أُقيمت قرية اللقية بصورتها الحالية في العام 1996، كجزء من مشروع التجمعات السبعة ضمن مخطط حكومي لتمدين الفلسطينيين في النقب. حوت القرية على أرضها سكان أصليين من مالكي الأرض ومهجرين من أراضيهم خارج منطقة "السياج" وداخله، فشل مشروع التجمعات السبعة لعدم إجابته على احتياجات المجتمع العربي في النقب وتجنبه لطابع الحياة الزراعي والاجتماعي، إلى جانب عدم إشراك المواطنين العرب في النقب في التخطيط.

تاريخيًا، لعب موقع قرية اللقية الحالي دورًا تاريخيًا لوجوده على خط "طريق العطور" التجاري الذي كان يصلُ القاهرة ببغداد من هذا المقطع، وحوى ملتقى التجار الذي تعلق ببئر الشيخ إبراهيم الصانع (تسمية جديدة نسبيًا)، والذي كان استراحة التجار خلال سفرهم، تعتبر جبال اللقية، وهي الحدود الغربية للقرى، جزءا من تسلسل جبال الخليل وتقع القرية في منطقة قضاء الخليل التاريخية.

بحكم موقعها الاستراتيجي وقربها الشديد لمنطقة ما يسمى بـ"الخط الأخضر" الحدودية، تطورت خلال فترة الحكم العسكري لدى الفسطينيين في النقب حالة اجتماعية وقرابة دم مع أهالي الضفة الغربية، قضاء الخليل والظاهرية وغيرها، من خلال التهريب لمقومات الحياة الأساسية التي منعت في الكثير من الأحيان التعامل التجاري ومراقبة الواقع الحياتي اليومي والقومي الملاحق بممارسات الاحتلال على جانبي الخط الأخضر.

وبرزت المشاركة السياسية للبلدة وسكانها خلال مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994، حيث عمت المظاهرات والمواجهات البلدة والمنطقة المحيطة بها، أغلق السكان الشارع الرئيسي المؤدي لمنطقة البحر الميت واشتبكوا مع الشرطة وأجهزة الأمن لأيام طويلة خلالها تم اعتقال العشرات من سكان البلدة.

غابة عتير

تبعد قرية اللقية مسافة سبعة كيلومترات تقريبًا عن جدار الفصل العنصري، وشكل هذا القرب الجغرافي قلقًا دائمًا لدى السلطات الإسرائيلية من التواصل العربي بين المواطنين العرب في النقب والضفة الغربية حاولت خلال السنوات تقليصه بطرق مختلفة، وبرزت في السنوات الماضية مشروعات ضخمة، طبقها الاحتلال بحجة "تطوير النقب" ولكن المشترك فيها كان قربها الجغرافي للـ"خط الأخضر" بين النقب والضفة الغربية، وفصلها بين قرى النقب والشريط الحدودي مع الضفة، إلى جانب قرى ومستوطنات قائمة بنيت سابقًا.

وبانت هذه المشروعات بشكلها الانتقامي الذي دائمًا ما هدد في مراحل تخطيطه بمصادرة أراضي عربية جديدة وتهجير سكان قائمين، أو تقليص المساحات المخططة في الخرائط الهيكلية للبلدات العربية لمصلحة المشروع اليهودي.

برز منها "حيران" التي تقع حسب تخطيطها في قلب "الخط الأخضر"، وتهدد بتهجير قرية أم الحيران كاملة وتفصل عبر احتلالها لمنطقة جبال عتير، بين الضفة الغربية والتجمعات العربية الكثيرة في تلك المنطقة.

وكان أول ما أنجز من هذه المشاريع، مقطع شارع 6 الجديد، الذي يصل خط البحر الميت بالمقطع القديم لشارع 6 ويصادر جزءًا من الأراضي المخططة للسكن في الخارطة الهيكلية المستقبلية للقرية.

ثانيًا، بلدة "كرميت"، وهي بلدة يهودية مُرفهه جديدة أقيمت لاستضافة نواة من يهود فرنسا، تقع على الجهة المقابلة لشارع 6، تقوم بفصل واضح بين قرية اللقية و"الخط الأخضر". أقيمت البلدة خلال فترة أقل من سنتين منذ بدء تخطيطها.

مخطط بلدة كرميت

أقيمت بلدة كرميت عند أطراف غابة عتير، التي لا تزال في طور التوسيع وتستمر في احتلال المزيد من الأراضي العربية يوميًا، تعد الغابة أكبر الغابات التي زُرعت بشريًا في الشرق الأوسط ويهدف مخطط توسيعها لتغطية المنطقة الفاصلة بالكامل بما يناسب التجمعات اليهودية الحدودية والمزارع الفردية ويشرف عليه الصندوق القومي الإسرائيلي "ككال".

أيضاُ تلتقي أحراش عتير مع الجدار الفاصل، والذي تم استكمال بناؤه خلال السنة الماضية ليغطي كامل الشريط الحدودي و"الخط الأخضر" بين النقب والضفة.

وأخيرًا، القرية الاستخباراتية "شوكت" (الإسقاطي)، وهي الأكبر في البلاد ومخصصة لأفراد الجيش الدائمين وعائلاتهم، يحتوي المخطط على أكثر من 2000 وحدة سكنية ومن المخطط أن يخدم ما يقارب 15000 جندي مع عائلاتهم، حسب التخطيط عّن القرية الاستخباراتية ومن المخطط بنائها وافتتاحها حتى سنة 2024.

وشوكت ملتصقة بقرية اللقية بحيث تسلب القرية جزءًا من الخارطة الهيكلية لها ومن إمكانيات التوسع المستقبلية، ويهدد بناؤها قرية عوجان غير المعترف بها الموجودة في الجانب الشمالي لقرية اللقية بالترحيل الجزئي. بالإضافة إلى أنها ستشكل حضورًا عسكريا للجيش في هذه المساحة الاستراتيجية. وتم تجميد العمل مؤقتًا على افتتاح القرية حتى إيجاد حلول لربطها بشبكة القطار.

وقال المحامي والناشط السياسي، أحمد أبو عمار، من قرية اللقية، لـ"عرب 48" إن "عدد سكان اللقية اليوم أكثر من 13 ألف نسمة، مساحتها وخارطتها الهيكلية حوالي 5 آلاف دونم وأغلب أراضيها التاريخية صادرتها السلطات لصالح القرية العسكرية (لكيت) ولصالح "كاكال".

وأضاف أن "كل منافذ القرية أغلقت تقريبًا من جميع الجهات وخاصة امتدادها الطبيعي (جهة شمال شرق) مع الضفة الغربية، والهدف الأساسي من ذلك قطع التواصل بكل أنواعه مع الأهل في الضفة الغربية وخاصة سكان الظاهرية ومنطقة جبل الخليل".

ويقول أبو عمار إن "الدولة تعاملت وما زالت تتعامل مع قرية اللقية وسكانها كما تتعامل مع باقي قرانا ومدننا وأبناء شعبنا، تعامل عدائي وبنفس الوقت أمني، ولذلك، تصادر أغلب الأرض بحجج واهية وتبذل كل جهدها ليسكن أكبر عدد من السكان على أصغر قطعة أرض".

واعتبر أن "هذه السياسة العنصرية تضيق الخناق على السكان وتؤثر سلبًا على تطور القرية، خاصة اقتصاديا، وتزيد من الاكتظاظ السكاني، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الفقر وانفجار سكاني له تبعاته الخطيرة على القرية وسكانها ونسيجها الاجتماعي".

وخلص أبو عمار إلى أقول إنه "من خلال عملنا القانوني تعاملنا مع الكثير من الملفات التي بنيت على خلفية التواصل مع الضفة الغربية، وهي جزئية تراقبها الدولة بعين الخطر دائمًا".

وأشار المهندس المعماري والناشط الاجتماعي، أحمد أبو بدر، خلال حديثه لـ"عرب 48" إلى أنه "في السنوات الأخيرة فرضت دائرة أراضي إسرائيل على المواطنين العرب في القرى البدوية واقعًا جديدًا، وهو البناء المرتفع، ولكن خلال تسويقها للقسائم أو لكذبة القسائم وتصاريح البناء، دائمًا ما استخدمت عبارة ’الحل المرحلي’، ووعدت الناس بأن الفترة القادمة ستحمل معها قسائم بناء للأزواج الشابة في أحياء مخططة، ولكن كل من حاول استشراف المرحلة القادمة أكد أنه لا أمل لإضافة أراضٍ إلى قرية اللقية".

وعن سياسة التضييق قال أبو بدر: "هي آلية ممنهجة جدًا ومدروسة، في سنوات سابقة لم يكن لدى أي من سكان اللقية الخوف من عدم وجود مكان للبناء أو القلق المستقبلي في موضوع البيت، ولكن سرعان ما تغيير هذا الوضع، فما نراه اليوم على الأرض هو تمدد بلدة لهافيم اليهودية باتجاه الشرق بشكل مستمر، ولكن جارتها اللقية لا تتوسع باتجاه الغرب مع أن الأرض موجودة، أيضًا من الجنوب وضع مخطط القرية العسكرية والتي أجبرت فعلًا عائلة الربيدي من سكان اللقية على تغيير مكان سكناهم، حتى قبل الشروع بالبناء الفعلي للقاعدة، بالإضافة إلى شارع 6 الذي ألغى كل أفق التوسع باتجاه الشرق والشمال.

وأضاف أنه "من أهم العوامل التي تؤدي إلى يأس الناس من أي مطالبة بالتخطيط هي أنه في حال تمت الموافقة على أي تخطيط أو الشروع بالعمل عليه، فسوف يستغرق سنوات طويله بدون أي نتائج ملموسة، على الرغم من أن بدلة كرميت أقيمت خلال أقل من سنه".

واختتم حديثه بالقول إن "الدولة معنية بهذا الوضع، فالعنف والبطالة والانهيار الاجتماعي هي النتيجة الحتمية للتضييق على الناس، والضيق الحالي هو بوابة الناس إلى النتيجة التي ترغب بها الدولة، وحتى في حال المعارضة والبناء غير المرخص مثلًا فالدولة لا يضرها أن تجني الغرامات الطائلة بعد عمليات الهدم".

اقرأ/ي أيضًا | توقعات أمنية إسرائيلية متكدرة للعام 2018