نشر هذا المقال في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة، فجر اليوم، السبت، من قبل الرئيس التركي، رجب طيّب إردوغان، في ضوء العقوبات الأميركيّة الأخيرة ضد تركيا، التي أدّت إلى تراجع كبير في الليرة التركية. ترجمة خاصة لـ"عرب ٤٨":


لعقود ستّة خلت، كانت تركيا والولايات المتحدة الأميركيّة شريكين إستراتيجيّين وحليفين في الناتو، وقفا جنبًا إلى جنب ضدّ التحدّيات المشتركة خلال الحرب الباردة، وما بعدها.

وطوال أعوام، هرعت تركيا لمساعدة أميركا متى كان ذلك ضروريًا. جنودنا وجنديّاتنا أراقوا دماءهم سويّةً في كوريا. في العام 1962، تمكّنت إدارة كيندي من إزالة صواريخ السوفييت من كوبا عبر إزالة منظومة صواريخ جوبيتير من تركيا وإيطاليا. وبعد هجمات 11سبتمبر الإرهابيّة، حين طلبت واشنطن دعم أصدقائها وحلفائها لمجابهة الشرّ، أرسلنا قوّاتنا إلى أفغانستان للمساعدة في إتمام مهمّة حلف الناتو هناك.

ومع ذلك، فشلت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا في تفهّم واحترام مخاوف الشعب التركي. وفي الأعوام الأخيرة، خضعت شراكتنا لاختبار الخلافات. وللأسف، فإن محاولتنا للحيلولة دون هذا المنحدر أثبتت عقمها. وإن لم تبدأ الولايات المتحدة في احترام السّيادة التركية وتثبت أنها تتفّهم المخاطر التي يواجهها شعبنا، فإن شراكتنا على ستكون على المحكّ.

في الخامس عشر من تمّوز/يوليو 2016، أصبحت تركيا تحت هجوم أعضاء في جماعة غامضة يقودها فتح الله غولن، المصنّفة رسميًا بأنها إرهابية من حكومة بلادي، من مجمّعه في ريف بنسلفينيا.

حاول الغولنيّون تنفيذ انقلاب دموي ضدّ حكومتي. وفي تلك الليلة، ملايين المواطنين العاديين دفعهم حسّهم الوطنيّ للنزول إلى الشوارع، في تحرّك مشابه، بلا شك، لما اختبره الشعب الأميركي في هجومات بيرل هاربر و11سبتمبر.

مئتان وواحد وخمسون مواطنا بريئًا، منهم إيرول أولكوك، صديقي العزيز ومدير حملتي الانتخابيّة لوقت طويل، ونجله، عبد الله طيّب أولوك، قتلوا، دفعوا الثمن الحتميّ لحريّة الأمّة. ولو أنّ فرقة الموت، التي لاحقتني وأفراد أسرتي، نجحت في مهمّتها، لكنت الآن معهم.

توقّع الشعب التركي أن تدين الهجوم بشكل لا لبس فيه، وأن تعرب عن تضامنها مع القيادة التركية المنتخبة. لكنّها لم تفعل. ردّ الولايات المتحدة كان غير مرضٍ. وبدلًا من الانحياز إلى الديمقراطية التركية، دعا المسؤولون الأميركيّون، بحذر، إلى "الاستقرار والسلام والاستمراريّة داخل تركيا". ولكي تسوء الأمور أكثر، لم يطرأ أي تقدّم في طلب تركيا تسليم فتح الله غولن، وفق معاهدة ثنائيّة.

أمر آخر يدعو للإحباط، يتعلق بالشراكة بين الولايات المتحدة وقوّات سورية الديمقراطيّة، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وهي عبارة عن مجموعة مسلحة مسؤولة عن مقتل الآلاف من الأتراك منذ عام 1984، وتم تصنيفها كمجموعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة. ووفقا لتقديرات السلطات التركيّة، استخدمت واشنطن 5000 شاحنة و2000 طائرة لنقل الأسلحة إلى قوّات سورية الديمقراطية في الأعوام الأخيرة.

لقد شاركت حكومتي مرارًا مخاوفها مع المسؤولين الأميركيين حول قرارهم تدريب حلفاء حزب العمال الكردستاني في سورية وتزويدهم بالسلاح والعتاد. ولكن، للأسف، لا حياةَ لمن تنادي. والأسلحة الأميركيّة انتهى بها الأمر لتستخدم ضد أفراد قواتنا الأمنيّة في سورية والعراق وتركيا.

في الأسابيع الأخيرة، اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الخطوات صعّدت التوتر مع تركيا، بسبب اعتقال الشرطة التركية للمواطن الأميركي أندرو برونسون، بتهمة مساعدة منظمة إرهابية. وبدلاً من احترام العملية القضائية، كما حثثتُ الرئيس ترامب في اجتماعاتنا ومحادثاتنا العديدة، أصدرت الولايات المتحدة تهديدات صارخة ضد دولة صديقة وشرعت في فرض عقوبات على العديد من أعضاء حكومتي. كان هذا القرار غير مقبول وغير عقلاني وأضر، في نهاية الأمر، بصداقتنا الراسخة.

وللإعلان أننا لا نرضخ للتهديدات، رددنا على العقوبات بفرض عقوبات مماثلة على مسؤولين أميركيّين.

ومن الآن فصاعدًا، سنلتزم بالمبدأ نفسه: المحاولة لإجبار حكومتي على التدخّل في المسار القضائي لا يتوافق مع دستورنا ولا مع قيمنا الديمقراطيّة المشتركة.

لقد أثبتت تركيا مرارًا وتكرارًا أنها ستهتم بمصالحها الخاصة إذا رفضت الولايات المتحدة الاستماع لها. في السبعينيّات، تدخلت الحكومة التركية لمنع المذابح ضدّ العرقية التركية من قبل القبارصة اليونانيين على الرغم من اعتراضات واشنطن. وفي الآونة الأخيرة، أدّى فشل واشنطن في إدراك خطورة مخاوفنا بشأن تهديدات الأمن القومي المنبثقة من شمال سورية إلى عمليّتين عسكريتين، أسفرتا عن قطع وصول ما يسمى الدولة الإسلامية إلى حدود حلف شمال الأطلسي، وإزالة المسلحين الأكراد من مدينة عفرين. وكما هو الحال في تلك الحالات، سنتخذ الخطوات اللازمة لحماية مصالحنا الوطنية.

وفي الوقت الذي يستمر فيه الشر في الإيغال حول العالم، فإن التصرفات الأحادية الجانب ضد تركيا من قبل الولايات المتحدة، حليفتنا لعقود، لن تؤدي إلا إلى تقويض المصالح والأمن الأميركيين. وقبل أن يفوت الأوان، على واشنطن التخلي عن الفكرة المضللة التي مفادها أن علاقتنا يمكن أن تكون غير متناسقة، وأن تتصالح مع حقيقة أن لدى تركيا بدائل. إن عدم عكس هذا الاتجاه الأحادي وعدم الاحترام يتطلب منا البدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد.