شكّلت هبة القدس والأقصى مرحلة مفصلية في حياة الفلسطينيين في الداخل، فهي بالنسبة لهم لحظة انفجار لا يمكن تجاهل تأثيرها على الجيل القادم، الذي لم يشهد الانتفاضة بيومياتها وتفاصيل أحداثها، والمعادلة السياسية والطرح السياسي ووضعية الأقلية العربية في إسرائيل عامة.

وفي الذكرى السنوية الـ14 لهبة القدس والأقصى، التي تحل هذه الأيام، التقى موقع “عرب ٤٨”، مع مجموعة من الشباب، لم تعايش الانتفاضة بيومياتها وعنفوانها، إلّا أن الانتفاضة بقيت مرحلة في غاية الأهمية وحاضرة في أذهانهم، لتؤثر على رأيهم السياسي وصراعهم على الهوية.

وقال المحامي خالد تيتي إن 'ما ميز الانتفاضة الثانية عن غيرها من المحطّات التي مر بها فلسطينيو الداخل، هو أنها حدث نشأ على إثره جيل كامل بمعالمه وخصوصياته وتجرته. فمنذ أحداث يوم الأرض عام ١٩٧٦ لم يصطدم الفلسطينيون في إسرائيل مع المؤسسة الإسرائيلية  ولم تمر هويتهم المركبة بتحديات حقيقية من شأنها أن تعيد تعريف علاقتهم مع الدولة التي تحتل شعبهم، أو تحديات تصحح مسار صقل هويتهم'.

وتابع تيتي أن “النتائج الفورية لأحداث الانتفاضة الثانية كانت صادمة للمجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، وللشباب خاصة، ليس فقط كأفراد عايشوا مشاهد الدم والقتل والاعتقالات والملاحقة على مدار عشرة أيام في طول البلاد وعرضها، بل كمجموعة تصرفت تلقائياً بشكل جماعي أثناء الأحداث وبعدها، فتلقت صدمة نفسية جماعية كانت لها تأثيرات على فهم الفلسطينيين لهويتهم بمعزل عن الحواجز والتشويهات التي أرادتها المؤسسة الصهيونية، أو بعض منا من مروجي مقولة التعايش الزائف”.

وأضاف: “هذه الصدمة أدت إلى نشوء جيل ’أكتوبر ٢٠٠٠’، الذي حسم أمر النقاش حول معالم هويته الفلسطينية، ونوعية علاقته مع دولة إسرائيل في نطاق المواطنة الإسرائيلية التي باتت هي الأخرى مركب واضح المعالم في الهوية، حدودها معرّفة ومبتغاها لا يتجاوز تكتيك محاججة المؤسسة في القضايا المدنية”.

وعن هذا الجيل أضاف تيتي، أن “جيل أكتوبر هو هذا الذي يصنع اليوم معالم تصعيد النضال ضد المؤسسة في مواضيع وطنية متعدّدة كالتجنيد وبرافر ومساندة الأسرى والخدمة المدنية، والتلاحم مع الشعب الفلسطيني في كل مكان، وهو جيل جاهز لتبني مشاريع نضالية ولديه الكبرياء، إلّا أن دوره سيتراجع برأيي إذا ما بقي يراوح بين التنسيق والتخطيط غير المدروس، وبين انعدام مشروع جماعي يتبنى الطاقات الشبابية ويفسح لها المجال في التعاطي مع مجريات الأمور”.

وقالت الناشطة ريم أبو رعد إن “هبة أكتوبر أظهرت عنصرية الصهيونية بتعاملها معنا، نحن أبناء هذا البلد الأصليين، ورفعت من الجانب الآخر مستوى شعور الانتماء الفلسطيني لدينا، نحن الشباب في الانتفاضة وبعدها، وعمقت الفجوة بين العرب والمؤسسة، فالانتفاضة قامت بتعرية المؤسسة وعنصريتها تجاه العرب على أسس سياسية كشفت زيف المواطنة الكاذبة، وأثبتت أننا لسنا في عداد مواطنين لهم حقوقهم ويجب احترامها”.

وتابعت: “عمقت هبة القدس والأقصى الحس الوطني والوعي لدى الفلسطينيين وشكلت محطة في تاريخ العرب في الداخل لا يمكن التغاضي عنها، إلى جانب يوم الأرض وأحداث الروحة، فهي كانت محطة كشفت من خلالها فاشية الدولة وعنصريتها تجاهنا”.

أما على الصعيد الشخصي فقالت أبو رعد، إنه “عشت هبة القدس والأقصى، وأثّرت بي على صعيد شخصي، وعلى صعيد جماعي، فهي حدث أعاد صقل الهوية الوطنية القومية لدينا كعرب داخل هذه الدولة. إلّا أنه وللأسف يفقد الحدث أهميته شيئا فشيئا مع مرور كل عام بسبب عدم إعلان الإضراب والمرور على الذكرى كأنها شيء عادي يمر مر الكرام بمظاهرة تقليدية لا ترقى لأهمية الحدث”.

واختتمت أبو رعد حديثها بالقول إن “حدثا مثل هذا أ يُخلّد عبر السنين، وأن يعلن الإضراب العام والمظاهرات اللائقة ليعرف الصغير والكبير حجم عنصرية الدولة، وكيف تعرت أمامنا فاشيتها عندما خرجنا لنحتج لأسباب سياسية قومية”.

أما الناشط نزار جبران، فقال إن “هبة القدس والأقصى جاءت لتنعى أوسلو وما كان من فترة استسلام، ومخطّطات تهدف إلى أسرلة الفلسطينيين وتطبيعهم مع المؤسسة، وجاءت لتدب الأمل بعد خيبة الأمل التي حصلت جراء أوسلو وما تبعها”.

وعن تأثير أكتوبر على جيل الشباب اليوم، قال جبران إن “تأثير أكتوبر على الشباب اليوم واضح جداً، فالجيل الأكبر قد كسر حاجزا في غاية الأهمية، وهو حاجز الخوف. وأصبح جيل اليوم لا يخاف من اندلاع أكتوبر آخر، لا بل ويحاول إعادته من جديد، فها نحن نرى النشاط الشبابي الذي لا يخاف قمع الشرطة، وقد علم أن مشروع المواطنة قد سقط عند أكتوبر”.

وتابع: “لعل الدليل الأكبر على غضب الجماهير على الدولة، وتأثير أكتوبر على العلاقة ما بين الدولة والعرب داخلها كان انتخابات الكنيست التي تلت أكتوبر، وكانت نسبة المقاطعة العربية لها عالية”.

أمّا الناشطة رلى جريس، والتي لم تعايش الانتفاضة، فقالت إن “هبة أكتوبر هي بالتأكيد مرحلة مفصلية في تاريخ كل فلسطيني في الداخل، تأثيرها يتجلّى عليّ بشكل كبير على الرغم من أنني قد استقيتها من العائلة وتناقلناها عبر الأجيال كأغلبية العوائل الفلسطينية في الداخل. وعلينا ترسيخ ذكراها وهذا أقل واجب وطني”.

وتابعت جريس: “أسقطت الهبة فكرة التعايش والسلام التي سادت قبلها وكانت مقبولة، ومنذ العام ٢٠٠٠ انعكست الأمور. فالدولة أثبتت أننا لسنا مواطنين، وتعاملت معنا كأعداء بكل فاشية وقتلت ثلاثة عشر شاباً”.

وعن الشباب اليوم قالت جريس، إن “الانتفاضة ما زالت مستمرة تقل حدّتها حيناً وترتفع حيناً فالقمع من قبل المؤسسة ما زال مستمر والحراك السياسي ما زال مستمراً من الجانب الآخر، وأنا عرفتها من خلال الأهل والمطالعة وسأمررها للجيل القادم مثلما مرّروها لي”.

واختتمت جريس حديثها بأن “علينا إحياء ذكراها بما يليق بمثل هذا الحدث، وليس بمسيرة تقليدية لا ترتقي للحدث”.

وقالت الناشطة السياسية من دالية الكرمل أوان علي، إنها “لم تعش الانتفاضة، أو ما يسمى انتفاضة القدس والأقصى كسائر الفلسطينيين”.

وأضافت: “طغى الخوف على الكرمل من وصول الانتفاضة إلى الشمال. وأذكر الحظر على التجول في الليل. وما أذكره أن الإعلام الإسرائيلي جعل من كلمة شغب، الوصف الدائم لأحداث الداخل، والإرهاب لأحداث الانتفاضة ككل. لم أكن وقتها أعرف ماذا تعني اسرائيل من احتلال وما تفعله بنا لليوم من تفرقة شعبنا لسرقة ارضنا ومن مشاريع أسرلة. وفي بداية الانتفاضة كنت لا زلت في التاسعة من عمري وما أذكره هو أنه في كل المدارس الدرزية كان هناك النشيد الوطني الاسرائيلي وفي حصص الفنون نرسم العلم الاسرائيلي”. 

وتابعت علي إنه “مع امتداد الانتفاضة، وفي العام ٢٠٠٣، قتلت بنت من دالية الكرمل كانت تكبرني بسنوات قليلة، صعدت إلى الحافلة لتقلها إلى البيت لكن وقع انفجار. وفي ذلك الوقت اتشحت البلد بالسواد الداكن والكل كان حزين، ولكنني لم أفهم سبب انفجار الحافلة ولا حتى سبب الانتفاضة في ذاك الوقت”.

وعن الانتفاضة قالت علي: “أنا أرى اليوم بانتفاضة الاقصى أنها هبة ضد الظلم، بعد كل القرارات الصادرة عن الامم المتحدة ولم تطبق والاتفاقيات والمؤتمرات، وخاصة كامب ديفيد وأوسلو'.

وتابعت: “لقد مرت سنين على الانتفاضة ولم تنته التضييقيات بعد، ولم يتوقف قتل أبناء شعبنا بأرقام تجعلني أذكر نكبة ١٩٤٨، ولذلك فإن المقاومة هي حق لنا لا بل هي واجب من أجل الدفاع عن حقنا، وإيصال الإعلام بالشكل الصحيح وليس المتصهين”.

وعن الجيل الحالي قالت علي إن 'التصعيد موجود ولم نتوقف عن المقاومة وهي امتداد بشكل مخفف للانتفاضة، وبضمن ذلك مقاومة التجنيد الاجباري والخدمة الوطنية (الخدمة المدنية) بترجمتها الصحيحة، أو حتى الحملات المحلية كالغضب من أجل الاسرى، أرفض شعبك بيحميك، مخيم اليرموك، متحركين لأجل فلسطين ... وغيرها من الحملات لمناهضة الاحتلال بشكل شبابي نسوي يعبر عن صوت المرأة داخل الاحتلال وعن عدم مفارقتها للمقاومة فهي من تلد ليصير لنا وطنا حر”.