عرب 48/ ترجمة خاصة

قبل سبعة أشهر فقط، كان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، يسير على نحو ناجح. فقد أمَّن إعادة انتخابه كرئيس لإيران بنسبة 57% من الأصوات، وتفوق بحوالي 20 نقطة على منافسه المحافظ. ولكن في 28 كانون الأول/ ديسمبر، بدأت الاحتجاجات في إيران، ولا زالت قائمة حتى لحظة كتابة هذا المقال. لا تشكل المظاهرات بعد تهديدًا لاستقرار الحكومة، ولكنها تعبر عن أعراض الاستياء الشعبي من المشاكل الاقتصادية التي تحيط بالبلاد منذ عدة سنوات حتى إدارة روحاني والاتفاقية النووية التي وقعها مع الولايات المتحدة.

خلال حملة إعادة انتخابه، وعد روحاني ناخبيه بتحقيق إنجاز اقتصادي. وبالرغم من أن حكومته قد خفَّضت التضخم ورفعت معدلات النمو، إلا أنها نجحت فقط في تفادي حصول أزمة حقيقية، لا في تحقيق الازدهار الموعود. إذا لم تتمكن الحكومة في طهران من تصحيح المشاكل الاقتصادية التي تؤثر على الحياة اليومية للإيرانيين، أو على الأقل تشتيت الغضب الشعبي نحو مصدر آخر إلى جانب الحكومة، فقد تتحول الاحتجاجات إلى شيءٍ أكثر شدة.

وعود متصدعة

بدأت الاحتجاجات في مشهد، ثاني أكثر مدينة من ناحية التعداد السكاني في إيران وأعمق مركز ديني حضري، والتي تحظى فيه الحكومة بدعم كبير. في البداية، لم يخرج المتظاهرون لدوافع سياسية بل لاستيائهم من الارتفاع المستمر في أسعار البضائع الأساسية. فبحسب التقارير الإعلامية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية كالبيض والدواجن لما يصل لـ40% خلال الأيام التي سبقت الاحتجاجات. وتدعم أحدث البيانات من البنك المركزي الإيراني هذه الروايات. فبحسب الأرقام الرسمية، قفز التضخم من 8.4% في تشرين الأول/ أكتوبر إلى 9.6% في تشرين الثاني/ نوفمبر. تشير التقارير حول الارتفاعات الإضافية في الأسعار منذ إطلاق مؤشرات تشرين الثاني/ نوفمبر إلى أن التضخم يستمر في صعوده في البلاد.

إذا أخذنا في عين الاعتبار أن التضخم في إيران كان فوق الـ20% بين عامي 2012 و2014 وصعد لحوالي 45% في النصف الأخير من عام 2013، فإن المعدل ضمن تلك الأرقام لا يبدو عاليًا. ولكن هذه المعدلات العالية جاءت مع تأثر إيران بالعقوبات التي تزعمتها الولايات المتحدة ضد النظام هناك. يمكن أن يوجه اللوم فيما يتعلق بالتضخم، وأي مشاكل أخرى في الاقتصاد الإيراني، لا على الحكومة بل على القوى الإمبريالية الأجنبية التي تريد إضعاف إيران. لكن حتى مع كبش الفداء هذا، تعب المواطنون الإيرانيون حالياً من الأوضاع وبدأوا يتطلعون لخيارات سياسية تمكِّن الاقتصاد الإيراني من إعادة دخول العالم. الفخر الوطني وقود قوي، ولكن الطعام أقوى.

ركب روحاني موجة الاستياء لمنصب الرئاسة في عام 2013، ووعد بإنجاز تغييرات حقيقية في استراتيجية إيران. وبرز عدو جديد، تنظيم "داعش"، على حدود إيران، وإيران روحاني مستعدة للعمل مع "الشيطان الأكبر" لهزيمته. ولكن الأهم من ذلك أن روحاني تعهد بإعادة الازدهار الاقتصادي إلى إيران. وقد خطط لتحقيق كلا الهدفين عبر المساومة مع الولايات المتحدة، ليبادل سعي إيران للأسلحة النووية والتأثير على الأرض في العراق وسورية مقابل إلغاء العقوبات. تم تحقيق ذلك ظاهريًا في عام 2015، وكانت العلامات الأولى مبشرة. تلقى الاقتصاد الإيراني هزة وبدا كأنه يسابق الزمن.

ولكن الفوائد الاقتصادية للصفقة مع الولايات المتحدة توقفت في الأشهر الأخيرة. أصبحت إيران والولايات المتحدة شريكتان في معركة هزيمة تنظيم "داعش"، ولكن نجاحهم أدى لإزالة عدوهم المشترك. ومع ذهاب التهديد الأمني، عادت إيران لتحاول فرض السلطة على الشرق الأوسط، وعادت الولايات المتحدة لتحاول إرجاع إيران إلى الصندوق الأول. وما جعل الأمر يزداد سوءًا هو وصول إدارة معادية لإيران تحديدًا إلى البيت الأبيض. بشكل عام، تمتعت إيران بسنة ونصف من النمو الاقتصادي المستمر، ولكن هذا لم يكن كافيًا لإصلاح الأضرار التي حدثت خلال فترة العقوبات، ولم تكفي للتعامل مع حالة عدم الكفاءة في الاقتصاد الإيراني السابقة لنظام العقوبات.

بالنسبة لمشاكل إيران الاقتصادية الكثيرة، ثمة ثلاثة مشاكل ظلت كما هي. الأولى هي تصاعد التضخم، ولا تستطيع إدارة روحاني وضع اللوم على الولايات المتحدة هذه المرة، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات محدودة جديدة على إيران، ولكن لا يمكن مقارنتها بقيود ما بعد 2010. وبالإضافة إلى ذلك، رهنت حكومة روحاني قوتها بفكرة أنها ستتمكن من التحكم بالتضخم جزئيًا لأنها كانت تسعى لعمل تسوية مع الولايات المتحدة. وفي أيار/ مايو، تعهد روحاني أن يبقى التضخم أقل من عدد أصابع اليد الواحدة في السنوات التالية. ولكنه وصل الآن إلى خطر كسر هذا الوعد.

أما المشكلتان الأخريان تتعلق بالقطاع المصرفي والبطالة. حاولت الإدارة توجيه نجاحاتها للقطاع المصرفي، مع إعلان البنك المركزي في أيار/ مايو عن اقتطاع القروض المتعثرة من 15% إلى 10% من المجموع الكلي للقروض خلال أول أربع سنوات من حكومة روحاني. روى صندوق النقد الدولي قصة أخرى. ففي 18 كانون الأول/ ديسمبر، حذر صندوق النقد الدولي من أن تأخر إيران في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية يعني أن البلاد تواجه تحديات كبيرة وتحتاج إلى إعادة هيكلة مستعجلة وإعادة رسملة مؤسسات الأرصدة والبنوك. خلال ذلك، لا زالت البطالة في إيران في معدلاتها العالية. انخفضت البطالة في عهد روحاني إلى ما دون 10% في عام 2015، ولكن صعدت المعدلات مرة أخرى لتتجاوز الـ 12% منذ نيسان/ أبريل 2016 ووصلت الآن إلى معدلات 2012.

مظالم

عندما بدأ المحتجون النزول إلى الشوارع، كانوا يركزون على مظالم اقتصادية معينة مثل التي ذكرناها. ولكن سرعان ما شاركهم خصوم الحكومة، والذين سعوا أن لا يحصروا الاحتجاجات بالقضايا الاقتصادية بل حول قيادة روحاني وآية الله علي خامنئي أيضًا.

خرج الآلاف في مظاهرات عفوية في مشهد بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر، وبدأت مظاهرات في مدن إيرانية أخرى، بما فيها نيسابور وخراسان ويزد وشاهرود. انتشرت الاحتجاجات في مناطق أخرى من البلاد في اليوم التالي. وفي 29 كانون الأول/ ديسمبر، نشرت تقارير حول تظاهر "المئات" في كرمانشاه وطهران، وأعداد "كبيرة" في رشت وأصفهان وهمدان وقم وغيرها. كما عُقدت مظاهرات موالية للحكومة في 30 كانون الأول/ ديسمبر، لكن استمرت المظاهرات المعارضة للحكومة بالاشتعال في طهران وكرمانشاه وآرارك ومدن أخرى صغيرة.

استمرت الاحتجاجات في مدن عديدة في 31 كانون الأول/ ديسمبر و1 يناير/ كانون الثاني، وكانت تتحول إلى العنف في بعض الأحيان. نشر التلفزيون الرسمي الإيراني أن بعض المتظاهرين المسلحين قد حاولوا اقتحام محطات للشرطة ولكن ردعتهم القوات الأمنية. وعلى نحو إجمالي، أذيع مقتل 20 شخصًا على الأقل.

إن حجم ومدى الاحتجاجات مذهل، ولكن بالغت وسائل الإعلام الغربية تصويره. حيث تم تصوير المظاهرات في إيران تحديدًا بأكبر مما هي عليه، حيث خرجت تظاهرات طلابية صغيرة بشكل متقطع في العاصمة خلال الأشهر الأخيرة ومن دون نتائج تذكر. بعيدًا عن تشكل تحدي حقيقي للحكومة، فإن الحجم الصغير لهذه الاحتجاجات السياسية بالمقارنة مع الحملات الموالية للحكومة في 30 كانون الأول/ ديسمبر تشير إلى أنه لو يوجد شيء يهدد بقاء الدولة الإيرانية، حاليًا على الأقل.

الأهم من ذلك هو المظاهرات العفوية في مشهد والمظاهرات التي أُلهِمت منها. فهذه الحملات المتمركزة حول القضايا الاقتصادية تمثل بالتأكيد إشارةً مقلقة للحكومة، خاصة إذا ما كانت نذيرًا لخيبة أمل شعبية أكبر. ستكون مفارقة إذا أُجبرت إيران، ضمن موقعها في الشرق الأوسط منذ عام 2010، على وضع طموحاتها جانباً للتعامل مع حالة الاضطراب في الداخل. كما سيكون تحديًا لتوقعات موقع جيوبوليتيكال فيوترز لعام 2018، والذي توقع أن إيران ستمضي قدمًا في موقعها في المنطقة خلال العام القادم. لا يكفي وجود تظاهرات قليلة لكي نقول إن التوقع غير دقيق، ولكنها تستحق أن يتم متابعتها عن كثب.

اقرأ/ي أيضًا | مصر وافقت على إعلان ترامب سرًا والمخابرات أمرت الإعلام بالترويج له