يقول دونالد ترامب إن بناء "علاقة جيدة" مع روسيا ليست من مصلحته، بل من مصلحة أميركا. وأشار الرئيس في الأسبوع الماضي، في توضيح له حول أسباب احتفائه بفوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الأخيرة، إلى أنه يمكن لروسيا أن "تساعد في حل المشاكل مع كوريا الشمالية وسورية وأوكرانية وتنظيم ‘الدولة الإسلامية‘ (داعش) وإيران أو حتى في سباق التسلح القادم".

لكن في يوم الإثنين الماضي، اتجهت العلاقات الأميركية الروسية من سيئ إلى أسوأ. أغلقت إدارة ترامب القنصلية الروسية في مدينة سياتل وأمرت 60 دبلوماسيًا مغادرة الولايات المتحدة، كرد على تسميم جاسوس روسي سابق وابنته في بريطانيا. كما قامت كندا وعدة دول أوروبية بطرد مسؤولين روس، فيما وصفته رئيسة الوزراء البريطانية بـ "أكبر عملية طرد جماعية لمسؤولين استخباراتيين روس في التاريخ". لامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الحكومة الروسية على هجمات الأسلحة الكيميائية "التي استهدفت مواطنين بريطانيين على أرض بريطانية".

في حديث له مع الصحفيين، الإثنين الماضي، أشارت إدارة ترامب إلى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تحسن العلاقات مع روسيا، في حين ينكر الكرملين مسؤوليته عن عملية الشروع بالقتل، والعبث بصديقات أميركا، والانخراط في "سلسلة من الأفعال المزعزعة للاستقرار" في الولايات المتحدة وحول العالم. قام العملاء الروس "بالتخفي وراء غلاف من الحصانة الدبلوماسية بينما تشارك بشكل نشط في عمليات استخباراتية تقوض الدولة التي تستضيفها والديمقراطية التي يريدون الحد منها"، وذلك بحسب ما وضح مسؤول كبير في الإدارة.

مثلت الحجج الروسية تحديًا جوهريًا مع سعي ترامب لعلاقات أفضل مع بوتين، حيث أصبحت روسيا في موقع مركزي من صراعات المدن الرئيسية في مناطق واسعة، عبر العمل ضد مصالح الولايات المتحدة. قام الكرملين بتوسيع الدعم لكوريا الشمالية والحكومة الإيرانية بالرغم من سعي إدارة ترامب لعزلهم، مركزًا على دعم حكم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بدلًا من قتال تنظيم "داعش"، وتحدي المعايير الدولية عبر تغيير الحدود الأوكرانية بالقوة، وتطوير أسلحة نووية جديدة لمواجهة الدفاعات الأميركية. القول إن روسيا يمكن أن تساعد في حل قضايا كوريا الشمالية وسورية وأوكرانيا و"داعش" وإيران وسباق التسلح لصالح الرضى الأميركي، هو مثل افتراض قيام فريق كرة القدم الذي تلعب ضده بتسديد هدف على نفسه.

إن رفض ترامب الغريب لانتقاد بوتين والاقتناع بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لعام 2016، يأخذ الكثير من التركيز، لكنه يشتتنا عن الطرق التي تشتعل فيها طرق التنافس بين كبرى القوى العسكرية في العالم.

قدمت إدارة ترامب أسلحة قوية لأوكرانيا، وهو أمر عارضته إدارة أوباما لفترة طويلة. كما صعدت من تدخل الجيش الأميركي في سورية، وإمطار الأسد بالقنابل بسبب استخدامه للأسلحة الكيماوية وقتال مرتزقة روس الذين يتعدون على حدود أميركا. لقد فرضت عقوبات بمعاقبة روسيا على تدخلها في الانتخابات الرئاسية، بالرغم من تأخرها وبأمر الكونغرس. والآن قام ترامب بطرد المزيد من المسؤولين الروسي أكثر مما قام به سلفه. فعبر إغلاق القنصلية الروسية مدينة سياتل، يكون قد ألغى حضور روسيا في الساحل الغربي ويكون قد قلل من إمكانياتها المتخفية في الولايات المتحدة. وقال مسؤول أميركي كبير في الإدارة، إن "هذا قرار الرئيس وبشكل قاطع"، من دون الإجابة عما إذا كان قد ناقش محاولة الاغتيال الأخيرة بشكل شخصي مع بوتين.

قد يكون كل ذلك متوقعًا. قالت الخبيرة في الشأن الروسي، فيونا هيل، إنها "تخيلت قيام ترامب بالتخلي عن صديقه الجديد فلاديمير بشكل سريع جدًا". وأضافت أن روسيا "كانت ولا زالت قوةً توسعية – على طول التاريخ، لا ترضى بالتخلي عن الشيء أو الخلوص لشيء – مثلها مثل الولايات المتحدة... سنواجه احتكاكًا صعبًا جدًا". لكن الأمر المفاجئ هو أن ترامب، الذي روج لطمس الجماعات الجهادية الإرهابية، قد أمضى رئاسته وهو يتناوش مع دول بدلًا عن ذلك، مثل إيران وكوريا الشمالية على قضية الأسلحة النووية، والصين على التجارة، وروسيا على صراعاتها المتتالية.

اقرأ/ي أيضًا | أزمة الجاسوس الروسي: موسكو تطلب من لندن سحب 50 دبلوماسيا

قال مستشار الأمن القومي السابق لترامب، هنري ماكماستر، ذات مرة: "لقد عادت الجغرافية السياسية... وبشكل انتقامي، بعد العطلة التي أمضيناها من التاريخ فيما أسميناه حقبة ما بعد الحرب الباردة". ماكماستر خرج من الإدارة، ليتم استبداله بصقر روسي. إلا أن عبارته لا زالت تنبض بالحقيقة.

اقرأ/ي أيضًا | واشنطن بمجلس الأمن: روسيا وإيران مسؤولتان عن المذابح بسوريا