(ترجمة: عرب 48)

من خلال خبراته في عالم التكنولوجيا (حيث كان رئيس تصميم وسيط المستخدم في شركة نوكيا) والمجال الأكاديمي (فهو باحث في مركز الدراسات الحضرية في كلية لندن للاقتصاد)، فإن آدم غرين فيلد مؤهل لتحليل العواقب السياسية لأحدث الصيحات التكنولوجية. في هذا المقال، قدم ماثيو لورنس، الباحث في معهد أبحاث السياسات العامة، مجموعة من الأسئلة حول الآثار المجهولة للتكنولوجيا الرائجة اليوم – من الهواتف وحتى الطابعات ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي، ومن البيتكوين وحتى البلوتشين – على الوعي في القرن الواحد والعشرين، والإمكانات التي تفتحها لتحقيق عالم أفضل.

أحد محاججاتك المركزية في كتابك الجديد المميز "التكنولوجيا الراديكالية: تصميم الحياة اليومية" (فيرسو، 2017) هو وجود الحاجة للتساؤل حول ما تفعله الإصدارات التكنولوجية الجديدة، وما هي مواضع اللامساواة التي تخلقها أو تعيد إنتاجها، وما هي النقاط المجهولة حولها.

لا أدري إن كنت تذكر كيف قدَّم ستيف جوبز فكرة جهاز الآي فون بنفسه، لقد قدمها بطريقة ذكية حقاً. حيث بدأ بالقول: "نود أن نعلن عن مجموعة من المنتجات المختلفة اليوم: جهاز آي بود بخاصية اللمس، وهاتف خليوي ثوري، وجهاز قادر على الاتصال بالإنترنت"، ثم قام بتكرار هذه الجملة لعدة مرات، وبهذا الإيقاع الساحر. وبعد تكرارها بضعة مرات، بدأ الجمهور بفهم ما يقول، وهو ما حصل عندما بدأوا بالتصفيق بحرارة. كانت هذه هي اللحظة التي فهموا فيها للمرة الأولى أنه يشير إلى جهاز واحد فقط يؤدي كل تلك الأمور.

ثمة مستوى واعٍ يظهر عندما نستخدم الهاتف بشكل قصدي، ثم هناك كل تلك الأشياء التي تحدث وراءنا، والتي نميل لعدم الوعي بها. لذا فعندما تسير في الشارع وأنت تجري حواراً باستخدام الهاتف، فإنه يقوم بتحديد موقعك في الوقت نفسه، ليضع هذا الموقع ضمن خريطة افتراضية، ويقارنه بمواقع أماكن اهتمامك أو الأشخاص الآخرين الواقعين ضمن شبكتك الاجتماعي، وهكذا.

بعض هذه الإمكانيات تكون موجودة لغايات ضرورية تتعلق بالتواصل، فعلى سبيل المثال، بمجرد تحديد موقعك من الهاتف فإن هذا يصل إلى الأبراج الخليوية لإنجاز التواصل، وبعضها معد لأغراض إجراء التغذية الراجعة ضمن نموذج الأعمال، كما هو الحال مع معظم وسائل تحليل البيانات. ولكن ما يعنيني أكثر هو أن هذا النمط من الوجود الذي ندخله بمجرد انخراطنا في العالم عبر الهواتف الذكية يُحدِث تأثيراً ملحوظاً على سلوكنا، والتعامل من خلاله كوسيط للتفاعل مع العالم بكل تنويعاته وتعقيداته تنبثق من عدد محدود من المفردات، والتي صاغها عدد صغير من الأشخاص والمؤسسات. وكنتيجة لذلك، وبينما يقومون بفعل 10000 شيء مختلف من أجلنا خلال اليوم، تقوم هواتفنا الذكية طوال الوقت بإعادة إنتاج تأثيرات مميزة جداً، وهذه تؤثر على المستجيبين بأيديولوجيةٍ محددة تمت صياغتها في مكان محدد وزمان محدد في التاريخ، ومن قبل أفراد ومؤسسات معروفة.

وأستغرب من الضعف النسبي في التركيز الموجه لفهم ماهية هذه الأديولوجية المستبطنة. فأنا لا أستطيع فعلياً أن أتخيل حياتي في عام 2014 من دون هاتفي الذكي واللذة والقدرة العملية والسهولة التي يوفرها لي. لذا نحن لا نميل للغوص في هذه القضية تحديداً. لقد حرِّمَ علينا أن نفكر بعمق في ذلك، وارتحنا لفكرة أنه من الأفضل لنا ألا نقوم بذلك. ولا أعتقد في نفس الوقت أنه يمكننا تجاهل ذلك. فنحن ننتج البيانات، نحن مجموعة بيانات.

هذه نقطة مفيدة للمقارنة في استيعاب مدى صعوبة ردم هذه الفجوة الموجودة في أذهاننا. قد يكون الحال ببساطة أنه لن يعيش أي شخص بمثل عمري – ولد عندما ولدت، وضمن ظروف اجتماعية ومادية معينة – ممتلئاً بالوفرة اللامحدودة فيما يتعلق بما قلناه، حتى لو تمكن من ذلك. لا أحب أن أحلل الناس نفسياً، ولكن لقد بات من الواضح أن الأشخاص الأغنياء جداً الذين أعرفهم لا يعيشون بسعادة. لا يعني ما أقول أني أشعر بالأسف عليهم بالمقارنة مع الكثير من الناس الآخرين، ولكني لا أعتقد أن الوفرة المادية تؤدي بذاتها إلى الشعور بالإنجاز. وستحدث كل ذلك سواءً اخترنا التفاعل المستمر معها أم لا.

هذه هي الفكرة المركزية في كتابك: وهي أنه لنتمكن من تحقيق قدر أكبر من الوفرة والازدهار، فلا يكمن التحدي في مدى توسع انتشار التقنية، بل في السياسات التي تصوغ شكل استخدامنا للتكنولوجيا والمؤسسات التي نبنيها. إذا وضعنا ذلك في عين الاعتبار، هل يمكن أن توضح ماهية البلوكتشين blockchain، وأبعادها السياسية الإشكالية؟

من غير المهم في الحقيقة معرفة ماهية البلوكتشين أو كيفية عملها، فهي لا تُحدث ما تفهمه عنها وسائل الإعلام الرائجة، والخيال الشعبي بالتالي. ولكن من ناحية الأصل إذا تمكن أحدهم من تأكيد وجود مصدر محدد لعلمية تجارية أو وثيقة ما، إذن يمكن اختبار هذا التأكد وتوثيقه بناءً على رضى جميع الأطراف بطريقة محوسبة وتوزيعية، من دون الحاجة لإقحام أي مصدر مركزي للسلطة.

تفعل البلوكتشين ذلك لأن الناس الذين أسسوها يمتلكون عداءً عميقاً للسلطة، ولفكرة السلطة المركزية بمختلف أشكالها. فما أرادوا فعله هو تأسيس بديل عن سلطة الدولة كضامن للموثوقية.

كل هذا مؤسس بطريقة محوسبة. ولكن لا زال هذا الإجراء مبهماً بعض الشيء، وقد يكون أكثر إبهاماً من أي عملية تجريها الدولة، كما لا يمكن النفاذ إليها بطريقة ديموقراطية. لذا لا يمكن اعتبارها هيكلاً موثوقاً، كما يحب البعض أن يدعي. فهي تطلب فقط أن نضع ثقتنا ضمن مجموعة مختلفة من الوكالات والمؤسسات والإجراءات الوسيطة، وهي مسارات موزعة وعالمية وأقل عرضة للمحاسبة. فوق كل ذلك لأنه يصعب فهم البلوكتشين وعملياتها من قبل معظم الناس في مقابل عمليات الدولة التي تدعي استبدالها.

لذا فأنا لا أعتبرها شكلاً من أشكال العمليات الإجرائية المثالية. وفي الحقيقة هناك شيء زائف ومخادع في هذه المحاججة. فما تهدف إليه أيدولوجيات البلوكتشين المقنعة هي صرف الضرائب والإيرادات عن الدولة، لأنهم يريدون تقليص رقعة الدولة. هذا هو طموحهم الصريح، لماذا لا نتعامل معهم بناءً على ما يقولونه؟

تناقش أيضاً فكرة إدارة خوارزميات اقتصاديات الحياة عبر برنامج مهارات تعلم الآلة لمجموعة البيانات الواسعة وغير المنظمة. وتحاجج أن هذا يعد تدخلاً ضخماً وغير مسبوقٍ في حياة الناس، بالرغم من افتقادنا لمعرفة كيفية الوصول للقرارات الجوهرية المتعلقة بوجودنا اليومي. كيف حدث ذلك ولماذا لم يتم استجوابها؟ وهل من طريقة لدمقرطة الخورازميات التي باتت تحكم حياتنا بشكل متزايد؟

في الماضي، عندما كنت تريد أخذ رصيد من البنك، كنت تجد موظف قروض في العادة سيقول: "حسناً، يمتلك هذا الرجل تاريخ أرصدة عظيم، ويحظى بتوصيات من جميع الدائنين السابقين، لذا سأتخذ قراراً مبنياً على هذه الشهادات". أو العكس، فيقول: "يبدو مراوغاً، فأرصدته مشتتة، لم يتم دفع أوراقه، لهذا السبب لم أعطه ذاك القرض". وربما كان موظف القروض هذا مسؤولاً عن هذه القرارات. وكانت هناك إجراءات – من ناحية المبدأ – لقلب القرارات التي لا تمر عبر اختبارات المؤسسة أو المجتمع الأوسع. ولكن اليوم، لا يخبرك أحد لماذا تم رفض طلب قرضك، فقد يتعلق الأمر بقدرتك على تعبئة الطلب، والتي يتم ربطها إحصائياً بالمعاملات الأخرى التي تقدم ميولاً أعلى أو أقل لدفع قروضك. ولن تعرف إطلاقاً ما الذي حدث. وما ستحصل عليه هو النتيجة فقط، القرار، ولن يكون خاضعاً للمساءلة أو الاعتراض.

وحتى المؤسسات التي تعتمد على هذه الخوارزميات لن تستطيع أن تجزم بدقة ما إذا كان خط يدك هو السبب لهذا القرار، أم أن هناك شيئاً آخر حدث في سلسلة القرارات التي ترتبط بطريقة ما إلى شبكة الأعمال في العالم.

لذا فإن تطور هذه الأنظمة يتجه بشكل مستمر إلى نقطة لا نستطيع عندها أن نجبرها على الكشف عن أسرارها، وسنواجه تحديات أكبر مستقبلاً. على سبيل المثال، يقوم برنامج ألفا غو AlphaGo وما تلاه من برامج بتصميم منطقها الخاص. لم يعد الذكاء الإنساني هو من يصوغ أدوات الخوارزميات اليوم التي يتم تحقيق القرارات فيها.

تشكل التكنولوجيات المأتمتة – كالتعليم الآلي والحساسات الآلية المتقدمة والذكاء الاصطناعي و"إنترنت الأشياء" الصاعدة – مجموعة متماسكة من المهارات والقدرات التقنية لاقتصاد ما بعد إنساني متنامي يصبح فيه العمل أمراً غير ضروري مع مرور الوقت بالنسبة لعملية الإنتاج. وفي نفس الوقت، عادةً ما تكون النقاشات الدائرة حول التأثيرات المحتملة للأتمتة مبالغاً فيها، على الأقل على المدى القصير، خاصة فيما يتعلق بالعمل. هل تخبرنا قليلاً عن رأيك بمدى قدرة الأتمتة على تغيير اقتصادنا ومجتمعنا؟

ذهبنا أنا وأنت للتو لشراء القهوة من مقهى غالٍ نسبياً. وإذا كنت تذكر، عندما كنا نقوم بدفع التكاليف، كان هناك جهاز بكاميرا مواجهة للزبون معلقة في الأعلى. أراهن، بناءً على تجربتي، أنه تم وضعها لتعمل لوحدها عبر وضع بطاقة أو أداة دفع من أي نوع. فهي تحاول أن تتعرف على الوجه بحسب رصيدك التي تريد دفعه، وهذا هو سبب وجود الكاميرا. سوف أتفاجأ إذا كان هناك سببٌ آخر لوجودها.

الأمر المدهش بالنسبة لي في هذه المعاملة هو أن الشخص الذي دفعنا عنده لم يكن يعرف أو لم يكن مهتماً بهذه الأداة، فشعوره بعمله كان يجبره، مثله مثل أي موظف في ذات المنصب، على قبول أي منصب ليتوظف فيه.

كان هذا هو الحال منذ بداية نمط العمل التايلوري والفوردي، التي كسرت فكرة العمل القائم على المهارة وحولته إلى نماذج بسيطة لا تتطلب أي مهارة ليتم تكرارها كلما لزم. حيث يمكن تدريب العاملين بسهولة، ويمكن تنظيم أداءهم وقياسه ومتابعته بشكل أسهل. ولكني أعتقد أنه ينطبق أيضاً على واقع العمل اليوم، ليس في الأسواق فحسب، بل في الأعمال التي كان يعتقد أنها أكثر إبداعية أو إدارية.

إنها تؤدي إلى حالة من العجز، بحيث يقوم الناس بالموافقة على أي نوع جديد من التكنولوجيا، كما شاهدنا في ذلك المقهى. وكأن لسان حال المحاسب يقول: "حسناً، إنه آخر شيء تم إصداره بغض النظر عن ماهيته، وهكذا سيجري الأمر منذ الآن".

هناك أمرين يحدثان هنا، وهما يخيفانني كثيراً. الأول هو أن الناس لا يُبدون أي فضول اتجاه هذه الآلة التي تقف أمامهم، ولم يتم تصميمها لتؤدي هذه المهمة. الأمر الآخر هو أنه حتى لو عرفوا وظيفتها، فيكون موقفهم هو: "حسناً، لا أمتلك القوة لتغيير ذلك". ومن هذه الناحية، وبناء على طبيعة واقع العمل اليوم، فإن موقفهم من ذلك صحيح.

إذا كان العمل في خطر، بسبب التكنولوجيا الجديدة وبسبب التغيرات السياسية والاقتصادية والقانونية خلال الثلاثين والأربعين سنة الماضي، فهل هذا هو سبب نقاشك لفكرة حركة "مشاعية رفاه الأتمتة الكاملة" في الكتاب؟ أنت ترفض الفكرة القائلة أن هناك إلحاحٌ أخلاقي للتوجه نحو عالم يكون فيه العمل فائضاً عن الحاجة، بحكم عدم التوازن في السلطة الذي يضرب في اقتصادنا.

نحن مهيؤون مادياً وثقافياً لعالمٍ من الراحة الكاملة. لا أعتقد أننا نفهم كيف سيبدو عالم مؤلف من 9 مليار شخص يمتلكون كل الوقت الذي بين يديهم. من الممكن أن يكون تعميمي نابعاً من تجربتي الشخصية، ولكني أحتاج مشروعاً، أحتاج أن أشعر بأنني أنتج شيئاً مفيداً للناس، وإلا فإنني لن أشعر بحالة جيدة حيال نفسي.

لا أحاجج بالطبع من أجل الأعمال الفارغة أو الانهماك بالعمل، ولكن ثمة بعض السذاجة في التعبير الذي يسمى بـ "مشاعية رفاه الأتمتة الكاملة".

لا أظن أن الأشخاص المسؤولين عن صياغة هذه المقولة يدركون كيف سيبدو الواقع إذا تمكن كل شخص من الحصول على أي شيء في أي وقت أرادوه. لا أعتقد بالضرورة أن هذا أمر مفيد لنفسية الإنسان.

إن سلسلة التكنولوجيا الراديكالية التي تحدثت عنها قد تؤدي يوماً ما إلى إحداث تغييرٍ عميق ليس في التوظيف وقيمة الإنتاج فحسب، بل في طبيعة السلعة وكيفية تحديدنا لواقع العجز. هل نحن جاهزون لهذه التغيرات الجوهرية في المجتمع؟ وإذا لم نكن جاهزين، كيف نحضر للموضوع سياسياً؟

إن العجز متجذر جداً فينا على نحو يصعب فهمه. فعلى سبيل المثال، أنا لست أخصائي تغذية، ولكني أقول ذلك باعتبار أن السمنة قد أصبحت مشكلة في العديد من المجتمعات تتدعم مع مجموعة واسعة من النتائج من التوافر الهائل للسعرات الحرارية التي تجاوزت كل ما وصلنا إليه منذ التاريخ العضوي للجنس البشري.

تتجذر العديد من الوسائل التكنولوجية عبر القبض والاستعمار وتحقيق الربح من البيانات التي نصنعها باستخدام المنصات والتقنيات. كيف يمكن أن نفكر بطريقة مختلفة حول ضبط وملكية كل من البيانات والبنية التحتية للبيانات؟ هل هناك طرق مختلفة في تصور البنى التحتية التي تقوم عليها المحركات المختلفة في رأس المال المحوسب؟

نعم هناك طرق. المشكلة أن هناك العديد من الأسئلة التي تبدو تقنية في طبيعتها ولكنها تحمل تأثيرات معقدة على الصعيد الاجتماعي أو النفسي. سأعطيك مثالاً على ذلك، منذ عدة سنوات، كنت مهتماً جداً بحركة تدعو لفتح البيانات البلدية. يبدو هذا بالنسبة لي أمراً جيداً للنموذج القائم حيث كانت البيانات مغلقة ومضيقة ولا يمكن تحصيلها إلا من قِبَل الوكلاء الشركاء الذين صدف أنهم شركاء للبلدية. أعتقد أنها فكرة جيدة، بحكم أن كل منا ينتج هذه المعلومات في المقام الأول، وأن نتمكن من الوصول إليها واستخدامها أيضاً.

ثم جاءت حركة غيمرغيت Gamergate (الاحتجاج الذي حصل في لعبة عبر الإنترنت والتي اتهمت بكونها حملة تثير الكراهية). أحد الأشياء التي شاهدناها في غيمرغيت والتي يسهل استذكارها، هو مدى سهولة توظيف البيانات كأسلحة بين يدي الناس الذين لا يشعرون أنهم يرتبطون بذات العقد الاجتماعي الذي نرتبط به. إذا لم يكن تقييد نشر البيانات ولا توفيرها بشكل مفتوح يمتلك نتائج اجتماعية مرغوبة، فما الذي علينا فعله؟

هنا، ومن باب المفارقة ربما، كانت قضية أخرى بالنسبة لصعود البلوكتشين. قد يكون الوصول لبيانات البلدية أمراً مجانياً، ولكن طلبات الأفراد للبيانات تندرج ضمن موازنة موزعة يمكن للجميع الاطلاع على طلبات الآخرين وما حدث بشأنها. ولكن يبدو هذا وكأنه تعديل تقني لمشكلة اجتماعية.

أود الانتقال إلى خلاصة كتابك. أنت تقول أنه ما من مستقبل موحد بانتظارنا، وأنه لا ينبغي أن ننتظر تحررنا التكنولوجي بل أن نسير نحو التنظيم السياسي والمطالبة به وتأسيس المؤسسات لتحقيق ذلك. ما هي الدروس الأساسية التي ينبغي أن نأخذها من كتابك؟

يمكن أن أقسم هذه الدروس إلى قسمين. الأول هو أن نتحلى بالنقد الذاتي حيال ما نعنيه عندما نتحدث عن استخدام بعض التكنولوجيا "من أجل الأفضل"، وما نعرِّفه كمنفعة إنسانية واسعة، فمن هو صاحب المنفعة، وما هي تكلفتها؟ علينا أن نكون واضحين حيال ذلك، وأن نصوغ الحجج التي تشير إلى إدراكنا لتكلفة خياراتنا، وأن هذه التكلفة تنتقل بشكل عام من قبل شخص ما أو مجموعة من الناس. أي أن نصوغ حججاً يمكن تحسين نتائجها الجمعية إلى درجة يمكن تبرير التكاليف الناتجة عنها. هذا الأمر الأول.

أما الأمر الثاني، فأعتقد أن الدعوة القائلة إلى ضرورة تعلم البرمجة هي فكرة سخيفة، ولكن أعتقد أن على اليسار أن يتحسن وألا ينسحب عن مساحة التكنولوجيا المتجددة. إنه سؤال يقترب من مساحة الإدراك العصبي. ربما قد تحفزنا نحو الإنسانيات بسبب النفور من التعامل مع الأرقام والوقائع الثابتة، مثلما هو الحال مع "العلوم الصلبة" والهندسة والعلوم التطبيقية. ولكن هذا شيء ينبغي أن نتغلب عليه، لأنه بدلاً من ذلك سيكون الأشخاص الوحيدون الذين سيعملون على تطوير هذه المساحات هم الأشخاص المستغرقين في حلقات السياسات حيث يتم صياغة هذه الممارسات. وبشكل واضح، ينقسم المشهد إلى أجسام سلطوية وأجسام تقنية تحررية. وهذه هي قواعد اللعبة حالياً.

أعتقد أننا نحتاج أن نكون أكثر شجاعة في فهم البرمجيات. أي أن نفهم أنظمة البرامج، وكيف تعمل، مثل فهم طبيعة الشبكات، وما هي آثار هذه الشبكات على الأشياء التي تمر عبر عقدها. وأن نفهم التحكم التشاركي. أن نفهم كل الأشياء التي يتجاهل اليسار الاعتراف بها. من الواجب علينا أن نبني خبرة في هذه الأشياء كي نستطيع أن ننافس فيها، وإلا سيبقى الواقع كما هو. نحن لا نعرف ما تُحدثه هذه التكنولوجيا وكيف تعمل، نحن فقط لا نعلم ما هي السياسات التي تخدمها.

هذا ما نسميه في مجال الأعمال بـ"الإشارات الضعيفة" في الأفق. هناك مجموعات ناشئة وحوارات وأماكن ومشاهد تنشأ حيث يقوم الأشخاص أصحاب السياسات القدمية بتطوير هذا النوع من المنشآت المدعمة بتكنولوجيا معلومات رقمية أعتقد بأهميتها. ولكنها تحتاج إلى المزيد من الجهد. لباقي أيام حياتي، هذا هو الجزء الذي أريد أن يكون كدوري في الحياة، وهو أن أساعد هذه الحوارات في إدراك نفسها كي يتمكنوا من الالتحاق وتطوير دقة أكبر وتكاليف أكبر ضمن الموارد الموجودة في العالم.