مع تقهقر المقاتلين الأحياء من تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى جيوب صغيرة من أكثر المعاقل صعوبة في الصحراء السورية، من المرجح أن الجيش التركي بدأ يرى فرصةً للاستيلاء على الحدود الشمالية السورية، من أجل إظهار القوة، وتدعيم الأراضي، وتوسيع مجال تأثيره في المناطق الخارجية القريبة منه.

تم إطلاق آخر عملية تركية عسكرية على سورية، والتي سُمِّيت بـ "غصن الزيتون"، في منتصف كانون الثاني/ يناير ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين الحدودية، وهي أحد الأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي. كان هدف تركيا هو منع التدفق المستمر لوحدات حماية الشعب في جبال الحدود السورية الشمالية، حيث سافرت كوادر المقاتلين ذهابا وإيابا بشكل آمن منذ بداية الحرب في سورية. وتقدم الجيش التركي والجيش السوري الحر المدعوم من تركيا بشكل كبير لإحاطة عفرين، ودخل مركز المدينة في 18 آذار/ مارس الماضي، وهو اليوم الثامن والخمسين من العملية، تم خسارة الكثير من الأرواح، بما في ذلك عشرات الجنود الأتراك، وأكثر من مئة عضو من الجيش السوري الحر وحوالي 3000 مقاتل من وحدات حماية الشعب، وذلك بحسب تصريح مسؤول تركي.

يقول المراقبون الإعلاميون لغارات تركيا إن رئيس البلاد، رجب طيب إردوغان، يهدف لحشد قاعدته في بلاده بـ "حرب صغيرة مجيدة" وأن يعزز مكانته بين المجموعات، بينما يقوم على نحو غير مباشر بتحدي الولايات المتحدة عبر تصوير نفسه كزعيم مهيأ للوقوف في وجه واشنطن.

منذ سنوات، قدّم إردوغان وجهاز الاستخبارات التركية دعما تكتيكيا لجماعات مسلحة، ضمن محاولة لعزل وحدات حماية الشعب في سورية. ما يحدث هو أمرٌ بسيط: تسعى تركيا للسيطرة على شمالي سورية عبر استخدام تجمعاتها السورية السنية المحلية، حتى المتطرفة منها، كوكيلة لها.

هل هذه خطة قابلة للتطبيق؟ إنها كذلك بالنسبة لإردوغان

ثمة 3.5 مليون لاجئ سوري في تركيا. معظم اللاجئين هم سوريين عرب سنة الذين يدينون لإردوغان، كونه قام بإيوائهم. على سبيل المثال، في 9 شباط/ فبراير، خرج أكثر من 6 ممثلين عن قبائل سورية عربية في مظاهرات لدعم عملية عفرين عبر ترديد شعارات مثل "تركيا ستنقذ سورية" في مدينة مرسين في تركيا. يعتبر الكثير منهم وحدات حماية الشعب كأعداء لعقيدتهم.

بالرغم من إصرار إدارة وحدات حماية الشعب على تجاوزها للأيديولوجية الماركسية التي استند عليها مؤسسها، يعتبر الكثيرون أن تعاليم زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوغلان، الماركسية اللينينية هي الأيديولوجيا الحالية لوحدات حماية الشعب. لا يمكن للاجئين السوريين العرب العودة إلى أوطانهم والأراضي المسيطر عليها اليوم من قوات سورية الديمقراطية، الحليف الحالي الرئيسي للجيش الأميركي. والذي يزيد من تعقيد العلاقة هو المشكلة طويلة المدة والتجنيد العسكري الإلزامي للشباب العرب ضمن أركان قوات سورية الديمقراطية، وأزمة الثقة بين أكراد وحدات حماية الشعب والعرب.

بدأ الكثير من العرب مؤخرا بالتعبير عن مشاعرهم الحقيقية اتجاه قوات سورية الديمقراطية المسيطر عليها من قبل وحدات حماية الشعب. فعلى سبيل المثال، ادعى معلم مدرسة عربي في مدينة منبج في روسيا مؤخرا أن "معظم العرب في المدينة كانوا غير سعداء مما رأوه من الحكومة الكردية، لكنهم كانوا يخشون من الاعتقال"، وذلك بحسب صحيفة النيويورك تايمز.

بنت تركيا شبكة تأثير على الجماعات السلفية الجهادية في سورية بما فيها هيئة تحرير الشام، ذراع القاعدة التي تسيطر على معقل الجهاديين في إدلب، وهي منطقة يقطنها أكثر من مليوني نسمة. كانت تقدم إدارة إردوغان الدعم اللوجستي للجماعات الجهادية منذ عام 2011، والتي اعتبرها أحمد يايلا مباشرةً كسياسة مكافحة إرهاب على حدود أورفه.

فوضت الحملة السورية داعمي إردوغان، والذي كان يصوره الكثير كزعيم للعالم الإسلامي، وهي فكرة أُخِذَت بجدية من دوائر سنية في سورية والمنطقة المحيطة. التفوا حوله عندما دعم سيطرة الإخوان المسلمين على مصر بعد الربيع العربي. صرخ المتظاهرون أمام البيت الأبيض قائلين "رجب طيب إردوغان، الزعيم الحقيقي للأمة"، أثناء اعتصامهم ضد إعلان الرئيس ترامب في شهر كانون الأول/ ديسمبر أنه سينقل العاصمة الأميركية في إسرائيل إلى القدس.

كانت تستحضر الوكالات التركية، بما فيها وكالات المعونة التركية الوكلاء الاستخباراتيين الأتراك في سورية، والفكرة التاريخية عن الخلافة ضمن السنة بمساعدة الجهاديين المتشددين والأئمة المحليين والمشايخ، بينما تُشير إلى اقتراب إردوغان من كونه خليفة جديدا، زعيما على كافة العالم الإسلامي. فعلى سبيل المثال، نُشر خبر مؤخرا أنه "مع بداية عام 2017، أصبحت المعاهد التعليمية والرعاية الصحية والدينية في شمالي حلب وبشكل واسع تحت سيطرة وقف ديانة، وهي مديرية الشؤون الدينية التركية، وشبكة من المنظمات غير الحكومية تحت تأثيرها".

نظرا للأعمال الوحشية التي شنّها نظام بشار الأسد على السوريين العرب السنة، فقد يفضلون كثيرا التدخل التركي، خاصة أن إردوغان قدم مقترحات لحماية السنة عبر قتال أعداءهم. ثمة قلق مفهوم أنه بدون وجود توازن أميركي في مناطق من شمالي سورية، فمن المحتمل أن يكون هناك المزيد من إراقة الدماء بين العرب والأكراد، بالرغم من الشراكة الحالية بين الجماعتين عبر أجزاء أخرى من البلاد. وفقا لذلك، يُحاول إردوغان أن يدعم شرعيته السياسية لدى السوريين السنة عبر تصوير نفسه كمنقذ، بالرغم من أن دافعه الرئيسي هو دحر المكاسب الكردية. لكن حتى مع تحصيل تركيا لموضع قدم في المزيد من المساحات في سورية، فإن تحرير جنودها قد لا يكون أمرا سهلا.

وبالإضافة إلى ذلك، تُواجه عملية عفرين عددا من العقبات، فالمنطقة التي تقود لعفرين يصعب السيطرة عليها نوعا ما، وهو ما يُفسر لماذا كانت تتقدم القوات التركية بشكل بطيء جدا في بداية العملية. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجهة المراقبة القائمة في المملكة المتحدة، فقد قتلت الضربات الجوية التركية حول عفرين 910 شخصا، بما فيهم 200 مدني.

حاليا، يبتعد حزب العمال الكردستاني عن شن هجمات داخل تركيا، وغالبا لتجنب استثارة العلاقة المتوترة بين أميركا وتركيا، نظرا للعلاقة بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني. ولكن ذلك يمكن أن يتغير قريبا، وهو ما يمكن أن يجعل القوات الأمنية التركية تواجه صعوبات في مجابهة حملة ضخمة من حزب العمال الكردستاني داخل البلاد. مثل هذه الحملة ستكون دامية وصعبةً جدا على تركيا كي تتمكن من السيطرة عليها. تواجه أنقرا تحديات مشابهة خلال حملة عنيفة لحزب العمال الكردستاني في بداية عام 2016، والتي استمرت لأكثر من 100 يوم ولم تنته إلا عندما شنت القوات الخاصة التركية عدوانا واسعا جنوبي البلاد.

استخدمت وحدات حماية الشعب صواريخ مضادة للدبابات لمجابهة تقدم القوات المدعومة من تركيا، وهي خطوة تسببت بمقتل عدد من الجنود الأتراك، وهو عودة للأحداث غير المرحب بها بالبلاد. وفي الحقيقة، وجدت القوات التركية والجيش السوري الحر صواريخ روسية وإيرانية جديدة مضادة للدبابات في مستودعات الأسلحة الخاصة بوحدات حماية الشعب في عفرين.

بغض النظر عن العقبات، تقدّمت عملية فرع الزيتون نحو غاياتها، بالرغم من غموض حضور الجيش الأميركي، الذي لا يزال يحترم تركيا كعضو في حلف الناتو بينما تعمل عن قرب مع قوات سورية الديمقراطية للقضاء على داعش. ومع ذلك، لن تقف القوات الأميركية مكتوفة الأيدي في حال شعرت أن الجيش التركي يُمثّل تهديدا على المواقع الأميركية الحالية. فمن خلال الجلوس جانبا، مكنت واشنطن إردوغان من تقوية حضوره في المنطقة وبين جمهوره المحلي.

أشارت أخبار حديثة إلى أن الولايات المتحدة تحضر "حزمة تجريبية معدة لتهدئة تركيا" عبر تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي المُتنازَع عليها، بما فيها إمكانية تشكيل دوريات تركية أميركية عسكرية في منبج.

خلال ذلك، أوضح إردوغان أن تركيا لن تقف بعد عفرين وستستمر في عملياتها حتى تحرير طريق كامل من أي حضور لوحدات حماية الشعب على الحدود التركية الجنوبية. وأعلن إردوغان مؤخرا: "بمجرد تطهير الإرهابيين من عفرين سوف نسعى لتطهيرهم من منبج وعين العرب وتل أبيض وراس العيش والقامشلي". في حال انسحبت الولايات المتحدة كليا من سورية بعد اعتبار انتهاء مهمة هزيمة تنظيم الدولة، فسوف تفسح المجال أمام إردوغان، والذي سيستمر بالدفع بأجندته.

إذا كانت الولايات المتحدة تريد تدعيم مكاسبها الصعبة، فعليها أن تأخذ بعين الاعتبار الدفع نحو تسوية سياسية في سورية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للقوى الرئيسية في الصراع أن تحل قضاياها على طاولة المفاوضات بينما تتجنب أي غارات عسكرية إضافية، والتي ستطيل التمرد فقط وتصعِّب من إمكانية القيام بإعادة الإعمار فيما بعد الصراع.

(ترجمة خاصة: عرب 48)