – "الرأسمالية" و"الاشتراكية" – لا تسهل عملية الفهم، بل تُفشلها. فهي لا تشجعنا على التفكير جديًا بتحديات تفعيل أنظمتنا الاقتصادية المعقدة وسريعة النمو بطريقة ترفع من معايير الحياة وفرص ازدهار الإنسان. إنها حافز للقبلية اللاعقلانية: أي رسالة لأخذ موقع ضمن المعادل السياسي لمعركة ترفيه المجتمع في الحرب الأهلية الإنجليزية.

اقرأ/ي أيضًا | كيف عززت البطاطا صعود الرأسمالية الليبرالية؟

النصيحة المثلى هي إبعاد هذا الغول، وتجاهل هذه العناوين والتركيز على مدى جدارة السياسات.