(ترجمة خاصة: عرب 48)

بالرغم من التباين في المصالح بين تركيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أنه لا زال هناك بعض مساحات التقاطع حيث يمكن أن تجد فيه كلتا الدولتين فرصًا للتعاون. أحد هذه المساحات هي المنطقة الشمالية الغربية السورية في عفرين.

في 14 كانون الثاني/ يناير، أعلن المتحدث باسم التحالف الذي تتزعمه الولايات المتحدة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية أن أميركا ستعمل مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) لتأسيس وتدريب 3000 عنصر من قوات أمنية حدودية جديدة، بزعم عدم تمكين داعش من استعادة موضع قدم في المنطقة.

ردت تركيا على الإعلان بغضب. تتألف معظم قوات سورية الديمقراطية من قوات عسكرية كردية، تتزعمها وحدات حماية الشعب. وفي حين ركز الدعم الأميركي للأكراد على الحفاظ على قوات أرضية لهزيمة داعش، تعتِبِر تركيا وحدات حماية الشعب ذراع تابع لحزب العمال الكردستاني (PKK)، والذي تعتبره أنقرة "منظمة إرهابية"، وقد شنت عدة هجمات على تركيا في العقود الثلاثة الماضية. (تصنف الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي، ولكنها تدعي أنه منفصل عن وحدات حماية الشعب. كما تشكل منطقة عفرين تهديدًا خاصًا لأنها قريبة من المنطقة التركية جنوب الوسط المكتظة بالسكان، حيث يمكن لحزب العمال الكردستاني شن هجمات في حال استعاد السيطرة المناطقية.

تضمن رد تركيا على الإعلان، التهديد بغزو عفرين "في أي لحظة" وسحق "الجيش الإرهابي" الجديد المدعوم من الولايات المتحدة. ما الأمر المختلف الآن؟ أولًا، إن العدد الصغير للقوات التي وضعتها روسيا في عفرين في النصف الثاني من عام 2017 للوقاية من حدوث قتال بين تركيا ووحدات حماية الشعب قد انسحبت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي. من المفترض أن هذه الخطوة تأتي ضمن الانسحاب الروسي من سورية، وهو ما لم يحدث حتى الآن. ومع رحيل القوات الروسية، رحل معها خطر قيام تركيا بقتلهم، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى نشوب صدام مباشر مع روسيا.

ولكن في اليوم التالي لإعلان الولايات المتحدة، أصدر المتحدث نفسه تصريحًا بأنه من المرجح أن تكون تركيا أكثر مطاوعة. وقال إن عفرين لم تكن ضمن مساحة عمليات القوات الحدودية الجديدة. هذا يعني أن الولايات المتحدة لن تدافع عن عفرين. وفي حين وضعت قوات المهام المشتركة الأميركية هذه المنطقة خارج اختصاص عملياتها، تُرك الإعلان الأصلي غير واضح فيما إذا كانت ستُغطى عفرين بقوات الحدود الأمنية الجديدة أم لا. والآن، أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا لغزو عفرين.

كما قال المتحدث أيضًا إنه حتى الآن لا يوجد سوى 230 عنصر تقريبًا في تدريب القوات ليصبحوا ضمن القوات الأمنية. بحكم تاريخ الولايات المتحدة في تسليح التحالفات في سورية، فإن التصريح حول الجيش الكردي الجديد لا ينبغي أن ينظر له بشكل حرفي. ففي أيلول/ سبتمبر 2015، أمضت الولايات المتحدة عدة سنوات وأكثر من 500 مليون دولار وهي تحاول تسليح القوات المعتدلة، ولكن يبدو أنها لم تسلح سوى حفنة من المقاتلين بدلًا من الـ 4000 التي كانت تخطط لتسليحهم.

الولايات المتحدة تستعد للمرحلة القادمة

إن السبب الحقيقي الذي يدعو الولايات المتحدة لإنشاء جيش شمالي جديد، هو التحضير لمرحلة جديدة من الصراع، والتي سيسطر عليها ائتلافان أساسيان بدلًا من المجموعات الثورية. ائتلاف روسيا وإيران ورئيس النظام السوري بشار الأسد من جهة، وتركيا والجيش السوري الحر من جهة أخرى، ومجندين إسلاميين جدد. لا تمتلك الولايات المتحدة تأثيرًا كبيرًا على أي من التحالفين، وبالتالي ينبغي أن ترسم مسارًا منفصلًا إذا أرادت الحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط.

إذا انتصر أحد الائتلافين، ستخسر الولايات المتحدة. فنجاح تركيا – وهو أمر غير مرجح في الوقت القريب – سيجعلنا نراها هي ووكلاءها من الكتائب مسيطرة على مساحة كبيرة من سورية. وسيعطي نجاح ائتلاف روسيا – إيران – الأسد، خصوم الولايات المتحدة، موقعًا قويًا ومتغلبًا في الشرق الأوسط، مما سيصعب على تركيا صنع توازن مع موقع إيران في المستقبل عبر تهديد الأسد. وعن طريق تشكيل قوات جديدة ذات سيطرة كردية في شمال سورية، تحاول الولايات المتحدة خلاق كيان جديد، كيان يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة في بقاءه وبالتالي منقاد للتصرف بحسب مصالح الولايات المتحدة، وكنقطة توازن بين الجبهتين المتنافستين. لن تكون الولايات المتحدة مستعدةً لتوفير موارد كافية لهزيمة كلا الطرفين بشكل كامل. وبالتالي يتمثل نجاح الولايات المتحدة في وقف أي من الائتلافين عن السيطرة على المنطقة.

بالرغم من نفور الولايات المتحدة من استخدام تركيا لمجموعات تعتبرها واشنطن "جهادية" بالوكالة، إلا أنها لا تريد أن يستعيد الأسد السيطرة الكاملة على سورية، لأن هذا سيعطي إيران وضعية إقليمية قوية وسيقدم لروسيا غنائم محلية. وترك تركيا لتغزو عفرين، بينما توسع الولايات المتحدة قوات الأكراد المقاتلة في شمال شرقي سورية، سيحل المشكلة، حتى لو كان على حساب أكراد عفرين.

تركيا تدعِّم الحدود

ينبغي أن تُقرأ هذه الإعلانات في سياق العدوان المستمر للأسد، والمدعوم بالقوات الجوية الروسية، على محافظة إدلب. وصلت تركيا وإيران وروسيا في العام الماضي إلى اتفاقية "خفض التصعيد"، ولكن بقيت الخلافات على ما إذا كانت تمتلك تركيا الحق بنشر قواتها في سورية، وما إذا تعتبر الفصائل المقاتلة المدعومة من تركيا "منظمات إرهابية"، بحيث يكون من العدل أن تُهاجَم من قِبَل روسيا والأسد. حذرت تركيا روسيا وإيران من مواصلة الاعتداءات، وشنت هجومًا مضادًا، مما أدى إلى تبادل عدد من المدن بين كلا الطرفين خلال الأسبوع الماضي. بات موقع تركيا في إدلب موضع تهديد، وينبغي الآن أن تتصرف أو تخاطر بالخروج من سورية.

أرسلت تركيا بعد الإعلان حوالي 50 مركبة، بما فيها مركبات مدرعة ودبابات، إلى الحدود السورية، والتي كان يزيد حضورها فيه تدريجيًا منذ النصف الثاني من عام 2017. كما بدأت بقصف مواقع الأكراد في عفرين، بكثافة أكبر هذه المرة مقابل الهجمات الماضية. وهناك أيضًا بعض الأخبار على تويتر – بما في ذلك من صحفي من قناة BBC، ومحلل من الشرق الأوسط، وباحث سياسي تركي – تشير إلى أن قوات تركيا الجوية قامت بإنزال قنابل على مواقع الأكراد في عفرين. قد تكون هذه أول مرة تستخدم فيها تركيا قواتها الجوية ضد الأكراد في عفرين. (كانت تركيا قد استخدمت قواتها الجوية على مواقع وحدات حماية الشعب في جنوب شرقي سورية والعراق).

قد يكون استخدام القوة الجوية محاولة من تركيا للتخفيف عن دفاعاتها قبل حدوث غزو أرضي. في حين صعوبة تأكيد العدد الدقيق للقوات، أشارت التقارير خلال الشهر الماضي إلى أنه قد يكون هناك أكثر من 15000 - 20000 جندي تركي على الحدود السورية.

ما الذي تريده الولايات المتحدة؟

لا تريد الولايات المتحدة أيًا من الائتلافين، سواءً ائتلاف روسيا – إيران – الأسد، أو الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا للسيطرة على أجزاءٍ كبيرة من سورية. أصبحت تركيا - والتي كانت حليفة للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة عندما اعتمدت على الولايات المتحدة في الدعم العسكري، وعندما اعتمدت الولايات المتحدة على تركيا كجزءٍ من مجابهتها للاتحاد السوفيتي – أقل اتكالًا على الولايات المتحدة في الناحية الأمنية. كما تريد تركيا السعي لتحقيق مصالحها الخاصة بدلًا من أن تسير وراء الولايات المتحدة، وهي قوية بما يكفي الآن لترغب بالشركاء الضعفاء الذين يعتمدون عليها. وبالتأكيد، عندما دخل الجيش التركي أول مرة إلى إدلب في تشرين الأول/ أكتوبر، دخلت مصحوبة بهيئة تحرير الشام، أي قبل شهر فقط من كونها عدوًا لتركيا وأبادت أحرار الشام، الوكيلة السابقة لتركيا في منطقة إدلب. ولكن تحتاج تركيا بكل تأكيد للحصول على موطئ قدم في سورية، وكانت هيئة تحرير الشام في ذلك الوقت هي المجموعة التي تسيطر على المساحات الأكبر من إدلب.

قد تنال الولايات المتحدة أخيرًا ما كانت تريده، وهو تركيا بقالب أكثر انخراطًا في اللعبة وحضور دائم يمكن أن يستمر بتهديد الأسد، وبالتالي مواقع روسيا وإيران في الشرق الأوسط. إن القوى الإقليمية التي تدخلت لهزيمة داعش تتصارع الآن على مواقعها ما بعد تنظيم داعش.

اقرأ/ي أيضًا | ناتو: من حق تركيا الدفاع عن نفسها بشكل مدروس