ترجمة خاصّة لـ"عرب 48"

امتلأ الأسبوع الماضي بموجة من الأحداث الجيوسياسية، إذ أعلنت واشنطن، في 31 أيار/مايو الماضي، عن إلغاء إعفاء كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، من الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة في الأشهر الماضية على واردات الصلب والألمنيوم، والتي كان من المفترض أن تستثني هذه الدول.

وتأتي هذه الخطوة التي انتقدتها هذه الدول بشدّة بعد يوم واحد من وصف رئيس الوزراء الياباني، شنزو آبي، لاقتراح أميركي يقضي بفرض رسوم جمركية على السيارات التي تصدِّرها اليابان إليها، بأنه "غير مفهوم وغير مقبول".

وصرَّحت الولايات المتحدة في 29 أيار/مايو الماضي، أنها ستفرض ضريبة جمركية على ما قيمته 50 مليار دولار من البضائع الصينية بنسبة 25%، بالإضافة إلى أنها ستفرض عقوبات على القطاع التكنولوجي في الصين (الأمر الذي تم نقاشه لاحقًا خلال الأسبوع الحالي، وصرحت الصين بموجبه أنه في حال فرضت أميركا أي عقوبات أو رسوم جمركية عليها، فإن جميع الاتفاقات التجارية الأخيرة تُعتبر لاغية).

ولنستطيع استيعاب هذه الخطوات الاقتصادية الأخيرة، يُمكننا القول ببساطة، إن رياح "الحرب التجارية" تهب بشدّة، لكن هذا الادعاء يُمكن وصفه بأنه درامي، لأن الحقيقة أكثر تعقيدًا، فرغم الرد الشديد الذي وعدت المفوضية الأوروبية بتنفيذه ردًا على الخطوات الأميركية، فإن الاتحاد الأوروبي يُخطِّط فرض رسوم جمركية على ما قيمته 7.5 مليار دولار من البضائع الأميركية فقط، ولا يبدو أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، ينوي فرض رسوم ضرائب على بضائع أوروبية أخرى.

ورغم تواضع التصعيد الأوروبي والكندي والمكسيكي في هذه القضيّة، إلا أنه من حق هذه الدول أن تغضب، فالسبب الرئيسي من وراء فرض أميركا لهذه الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم عالميًا، هو الصين، إذ أن الصين سجّلت على مدار العقود الماضية، ارتفاعا هائلا في إنتاج الصلب والألمنيوم، ولا تستطيع استهلاك هذه الكميات الهائلة، بالإضافة إلى أنه لا يُمكنها أن "تُخفض" كمية الإنتاج وتسريح آلاف العمال من هذا القطاع، فكان الحل هو التصدير.

وتُصدِّر الصين، منذ عشرات السنين، فائض إنتاج الصلب والألمنيوم إلى الأسواق العالمية، ما دفع بالأسعار للهبوط؛ وبالتالي إفلاس الشركات الأميركية التي تعمل في هذا القطاع ودفعها خارجه. 
وصبَّ ترامب جام غضبه بسبب ذلك، على الصين، بالإضافة إلى دول أخرى، رغم أن ذلك لن يُفيده في محو مخاطر البضائع الصينية. اتخاذ ترامب لخطوات تجارية كهذه، من شأنه أن يساعده على أمر واحد، وهو تحسين صورته أمام داعميه الأميركيين، حيث أن حملته الانتخابية عام 2016 قد ارتكزت على عدّة مواضيع ترويجية، أهمها الوعود التي قدّمها للقضاء على البطالة ووضع "الولايات المتحدة أولًا. بالمحصلة، ستضر القرارات الأخيرة بعلاقات الولايات المتحدة مع حلفائها، وسترفع الأسعار على المواطن الأميركي.

وتُشكِّل القيمة من البضائع الصينية المصدرة التي قرر ترامب أن يفرض عليها ضرائبه، نحو 2% من القيمة الإجمالية للبضائع المصدرة من الصين سنويًا، لهذا، فإنها لن تؤثر كثيرًا على الاقتصاد الصيني.

تكمن مشكلة الصين الأساسية في العقوبات التي هدد ترامب أن يفرضها على الاستثمارات الصينية في القطاعات التكنولوجية الأميركية.

تتماثل حاجة الصين في تصدير منتجاتها التكنولوجية التي تساهم في سلسلة القيمة للشركات الأميركية، مع صراعها "المستميت" من أجل اكتساب التطور الكافي والخبرة اللازمة من أجل تطبيق هذا الأمر في الأصل. يتوجب على بكين أن تدفع باستثماراتها نحو الشركات التكنولوجية الأميركية الرائدة في هذا المجال، لأن التناقضات التي يُعاني منها اقتصادها، لن "تمنحها" الوقت الكافي لاكتساب هذه الخبرات داخليًا.

لا يُمكن اختصار العلاقات الصينية - الأميركية، بموضوع التجارة فقط، إذ تتصاعد المنافسة حول السيطرة على البحر بين الدولتين العظيمتين أيضًا.
 صرح أحد المتحدثين باسم وزارة الدفاع الصينية، أن بلاده تمتلك الآن، أسطولا بحريا لحاملة طائرات مقاتلة على أتم الجهوزية والفعالية.

حربيًا، هناك حاملة طائرات حربية واحدة، ويكمن هدفها الإستراتيجي في خلق أسطول بحري من السفن الحربية، لتُشكل بذلك مجموعة حربية متناسقة. ورغم قلّة خبرة الصين في حاملات الطائرات إلّا أنها تقوم في الآونة الأخيرة، وبشكل دؤوب، بتدريبات عسكرية بحرية.
ولم تصمت الولايات المتحدة تجاه خطوات الصين العسكرية البحرية الأخيرة، فقد أعلن متعاقد الدفاع الأميركي، قبل أسبوعين، عن نجاح اختبارات لصواريخ مضادة للسفن بعيدة المدى، التي ستُزوَّد بها القاذفات الأميركية وطائراتها المقاتلة خلال عامين.

وتُعتبر الخطوات العسكرية الأميركية الأخيرة؛ في غاية الأهمية لما تعنيه في مضمار طبيعة الحرب، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ترتكز قوة الولايات المتحدة البحرية على الأساطيل البحرية لحاملات الطائرات المقاتلة. لكن في عصر السلاح الذكي، أي الذخيرة الموجهة بدقّة، تتحول حاملات الطائرات إلى أهداف عوضًا عن كونها ذات قيمة عسكرية كبيرة لمالكها. 

وفيما يُكلِّف بناء وصيانة حاملات الطائرات أموالًا باهظة تُقدَّر بمليارات الدولارات، فإن الصاروخ المضاد بعيد المدى، كالذي اختبرته القوات العسكرية الأميركية، يبلغ ثمنه 3 مليون دولار كأقصى حد، ولا يمكن ضمان فعالية أدق الصواريخ المضادة للصواريخ الموجودة على السفن، في حمايتها.

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة التعقيدات بالعلاقات الصينية -الأميركية، يبدو أن هناك انخفاضا فريدا من نوعه في حدّة الصراعات في الشرق الأوسط، فقد أعلن "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، في 31 أيار/مايو الماضي، عن بدأ انسحاب القوات الإيرانية مصحوبة بقوات "حزب الله"، من القنيطرة ودرعا المحاذية للجولان المحتل في الجنوب السوري. ورغم عدم تأكيد هذه المعلومات، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي قد زار روسيا في نفس اليوم، حيث قام بشكرها على تفهّمها لـ"حاجات إسرائيل الأمنية". فمنذ أسابيع قليلة فقط، كانت إيران و"إسرائيل" تتحضران للحرب، لتهدأ الأمور فجأة، إضافة إلى "وساطة" مصر في وقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية "حماس".

ويبدو انسحاب إيران وحزب الله من الجنوب السوري منطقيًا، فالأولى تحتاج إلى "تثبيت" المكاسب التي حصلت عليها من سورية والعراق، ولا يُمكنها فعل ذلك في حالة حرب، والثاني قد أُنهك في الحرب الأهلية السورية، الأمر الذي من شأنه أن يُضعف احتمال محاربته لـ"إسرائيل".

ويُضاف إلى ذلك، أن التحالف الروسي - الإيراني الذي أُعلن عن انتهاء مهمته في سورية مؤخرًا، غير معني (كتحالف) من دخول حرب أخرى في الشرق الأوسط، وبما أن حلفاء طهران يتناقصون واحدا تلو الآخر، فلا طاقة لهم على التقدم أبعد مما تُريد موسكو. ويفقد الرئيس الإيراني، حسن الروحاني، شعبيته المحلية، باستمرار، بفعل عدم تنفيذه لوعوده الاقتصادية، في ظل حصار أميركي، وتردي الحالة الاقتصادية في إيران، وإعلانه عن انسحاب قواته من الجنوب السوري مع الحدود التي تحتلها إسرائيل، سيسبب له إحراجًا كبيرًا أمام ناخبيه.

يُمكننا أن نشعر بغرابة الأحداث الجيوسياسية التي قد تحصل في أسبوع ما، بمجرد ألا يكون الشرق الأوسط محورها، لكن هذا أيضًا لا يعني أن الأمور على ما يرام. 

اقرأ/ي أيضًا | بوتين: لن نسحب كل قواتنا من سورية