تعددت الأعمال الدرامية المصرية التي تناولت نكسة حزيران/يونيو 1967حتى يكاد لا يخلو مسلسل عربي جاد من التطرق إلى الحرب وما حدث فيها، ويرجع ذلك إلى أن النكسة لم تكن مجرد هزيمة عسكرية للعرب فقط، لأن آثارها الاجتماعية والفكرية والمعنوية وانعكاس نتائجها على وعي المواطن العربي ساهم في حدوث تحولات كبرى في شخصية الفرد المصري خصوصا والعربي عموما، بحيث يمكن القول أنه ثمة تحول من النقيض للنقيض، من الايمان بالنصر إلى الهزيمة، من الحلم باسترجاع الأرض إلى البكاء على ما خسرناه.

لم تظهر المسلسلات التي تناولت نكسة حزيران/يونيو إلا في سنوات الثمانينات بعد تباعد الزمن ومرور أعوام طويلة على الحدث، وظهور كتب ومذكرات شخصية لسياسيين و عسكريين، ومراسلين صحافيين عايشوا الحرب، أو كانوا شاهد عيان عليها من قلب المعركة، أو مقربين من دوائر الحكم والقرار؛ لذا استعان صناع الدراما بهذه الكتب لصياغة حبكات وتفاصيل تقرب الأحداث من ذهن المشاهد في أسلوب درامي شيق ومفيد في آن واحد يخاطب المثقف كما يخاطب رجل الشارع البسيط.

ليس هذا السبب فقط في عدم ظهور مسلسلات في السنوات التي تلت الحرب مباشرة، بل في صعوبة تناول الهزيمة فنيا سواء عبر السينما أو المسرح أو الدراما، فقد كانت صورتها لا تزال حاضرة في أذهان الناس، كونها جسدت زلزالا حقيقيا زعزع الثقة بالأنظمة السياسية، من جهة وأجبر المجتمع العربي على مواجهة واقع جديد. كل هذه الأسباب قللت من احتمالية ظهور عمل فني درامي قوي، لأن طرح أسئلة مثل : ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ ومن المسئول عن النكسة؟ كان من الصعب طرحها بشكل مباشر، أو ايجاد إجابات شافية تقنع الناس. ولم يكن هناك كاتب سيناريو أو مخرج سيجرؤ على الاقتراب من هذه المنطقة، والجرح لا يزال نازفا، والنظام نفسه ما يزال قائما.

الدراما والنكسة

في مسلسل ”ليالي الحلمية” لمؤلفه أسامة أنور عكاشة، وللمخرج اسماعيل عبد الحافظ تحضر نكسة حزيران/يونيو من خلال شخصية علي البدري، المناضل الشاب الحالم الثوري الذي شارك في حرب يونيو وشاهد الموت والدمار، ووصف المعركة في احدى الحلقات قائلا : ” كانوا بيصيدونا زي العصافير”، لكن علي البدري عاد منهزما، محطما نفسيا، ورغم ذلك يتعرض لمؤامرة تؤدي لدخوله السجن مدة خمس سنوات بتهمة الانقلاب على مبادئ ثورة يوليو، يخرج علي البدري من السجن ليجد أن حبيبته زهرة تخلت عنه، وأن التحولات السريعة في المجتمع من حوله أكثر  من قدرته على استيعابها، مما يؤدي به إلى التحول أيضا، للحاق بعصر الانفتاح الرأسمالي. لم تظهر آثار النكسة في ” ليالي الحلمية”  المكون من خمسة أجزاء على شخصية علي البدري فقط، بل يمكن القول أن الأثر المباشر للحرب ظهر مع هذه الشخصية، لكن ثمة شخصيات أخرى تركت الحرب أثرها عليهم، وإن لم يكن بشكل مباشر، لكن في الجزء الثالث الذي تدور فيه أحداث الحرب تغيم على الأبطال حالة من الحزن المأساوي المعبر عما يدور في النفوس جراء  الإحساس بالهزيمة. ويعتبر هذا العمل الدرامي الأهم في تاريخ الدراما المصرية من أكثر الأعمال الفنية نجاحا في التعبير عن الشخصية المصرية الحقيقية في هزيمتها وانتصارها.

أما مسلسل ”العائلة” الذي كتبه وحيد حامد المعروف بجرأته في معالجة القضايا الشائكة، وقام بإخراجه اسماعيل عبد الحافظ ، فتدور أحداثه في أعقاب النكسة، وبالتحديد خلال فترة حرب الاستنزاف، حيث يرصد المسلسل حكايات عائلية لسكان  عمارة واحدة، وتتكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية في تلك المرحلة وما فيها من تعاطف وود بين الجيران، ومن خلال أسرة  فقدت أحد أبنائها في حرب يونيو يتم تناول النكسة وما تركته من تأثير على المجتمع في فتحها لجرح غائر لم يندمل بسهولة رغم مرور الأعوام.  تناول وحيد حامد في هذا العمل أيضا قضية الإرهاب والفقر الذي يؤدي بالفقراء إلى الانجراف وراء التيار الديني المتطرف.

ويربط ”العائلة” أيضا بين الشعور بالهزيمة ورغبة الفرد المصري في الارتكاز إلى جدار قوي يستند إليه فكان الفرار إلى التشدد الديني الذي أدى لاحقا إلى الإرهاب؛ ويعتبر الكثير من النقاد أن هذا العمل من أوائل الأعمال الدرامية التي تنبأت بظهور موجة التطرف الديني واستخدام العنف ضد المجتمع.

تناول مسلسل ”المال والبنون” الذي كتبه محمد جلال عبد القوي وأخرجه مجدي أبو عميرة، آثار  النكسة على المجتمع المصري، من خلال  سيادة الجشع  وطغيانه على سائر القيم الإنسانية؛ تبدأ أحداث المسلسل بعد النكسة عام 1968 حيث يعكس مرارة الهزيمة ووجعها، كما  يتناول مرحلة حرب الاستنزاف، مرورا بانتصار أكتوبر، ثم عصر الانفتاح وما تسبب به من تحولات اجتماعية، وتصعيد طبقة من تجار  المنفعة على حساب طبقة أخرى يتم تهميشها وإقصائها، فيما تظل نخبة قليلة من أصحاب القيم متمسكة بمبادئها دون أن تحيد عنها.

ويُعتبر مسلسل ”رأفت الهجان” لمؤلفه صالح مرسي، والمكون من ثلاثة أجزاء، من الأعمال الدرامية الجماهيرية التي تناولت الصراع العربي الاسرائيلي، وما أعقب نكسة حزيران/يونيو من حرب باردة، وصراع استخباراتي، فمن خلال شخصية ديفيد شارل سمحون، وهو جاسوس مصري تمت زراعته في اسرائيل من قبل المخابرات المصرية، يقدم المسلسل تفاصيل مشوقة عن ما وراء  النكسة وأسبابها ومخلفاتها، ثم نصر أكتوبر1973 وتفاعل المجتمع معه؛ مسلسل ” رأفت الهجان” تم التعامل معه على أنه دراما وطنية مؤثرة تكشف الكثير عن ملاحم الحروب، حيث حقق نسبة عالية من المشاهدة وظل يتكرر عرضه على مدار عدة أعوام.

هناك أيضا عدة أعمال درامية حديثة تناولت نكسة حزيران/يونيو وتطرقت إلى بعض الجوانب السياسية والعسكرية لكنها لم تكن كافية أيضا في السياق الدرامي للإضاءة على كثير من الأحداث التي يكتنفها الغموض رغم مرور سنوات طويلة على الحدث؛ من هذه الأعمال مسلسل  “صديق العمر” الذي كتبه ممدوح الليثي، وأخرجه عثمان أبو اللبن؛ وتم عرضه عام 2014  حيث ركز على شخصية المشير عبد الحكيم عامر الذي يعتبره البعض سببا أساسيا في حدوث النكسة كونه كان قائد القوات المسلحة المصرية في عهد عبد الناصر،  تناول المسلسل سيرة  عامر وصداقته الوثيقة مع ناصر، ليمر على أحداث النكسة من دون التوغل الكبير في مسبباتها، ودور المشير فيها، لذا قيل أن المسلسل تم إعداده خصيصا لتبرأة شخصية المشير مما ألحق به من تهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليكون ردا على مسلسل ” ناصر” لمؤلفه يسري الجندي ومخرجه باسل الخطيب، الذي تناول قصة حياة جمال عبد الناصر منذ الميلاد عام 1918 حتي الوفاة عام 1970، ليتعرض أيضا لنكسة حزيران/يونيو، ويناقشها من زاوية تعرض عبد الناصر لخدعة من أشخاص وثق بهم، ولم يكونوا أهلا للثقة.

وفي إطار مسلسلات الجاسوسية، ظهر مسلسل ”حرب الجواسيس″، لينضم إلى مسلسل رأفت الهجان، في تناول قضية التجسس التي شاعت في أعقاب نكسة حزيران/يونيو. تم انتاج مسلسل ” حرب الجواسيس″ عام 2009، وهو مأخوذ عن قصة قام بكتابتها صالح مرسي حملت اسم سامية فهمي، وهي امرأة مصرية تم استقطاب خطيبها من قبل الموساد الاسرائيلي، وحاول أن يجندها لتعمل معه لكنها تنتصر للجانب الوطني وتفضل التعاون مع المخابرات المصرية  وتسليم خطيبها وشبكة التجسس التي يعمل لصالحها.

اقرأ/ي أيضًا| 'عرب 48' يحاور الموسيقار العالمي سيمون شاهين‎