خلال السنوات الماضية، تصارعت إسرائيل وإيران بالكلمات وعبر وكلاء. في إيران، يعد النداء لدمار إسرائيل أمرًا روتينيًا هناك، والزعم بدعم الجماعات المسلحة في سورية ولبنان وقطاع غزة يتحدى أمن إسرائيل بشكل مقصود. بالنسبة لإسرائيل، "السنة هي 1938 وإيران هي ألمانيا"، هذه كانت كلمات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ثاني رئيس حكومة يحكم لأطول مدة في إسرائيل. فقد تقلد منصبه منذ فترة طويلة، ويعود ذلك في جانب منه لقدرته على إقناع الإسرائيليين أنه "الأكثر ملائمة" على قيادة إسرائيل نحو هذه "المعركة المصيرية" مع إيران.

لذا من غير المفاجئ أن تبدو أحداث الأسبوع الماضي مثل نقطة تحول. في 10 شباط/ فبراير، تعدت طائرة إيرانية مسيرة الأجواء الإسرائيلية وتم إسقاطها. استجابت إسرائيل للاعتداء الإيراني عبر إطلاق طائرات مقاتلة لضرب أهداف في سورية، بما فيها قاعدة طياس الجوية (مطار التيفور)، بالقرب من تدمر، وهو المكان الذي عُلم أن الطائرة الإيرانية قد انطلقت منه. ردت الأنظمة الدفاعية السورية المضادة للطائرات، وضربت طائرة F-16 إسرائيلية، والتي تحطمت بعد أن تمكنت من العودة إلى الأجواء الإسرائيلية. حفز هذا إسرائيل على ضرب ثمانية أهداف سورية وأربعة مواقع إيرانية، وذلك بحسب الجيش الإسرائيلي. يبدو أن معركة الكلمات والوكالات قد تحولت إلى حرب مباشرة بين الدول.

الأمر الضائع في جلبة الأحداث هو السياق الحدودي. فإسرائيل ليست هي الدولة الوحيدة التي تحطمت طائرتها العسكرية من "نار العدو" في سورية مؤخرًا. ففي الأسبوع الماضي، كثفت روسيا ضرباتها الجوية على محافظة إدلب بعد أن أسقطت المجموعات المسلحة طائرة عسكرية روسية. وفي ذات اليوم الذي سقطت طائرة الـ F-16 الإسرائيلية، أسقط المقاتلون الأكراد السوريون طائرة مروحية تركية عسكرية التي كانت جزءًا من الغارة التركية شمالي سورية. لقد خسرت إسرائيل وروسيا وتركيا طائرات عسكرية لها خلال العلميات في سورية الأسبوع الماضي؛ إن المشهد الإسرائيلي الإيراني يتجاوز إسرائيل وإيران، فهو يمثل جانبًا من حرب أكبر بين القوى الدولية التي تتبارز مع بعضها خلال الأيام الماضية.

تحالفات مبهمة

لم تنحصر التطورات الجوهرية، الأسبوع الماضي، في إسقاط طائرة عسكرية. ففي 6 شباط/ فبراير، هاجمت قوات مناصرة للأسد القوات العسكرية التركية التي كانت تحاول التمركز في نقطة عسكرية بالقرب من مدينة حلب. أوردت بعض المصادر أن الميليشيات المدعومة من إيران كانت منخرطة أيضًا في الهجوم. وقبل نحو الأسبوعان، كانت تركيا وإيران تنسقان هدنة وقف إطلاق النار في سورية، والآن باتوا مشتبكين مع بعضهما البعض.

وفي 7 شباط/ فبراير، هاجمت القوات المناصرة للأسد قوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة من أميركا شرقي سورية، مما أدى لهجمتين جويتين أميركيتين. وقبل شهرين فقط، كانت القوات الموالية للأسد وقوات سورية الديمقراطية تنسقان حملة هجومية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والآن باتتا مشتبكتين مع بعضهما البعض. لقد أصبحت الحرب في سورية أكثر من مجرد حرب داخلية، فقد أصبحت حربًا دولية تضم إسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة.

إذا كان هذا مُشوشًا، فهذا هو السبب. لقد باتت الولاءات موضع مسائلة باستمرار، وتعتمد أكثر على ما يمكن أن تصنعه الأطراف المتعددة لبعضها البعض على المدى القصيرة بدلًا من الاتفاقات طويلة المدى أو وعود الثقة.

إن قوات سورية الديمقراطية المدعومة أميركيًا، والمؤلفة بالدرجة الأولى من مقاتلين سوريين أكراد، تتعاون مع نظام الأسد كي ترسل الدعم إلى عفرين لمواجهة القوات التركية. وكنتيجة لذلك، باتت قوات سورية الديمقراطية في حالة تعاون مع الأسد في جانب من سورية بينما تُهاجم من الأسد في مناطق أخرى من سورية. أما تركيا، وهي تشكل رسميًا جزءًا من اتفاقية توافق مع سورية وإيران لإنهاء الحرب السورية، قد شنت غارات على سورية لحماية مصالحها من روسيا وإيران، ولكنها تقع تحت الاعتداءات الروسية وعدوة إيران الرئيسية، الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة تقدم الدعم لأكراد سورية. إن الشيء الوحيد الأكيد في هذه الأزمة هو عدم وجود تحالف أكيد.

ضمن حالة الإبهام التي تتسم بها الاتفاقات الإستراتيجية، إلا أنها تعود جميعًا لسبب واحد، وهو محاولة إيران الاستيلاء على سورية. لقد تحدثت تركيا عن اجتياحها لشمالي سورية منذ عام، ودخلت قواتها عفرين مع جلبة إعلامية كبيرة. ولكن بينما كانت تركيا تتكلم، كانت إيران تفعل. فمنذ بداية الحرب في سورية في أعقاب محاولات القمع الوحشي للثورة عام 2011، كانت تقوم إيران بإيفاد الجنود والمسلحين والمال والأسلحة لدعم نظام الأسد.

كانت النتيجة هي تحويل سورية من دكتاتورية عسكرية سلطوية صديقة لإيران إلى وكالة إيرانية في حاجة ماسة للدعم الإيراني كي تحافظ على وجودها. يمثل ذلك بالنسبة لإيران فرصة إستراتيجية هائلة: فهذا يجعل استمرار دعمها لبشار الأسد مشروطًا بسماح الأسد لإيران بصنع ما يحلو لها في سورية. وما تريده إيران في سورية هو قاعدة التقدم أكثر في المشرق.

لذلك تبدو إسرائيل متوترة جدًا، فبالرغم من كل الحالة الخطابية، إلا أن إسرائيل وإيران لم تتقاتلا في حرب ضد بعضهما البعض لأنه لا يوجد طريقة لخوض حرب بين البلدين، فهما بعيدتان جدًا عن بعضهما البعض. لكن لن يعود هكذا هو الواقع إذا تمكنت إيران من جعل سورية كنقطة انطلاق للهجمات الإيرانية على إسرائيل. لقد كان هناك الوكيل الإيراني المتمثل بحزب الله، إلا أنه ذو عدد محدود من المقاتلين، وهو ما ينطبق على مسألة إطلاق الصواريخ على إسرائيل من لبنان. لكن الأمر يختلف الآن بالنسبة لإيران عندما تبدأ ببناء الصواريخ والقوات الأرضية وتحضير الطائرات في سورية حول الحدود الإسرائيلية فقط. ولكي يزداد الأمر سوءًا على إسرائيل، فهي لا تمتلك موقعًا قابل للمقارنة على الحدود الإيرانية. حتى لو كانت تمتلك، لا يمكن لإسرائيل استهلاك الجنود بالطريقة التي تستطيع فيها إيران القيام به ضمن صراع طويل. فبالنسبة لإسرائيل، يعد البرنامج النووي الإيراني أمرًا مقلقًا، ولكن تحول سورية إلى قاعدة للعمليات الإيرانية هو تهديد مصيري.

منافع إسرائيل

ثمة القليل من الأشياء التي تسير لصالح إسرائيل. إن نظام الأسد لا يعتمد على إيران وحسب بل روسيا أيضًا، ولا تمتلك موسكو أي مصلحة في تحول سورية إلى محمية إيرانية. تريد روسيا الحفاظ على سورية كفاعل مستقبلي وكحليف روسي، لا جزءًا من خطة إيران لإظهار القوة عبر أرجاء المنطقة. إن قاعدة طياس الجوية، والتي كانت هدفًا للضربات الإسرائيلية خلال نهاية الأسبوع، كانت قاعدة للطائرات الروسية أيضًا في سورية. تمتلك روسيا وإسرائيل علاقات قوية – كان نتنياهو في روسيا في الشهر الماضي ليعبر عن مخاوف إسرائيل إلى موسكو – وروسيا لا تبحث عن معركة مع إسرائيل. قد لا تتمكن إسرائيل من خوض حرب مثيرة للجدل ضد إيران، ولكن القوات الجوية الإسرائيلية لا نظير لها في الشرق الأوسط، وهذا يتضمن الحضور الجوي لروسيا. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل دعم أميركا في هذه القضية، فهي لا تريد وجود إيران في سورية أكثر من إسرائيل. إن التوافق الإيراني الروسي سوف ينكسر مع تقدم الطموحات الإيرانية.

كما أن خطوات إيران في سورية تهدد تركيا بشكل مباشر أيضًا، والتي لا تمتلك أيضًا أي رغبة برؤية قواعد إيرانية على حدودها. كلما ازداد انخراط إيران في سورية، كلما دفعت ضد إسرائيل وتركيا. لقد توترت العلاقات بين البلدين منذ حادثة أسطول مرمرة في عام 2010، ولكن السبب الحقيقي لتوتر العلاقات الإسرائيلية التركية هو تغير موقع تركيا في الشرق الأوسط. فقد انتقلت من الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف الناتو إلى دولة قوية تهتم بشكل رئيسي بحماية مصالحها، والتي ينبغي أن تنظر إليها إسرائيل بارتياب متأصل. لذلك، سوف يرى كلا الطرفين مصلحته الخاصة في الحد من وجود إيران في سورية. إذا اقتنعت إسرائيل أن روسيا لا تقوم بما يكفي لكبح جماح إيران، فلن تتردد أيضًا لتعميق تنسيقها مع تركيا، وهو ما سيكون كارثيًا من منظور موسكو. وهو ما سيسير على تنبؤاتنا لعام 2018.

وأخيرًا وليس آخرًا، فإن أغلبية القوى في المنطقة تقف في عداء مع إيران. والطرف الغائب بشكل واضح في التطورات الأخيرة في سورية هو عدو إيران اللدود، السعودية. لقد دخل السعوديون في صمت عميق، والذين كانوا يهددون في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بشن حرب ضد إيران. ولكنها لم تقم بأي خطأ، بقيت السعودية معادية جدًا لإيران وستدعم تحركات إسرائيل ضدها (والسعودية، على عكس إسرائيل، تقع على مدى إيران). وبالإضافة إلى ذلك، تقف كل من مصر والأردن إلى جانب إسرائيل. دعت مصر قادة حماس للقاهرة لاجتماع في نهاية الأسبوع الماضي، ربما كي تجعلهم يعرفون أن محاولاتهم الأخيرة لإصلاح علاقاتهم مع إيران محتومة بالفشل.

تحاول إيران السيطرة على سورية، ولا تريد إٍسرائيل لذلك أن يحصل. عملت إسرائيل على ضرب أهداف في سورية منذ سنوات لمنع حدوث ذلك، وستستمر في ذلك. لكن إسرائيل تعتبر أن مستقبلها لا يعتمد على الهجمات بل على قدرتها على وضع نفسها ضمن الائتلافات الإقليمية التي تعارض طموحات إيران في المنطقة. وقد بدأت معالم هذا الائتلاف بالتشكل، وهو تقارب مصالح إسرائيل وتركيا ودول عربية (مصر والسعودية والإمارات). خلق بروز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مخاوف محلية، والذي تعاون الجميع على سحقها. والآن تسعى إيران لملأ فراغ السلطة الذي تركته هزيمة داعش. تظهر الردود، والتي تعتبر هجمات إسرائيل الأخيرة مثالًا عليها، لهذا تبدو مكاسب إيران على المدى الطويل سريعة الزوال. لكن ستضغط إيران على المدى القصير لتحصيل مكاسب. فقد بدأت الحرب في سورية للتو.

اقرأ/ي أيضًا | ما هي المواقع التي استهدفها الطيران الإسرائيلي في سورية؟

(ترجمة خاصة: عرب 48)