تواجه المستشارة الألمانية، آنجيلا ميركل، أكبر أزمة في مشوارها السياسي يوم الإثنين، بعد فشل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، لتهز بلادًا تعتبر الركيزة السياسية والاقتصادية لأوروبا.

رفع ذلك، وبشكل مفاجئ، احتمالية حدوث انتخابات جديدة في ألمانيا. وجاء ذلك بعد أقل من شهرين من الانتخابات الأخيرة والتي بدت أنها تؤكد على استمرارية ميركل، وهي من رموز الديمقراطية والقيم الغربية، كزعيمة ألمانيا لفترة رابعة.

قالت المستشارة إنها بقيت متأملة من تشكيل حكومة أغلبية. ولكن في حال أُجبِرت على الاختيار، فإنها ستفضل الدخول في انتخابات جديدة بدلًا من محاولة قيادة حكومة أقلية.

وقالت المستشارة لتلفزيون إي أر دي: "لا أريد أن أقول مستحيل، ولكني متشككة جدًا، وأعتقد أن الانتخابات الجديدة هي أفضل مسار يمكن اتخاذه".

في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي مشاكل ضاغطة، من مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وصعود اليمين الشعبوي والانفصاليين في إقليم كاتالونيا في إسبانيا، فإن بروز احتمالية عدم الاستقرار السياسي في ألمانيا التي يعتمد عليها قد يهز القارة بأكلمها.

عَكَس انهيار المباحثات درجة الممانعة الكبيرة لدى جبهة ميركل المحافظة وشركاء الائتلاف المحتملين، الخُضُر ذوي العقلية البيئية والديمقراطيين الأحرار محبي الأعمال، في التفاوض على المواقع الرئيسية. حيث غادر الديمقراطيون الأحرار المباحثات في نهاية يوم الأحد، مشيرين إلى ما وصفوه بمناخٍ مشوب بالنفاق وأزمة الثقة.

وقال مدير مكتب برلين لصندوق مارشال الألماني، توماس كلين بركوف، إنه "ما من ائتلاف يهدف إلى تشكيل حكومة". وأضاف: "إنها منطقة مجهولة منذ عام 1949. إننا نواجه مرحلة طويلة من الجمود السياسي. وليس الأمر أنها لن تنتهي في وقت قريب فحسب، بل ما من طريق واضح".

إن الدعوة لانتخابات جديدة ليست إجراءً بسيطًا في ألمانيا. إذا أخذنا في الحسبان الحكومات غير المستقرة من فترة العشرينات والثلاثينات وانهيار جمهورية فايمار، يتضمن الدستور الألماني مجموعة من العقبات الإجرائية التي تضمن تحقيق إجراءات صعبة وطويلة.

كان بعضها سريعا ليصل اضطراب ألمانيا بأزمة أوسع للديمقراطية في الغرب. تقول كريستيان هوفمان، نائبة رئيس مجلة مكتب برلين لمجلة "دير شبيغل" (Berlin bureau of Der Spiegel): "لقد حصل ما كان غير مفكرًا فيه، إنها لحظة خروج ألمانيا المشابهة لما يحدث مع بريطانيا، إنها لحظة ترامب".

يقول آخرون أن مشاكل ألمانيا كانت في كثير من الجوانب إشارةً إلى أن البلاد تسير بشكل طبيعي، لا العكس. فمع استلام أربعة مستشارين فقط منذ عام 1982، باتت تُعرف البلاد بحكومات يديرها أبناء تيار الوسط التي تُحكَم بالإجماع.

انفجرت الأزمة بعد سبعة أسابيع من الانتخابات الأخيرة، والتي أوصلت حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني إلى البرلمان، ومثلت بطريقة ما عودة الحياة السياسية إلى دولة حُرمت لفترة طويلة من الجدال وعدم التوافق السياسي.

يقول عميد مدرسة هيرتي لإدارة الدولة في برلين هينريك إمديرلين: "إنها خطوة أخرى فقط في مسار تعلم الديمقراطية الطويل في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، لتنتقل من نظام شديد التناسب والاستقرار إلى حالة أكثر فوضوية".

ويقول أن السؤال الأكبر كان ما إذا كان قد وصل أسلوب حكم ميركل البراغماتي إلى نهايته في حقبة بدأ الناس يشقون فيها الطريق نحو مشهد سياسي أوسع. وقال: "لقد قاربت براغماتيتها إلى نقطة النهاية، من الصعب تخيل سيناريو عودتها إلى موقع السلطة السابق".

التقت ميركل بشكل شخصي، يوم الإثنين، مع الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، والذي حوكم كرئيس دولة لمحاولته قطع مباحثات الائتلاف. كان بإمكانه تعيين مستشار لقيادة الحكومة أو أن يبدأ إجراءات انتخابات جديدة.

ستشكل احتمالية عدم الاستقرار في ألمانيا ضربة قوية للاتحاد الأوروبي. فقد كانت ميركل الشخصية السياسية المهيمنة في المنطقة خلال القرن الماضي، وبرزت في توجيه الجبهة بعد نهاية الأزمة المالية في عام 2008، وفي الوقت الحالي، تقديم قوة مضادة أمام المد الشعبوي الذي يجتاح القارة وما حولها.

تفاعلت الأسواق المالية بهدوء مع الاضطراب الذي أصاب برلين، متوقعةً أن يزداد الاقتصاد الألماني قوة في هذه الأجواء. ارتفع سجل داكس للأسهم الكبرى، بينما انخفض اليورو بدرجة بسيطة.

ولكن حذر بعد الاقتصاديين من أن الآثار طويلة المدى قد تكون أشد من ذلك. فقد لا تتمكن حكومة ضعيفة من الموافقة على التحسينات المطلوبة للبنى التحتية والنظام التعليمي على سبيل المثال.

قال رئيس المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين، كريستوف شميدت، في تصريح له إن "الأوضاع الاقتصادية جيدةٌ جدًا". وأضاف: "ولكن هناك تحديات كبيرة على المدى المتوسط والبعيد، خاصة على صعيد التحولات الديموغرافية والتقنية والتطورات الجارية في الاتحاد الأوروبي والتغير المناخي".

تعود حالة عدم الاستقرار السياسي إلى الانتخابات الألمانية التي جرت في 24 أيلول/ سبتمبر، عندما حققت ميركل من حزب الديمقراطيين المسيحيين المركز الأول. ولكن هبطت حصتهم الكلية من الأصوات بشكل واضح، بينما حقق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف رقمًا قياسيًا، ليدخل البرلمان لأول مرة كثالث أكبر مجموعة.

ومع ذلك، توقع المحللون السياسيون أن تقوم ميركل بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة تمكنها من البقاء كمستشارة. يمكن أن يحدث ذلك، ولكنه أصبح أصعب الآن، ويقول الخبراء أنه من غير المرجح نجاحه في الوقت القريب.

وبالنسبة لأوروبا، فإن إمكانية إضعاف ميركل كان بمثابة منبه بالنسبة لبعض الزعماء. فقد ألغت المستشارة اجتماعًا في برلين مع رئيس الوزراء مارك روتيه من هولندا. وفي باريس، قال رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، أن صعوبات ميركل كانت عقبة حقيقية أمام التعاون بين كلا البلدين.

حيث قال في تصريح له، يوم الإثنين، إن فرنسا "ليس لديها أي اهتمام في زيادة الأوضاع سوءًا" في ألمانيا. وأضاف: "أمنيتنا هي أن يبقى شريكنا الرئيسي، من أجل ألمانيا وأوروبا، قويًا ومستقرًا، كي نتمكن من المضي قدمًا سويًا".

وحتى لو جعلت مشاكل ميركل من ماكرون أقوى رئيس في أوروبا، مع ضعف المعارضة المحلية في فرنسا، وتقدم الاقتصاد، وسجل جيد في الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن الرئيس الفرنسي كان يعتمد على ميركل كحليف في دفعه نحو صنع التغيرات في الاتحاد الأوروبي.

سيصبح ماكرون على وعي بأن أجندته في الجبهة، والتي تضمن إنشاء قوات دفاعية مشتركة، وتقوية اليورو، ووضع وزير مالية مشترك، لا تمتلك أي فرصة للوقوف على قدميها من دون دعم ألمانيا.

كانت ميركل قد اختارت يوم الجمعة كآخر يوم للوصول إلى اتفاق مع الديمقراطيين الأحرار والخضر والاتحاد المسيحي الاجتماعي، والذين يشكلون جبهة محافظة مع حزب المستشارة. منذ البداية، اختلفت كل هذه الأحزاب على قضايا جوهرية، خاصة المتعلقة بالهجرة وسياسات المناخ، مما أدى لنشوب حوارات متوترة أشعلت تبادل الاتهامات.

بعد أن وافقوا على الحديث في وقت إضافي، فشل المفاوضون وزعماء الأحزاب في إنتاج أي شيءٍ يذكر خلال نهاية الأسبوع، وانسحب حزب الديمقراطيين الأحرار من المباحثات.

قد تحاول ميركل التفاهم مع الديمقراطيين الاجتماعيين حول تشكيل ائتلاف كبير آخر، ولكن حزب يسار الوسط كان يعمل كشريك ائتلاف ضعيف أمام الديمقراطيين المسيحيين منذ عام 2013، وقال زعيم الحزب، مارت شولز، يوم الإثنين، إن مجموعته ليست مهتمة بالدخول في جولة أخرى.

وبالنسبة للانتخابات الجديدة، يمكن أن يبدأ الرئيس بإجراءات خلال المضي بعمل ميركل كمستشارة، وهو سيوضع في التصويت داخل البرلمان.

إذا تمكنت ميركل من الفوز بأغلبية في الجولة الأولى من التصويت، سيتمكن الرئيس حينها من تعيينها في منصب المستشارة. وفي حال فشلت في ذلك، سيصوت المشرعون مرة أخرى ضمن 14 يومًا.

وفي حال فشلت ميركل في الفوز بأغلبية في مرحلة التصويت الثانية، سيقوم المشرعون حينها بالتصويت مرة ثالثة وسيفوز المرشح ذو الأصوات الأكثر. عند هذه النقطة، سيعين الرئيس منصب المستشار أو يحل البرلمان ويطلب عقد انتخابات جديدة، وهي التي تجري ضمن 60 يومًا.

ولكن ما من ضمانات لقدرة الانتخابات على تحسين الأوضاع: فقد توقعت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الانتخابات الجديدة لن تحدث تغييرًا يذكر إذا ما قورنت بنتيجة شهر أيلول/ سبتمبر. حيث أظهر استطلاع صادر عن مؤسسة فورسا الأسبوع الماضي حصول محافظي ميركل على 32٪، وحصول الديمقراطيين الاجتماعيين على 20٪، والديمقراطيين الأحرار 12٪، والخضر 10٪ والبديل من أجل ألمانيا 12٪.

ويخشى البعض من استفادة البديل من أجل ألمانيا من الفوضى الحالية وزيادة حصته من الأصوات. ولكن حتى لو حدث ذلك، ستبقى هذه الحصة قليلةً جدًا بالمقارنة مع الحركات الشعبوية في الدول الأخرى.

قال كلين بروكوف: "لن تخرج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي ولن تنتخب دونالد ترامب". وأضاف: "لم تتمكن ألمانيا من تشكيل حكومة في أول محاولة لها. إنه أمر سيء ويسبب عدم الاستقرار، ولكنها ليست نهاية العالم".

اقرأ/ي أيضًا | واكب التكنولوجيا: أهم 5 تقنيات جديدة لعام 2018