بدأنا نشهد منذ بداية القرن تولي الروبوتات والذكاء الاصطناعي مهام عديدة في حياتنا، وهيمن استعمال التكنولوجيا على مجالات عديدة بينها الطبية والتجارية، وحتّى في التعليم، وهو فعل اجتماعي، فيشهد قطاع التدريس استعمالًا متجدّدًا للحواسيب والآليات التكنولوجية ضمن أساليبه، ولكن، هل يمكن أن تحلّ الروبوتات ذات يوم محلّ المعلمين؟

حاول فريق باحثين من جامعات "جنت" في بلجيكا، و"بلايموث" بالمملكة المتحدة، و"يال" بالولايات المتحدة الأمريكية، و"تسوكوبا" باليابان، دراسة هذا السؤال بشكل علمي وبحث احتمالات حدوث مثل هذه الفرضية حقًّا، فقاموا بدراسة الطريقة التي يتم بها استخدام الروبوتات في مجال التدريس، ومدى تفاعلها الاجتماعي مع الطلاب.

ارتكزت الدراسة المنشورة حديثًا في مجلة "ساينس روبوتيكس" العلمية، على مراجعة أكثر من 100 بحث تمّ إجراؤهم ونشرهم في السنوات الأخيرة حول القضية، والتي بيّنت جميعها أنّ إمكانية حلول الروبوت الاجتماعي مقام المعلّمين في المدارس تواجه العديد من التحديات.

وكشفت المراجعات للأبحاث أنّه على الرغم من قيام الروبوتات الاجتماعية بدور فعال في عملية التدريس، فإنّ ذلك الدور يظل محصورًا ضمن بعض المضوعات الدراسية، إذ أنّ الروبوتات الاجتماعية تظلّ عاجزةً عن تدريس الكثير من الموضوعات الدراسية بالفاعلية التي يملكها المعلّم.

وأكّدت الدراسة الحالية أنّ دور الروبوتات الاجتماعية في التدريس، بقدراتها الراهنة، يقتصر على تعليم اللغات والرياضيات، وتحديدًا في موضوعات معينة كالكلمات والاصطلاحات والكتابة والأعداد الأولية، فما زالت قدرات الروبوتات على فهم حديث البشر محدودة، أي أن من الصعب عليها أن تتعرف على ما يقول الطلاب، كما أن مستوى الذكاء الاصطناعي الحالي للروبوتات غير قادر على إدراك أقوال الطلاب وأفعالهم بشكل كامل، وغير قادر على التصرف والتفاعل مع الطلاب على أكمل وجه بغرض تعليمهم وتوجيههم.

واستنتجت الدراسة، بناء على مراجعة الدراسات السابقة، أنّ الروبوتات الاجتماعية لن تصير الجيل القادم من المعلمين بدلًا من العنصر البشري، وذلك سبب عدم القدرة على محاكاة قدرات المعلم ومهاراته بشكل كامل لدى الروبوت، حتى في المستقبل القريب.

وحُاليًّا، يتمّ استخدام الروبوتات في التعليم فعلًا، بل وتشير العديد من الدراساتإلى زيادة استخدامه وتوسّعه، من خلال استعمالاته كوسائل مساعدة لتعليم بعض المفاهيم في مجال العلوم والتكنولوجيا، كالبرمجة على سبيل المثال.

كذلك فإنّ الروبوتات الاجتماعية بُنيت وصممت من أجل التدريس، من خلال التفاعل بشكل اجتماعي مع الطلاب، وبالتالي يمكن استخدامها في عدد من المجالات التعليمية كتعلُّم اللغات والموسيقى ومهارات القراءة والكتابة.

وأشارت دراسات عديدة إلى أن الأطفال أو الطلاب الصغار يكونون أكثر ارتباطًا وانخراطًا من خلال التفاعل مع الروبوتات الاجتماعية، وأن الروبوتات الاجتماعية أكثر فاعليةً من الوسائل التعليمية المعتمدة على الشاشات، غذ يفتقر التدريس من خلال شاشات الحاسوب إلى العنصر الاجتماعي ثلاثي الأبعاد، والذي يُعَد مهمًّا للغاية لعملية التعلم، فيما تتمكّن الروبوتات الاجتماعية من جعل الطالب أكثر انتباهًا وتجاوبًا وتساعد على تحفيزه.

ولكن استخدام الروبوتات الاجتماعية في التدريس يواجه العديد من المشكلات والتحديات التي تواجه العملية التعليمية حاليًّا، قد تكون أبرزها زيادة تنوع الطلاب في الصفوف، وتباين قدراتهم التعليمية، الأمر الذي يخلق حاجة إلى طرق للتدريس تراعي الفروق الفردية، وهو ما لا يوفره الذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك يعتقد بعض الباحثين أن الروبوتات يمكنها أن تؤدي دورًا هامًّا في حلّ هذه الأزمة تحديدًا، إذ يمكنها المساهمة في التدريس الشخصي للطلاب داخل الصف الواحد في بعض الموضوعات.

لكنّ كلّ هذا يطرح سؤالًا أخلاقيًّا هامًّا، يجب على جميع الأفراد المعنيين بالمعادلة التعليمية التفكير به والإجابة عنه، فما هو الدور الذي يمكن للروبوتات أخذه في العملية التعليمية؟ وما هو الحيّز المقبول؟ وما هي الاحتمالات والإمكانيات لاحتلال الروبوتات هذا الحيز؟ وما هو دور المعلّم في هذا الحيز؟

اقرأ/ي أيضًا | هل على هذه الأرض، وحدها، يمكننا الحياة؟