(ترجمة خاصة: عرب 48)

في صباح الأمس، أعلنت الوكالة الإخبارية شبه الرسمية التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، "أعماق"، عن مسؤولية التنظيم عن مجزرة لاس فيغاس، والتي أودت بحياة 58 شخص وجرحت 515 آخرين.

والشخص المرجح أنه قام بعملية القتل، بحسب الشرطة، هو ستيفان بادوك من مسكيت في نيفادا، لم يُعرَف عنه أي دعم لتنظيم داعش، أو أن يكون مسلمًا من أي توجه. وحتى الآن، فإن الدليل الوحيد الذي يشير إلى وجود علاقة لـ"داعش"، هو الإعلان الذي نشرته، حيث نشرت الصحيفة أولًا إعلانًا تقول فيه إن "جنديًا من تنظيم الدولة" أعدم رواد الملهى، ونشرت من باب فض الارتباك موضحةً أن الرجل قد تحول إلى الإسلام منذ بضعة أشهر. بينما أكد مكتب التحقيقات الفدرالية أنه لا يعتقد بوجود ارتباط لهذه لهجمة بالإرهاب العالمي.

لم تكد الشمس تشرق على لاس فيغاس، ويبدو أنه لا يزال هناك بعض الدم في ساحة المجزرة. والتكهنات القائلة بإمكانية حصول عمليات إطلاق نار في الساعات التالية للحدث ليست لعبة حمقاء فقط بل تسرُّع أحمق أيضًا. فالأدلة ستظهر قريبًا، وسيتم اختبار تصريحات "داعش" أمام ما تثبته الحقيقة. ولكني بدأت منذ الآن بالاستماع إلى جوقة من الشكوك التي تقول: سيتبنى تنظيم "داعش" أي شيء، حتى الأعاصير.

لا يمتلك المشككون الكثير من الأمثلة المرجِّحة إلى صفهم. فتنظيم داعش لا يتبنى الكوارث الطبيعية. صحيحٌ أن داعمي التنظيم يبتهجون بها، ولكنهم يخصصون وسائل إعلامهم الرسمية للأحداث الدولية. وبالتأكيد، يعتبِر وكلاء التأمين والمسيحيين أيضًا، في بعض الأحيان، أحوال الطقس هذه "كفعل إلهي".

إن غالبية الهجمات التي تبناها تنظيم داعش نفذها رجال يتحركون باسمها، وعادة ما يتم ذلك بعد نشر فيديو قصير لبيان يؤكد على نواياهم. بينما تعد وكالة "أعماق الإخبارية"، المساحة المفضلة للتصريحات الابتدائية، وفي غضون أيام. (يخطئ الصحفيون البسطاء أحيانًا في قراءة ابتهاج المناصرين عبر الإنترنت معتبرينه كتصريح رسمي). وإذا كانوا يكذبون كثيرًا بادعاءاتهم، فسنكون قد تجاهلناهم منذ مدة طويلة، كما نفعل مع المتوحشين الآخرين الذين حاولوا تبني أعمال وحشية نفذها أناس آخرون. إن الفكرة القائلة بأن تنظيم الدولة يقوم ببساطة برصد الأخبار والبحث عن عمليات القتل الواسعة، لينشر بعدها التصريحات الصحفية على أمل سرقة المجد، هي فكرة خاطئة. فقد تعلم وكالة أعماق بعض التفاصيل عن الهجمة عبر الوسائل الإعلامية السائدة – وعادة ما تأخذ هذه التفاصيل بشكل خاطئ، مثلها مثل الوسائل الإعلامية – ولكن عادة ما ينبع تبنيها للحدث من مصدر يرتبط بوكالة أعماق.

قد يتبين أن إدعائها لهجمة لاس فيغاس خاطئ، فهم لم يقدموا أي دليل على ذلك، فليس هناك فيديو من هاتف القاتل وهو يقسم بالولاء بلغة عربية ركيكة، وما من صور سيلفي له وهو يرفع أصبع التوحيد. ومثال آخر على غياب أثر تدخل تنظيم الدولة، هو الفيديوهات الموجودة في نطاق تصويب بادوك. ففي هجمات مثل التي حصلت في مطعم "هولي بيكري" في داكا في بنغلاديش، رفع القتلة صورًا آنية وحصرية وأرسلوها لوكالة أعماق. وكما هو الحال مع الهجمات التالية المؤكدة، لم نحصل بعد، وحتى هذه الساعات، على مثل هذه الصور الخاصة للتنظيم.

إذا كان ادعاؤهم هذا كذبًا، فلن يكون هو أول إدعاء كاذب لحدث يحصل في كازينو. ففي حزيران/ يونيو، قام مقامر مدمن بإطلاق النار وإحراق كازينو ريزورت وورد في مانيلا في الفليبين. تبنى تنظيم الدولة حينها هذا الهجوم، وتلى ذلك بمزاعم مشكوك بها بأن جيسي جافير كارلوس، صاحب الـ٤٢ عامًا، قد تحول إلى الإسلام قبل بضعة أشهر ومن دون أن يخبر أحدًا.

ومن الواضح أن هذا التفسير هو كذب بواح. وإذا كان ادعاء تنظيم داعش لهجوم لاس فيغاس خاطئًا أيضًا فإنه سيمزق مصداقية الوكالة الإخبارية للتنظيم. وستصبح وكالة إخبارية كانت موثوقة ذات مرة، ولكنها أصبحت تُقحم نفسها الآن من دون تمييز بأسماء أشخاص مجانين ومسلحين في الكازينوهات.

أعتقد بوجود فائدة صغيرة لمثل هذا التحول. فعندما تتبنى وكالة أعماق هجومًا ما، فإنها ترهن نفسها للحقائق التي ستكشف عنها التحقيقات الجارية. فداعموها يحتفون ببادوك بحذر، ولكن حتى هم سيصابون بالخيبة إذا صدر (على سبيل المثال) بيان يكشف عدم كون بادوك رجلًا جهاديًا بل مجرد مسيحي سايكوباتي، أو إذا اكتُشِف أن المكان الذي أطلق منه النار كان مليئًا بالمجلات الإباحية وقوارير الخمر من البار الصغير. فبحسب الصحفيين، كان بادوك مؤخرًا مهووسًا بالمقامرة، بينما يعد القمار والخمر من أكبر الرذائل في الإسلام. ويبدو أيضًا أنه قتل نفسه، بدلًا من أن ينتظر مقتله على النمط المعهود لتنظيم داعش.

اقرأ/ي أيضًا | هجوم لاس فيغاس: ارتفاع عدد الضحايا إلى 58 قتيلًا

إن قسم الولاء لأبو بكر البغدادي، المصور، والتي ترافقت مع مزاعم تنظيم داعش الأخرى حول مسؤوليتها، ستعمل على مسح تاريخ المهاجمين، وستحفظ مصداقية وسمعة تنظيم داعش. ويمكن للإباحيات والشرب أن تُعزى إلى عادات الزمن الماضي، حتى لو كان الزمن الماضي هو الأسبوع الذي سبق الحدث. فمع وجود سجل إجرامي نظيف، والولادة من جديد والتحول إلى جندي للخلافة، ستؤمِّن إدعاءات وكالة أعماق، ولن تحتاج إلى إصدار اعتذار بعدها. لكن تكشف الحقائق، سنرى ما إذا ستنتهي موجة القتل هذه لتذكرنا بأخذ وكالة أعماق على محمل الجد، أو أن تُظهر لنا سقوط معاييرها بلا عودة.