في شارع صلاح الدين في القدس، التقيت السيد زياد الحموري، رئيس مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ليحدِّثنا عن وضع القدس بعد خمسين عامًا احتلالها.    

قال لي الحموري، لنرجع إلى بداية الاحتلال، فالقدس ضُمّت قسرًا رغم إرادة أهلها، ورغم قوانين الشرعية الدولية، وطبّق الاحتلال عليها القوانين الإسرائيلية، وقد اتخذ بعض الإجراءات السريعة التي تؤكد أنه كانت هناك خطة جاهزة للتنفيذ مثل عمليات الهدم لحي المغاربة وتهجير سكان واسع'.

 كان واضحًا أنهم سيصادرون الأرض فصودر 87% من أراضي القدس، منها 35% بنيت عليها مستوطنات و52% منها قالوا إنها مناطق خضراء، ولكن المناطق الخضراء أعدت لخدمة المستوطنات وبقي لنا من الأرض التي نستطيع البناء عليها 13% فقط، وحتى هذه أيضا فيها عقبات مثل الترخيص، وعمليا ما بقي لنا هو أقل من 5% من الأرض.

القسم الثاني هو الإنسان، فقد منحوا للمقدسيين ما يسمى الهوية الزرقاء التي تمنح الناس حق الدخول إلى إسرائيل، بمعنى أننا هنا أتينا كسياح إلى البلاد ولسنا أبناء هذا الوطن، ووزير الداخلية يستطيع إلغاء وجودنا في القدس.

ولكنهم يتحايلون حتى على قانون الدخول إلى إسرائيل، فاختلقوا شيئًا جديدًا اسمه 'مركز الحياة'، أي مكان حياة المواطن المقصود حيث أسرته تعيش، وأعلنوا أنهم سيلغون إقامة الآلاف من المقدسيين بحجة أن مركز حياتهم هو خارج القدس.

في القدس معركة ديمغرافية ضدنا مثلما هي في الداخل الفلسطيني، وكما صرح نائب رئيس للكنيست أن 'على الفلسطينيين أن يرضخوا لنظام الأبرتهايد أو أن يرحلوا أو أن نقتلهم'، وهذا الخطاب موجه لكل فلسطيني.

أكثر من طريقة تستعمل في الحرب الديمغرافية ضدنا، منها هدم البيوت، فعندنا 22 ألف أمر هدم في القدس غير ما هدم حتى الآن والذي يشرد آلاف العائلات.

العنصر الآخر هو إفقار الناس، فنسبة الفقر تتعدى الـ80% وهذه معلومات إسرائيلية، هناك ضغوط هائلة على القطاع التجاري من خلال الضرائب الباهظة المتراكمة، بتقديرنا هناك أكثر من 300 محل تجاري أغلقت بشكل دائم، والمحلات المفتوحة عليها تراكم ضرائبي يصل إلى ملايين الشواقل لبعض المحلات، وهذا يهدد بالسيطرة عليها بحجة ديون ضرائبية من خلال المحاكم.

من يراقب يرى أن الخطط التهويدية انتهت وتمت السيطرة بشكل كامل على القدس ومحيطها، نحن العرب نعيش الآن في جزر محاصرة بالمستوطنات، وحتى هذه الجزر لا يريدونها، وتتعرض لضغوطات كبيرة. المطلوب هو حماية ما تبقى من الوجود الفلسطيني، فالمستوطنون يحصلون على دعم كبير رسمي وشعبي، من الحكومة ومن جمعيات صهيونية وموارد هائلة تكرّسُ للحرب الديمغرافية ضدنا. بالتالي فالمطلوب من العالم العربي والإسلامي أن يساعد في دعم صمود المقدسيين لأن ما يتعرضون له مخطط كبير وخطير، وليس من السهل مواجهته.

عن موقف العرب والمسلمين 

 للأسف كل ما يُسمع من العالم العربي عن دعم بالمليارات للقدس هو مجرد كلام، في قمة سرت عام 2011 قُدمت أوراق تقول إن الوضع في القدس خطير، واتخذ قرار لتخصيص نصف مليار دولار للقدس، كل ما وصل من هذا المبلغ هو 35 مليون دولار. بعدها عقدت قمة في الدوحة وتحدثوا عن صندوق للقدس من مليار دولار، ولكن لم يصل منه شيء، أمير قطر افتتح الصندوق ب 250 مليون دولار، ولكن لم يسهم أحد من العرب فيه فتوقف الصندوق وشُلّ عمله، وحاليا لا يوجد أي دعم.  

من جانب آخر فقد تم سحب 15 ألف هوية، وهذا يعني حوالي 70 ألف مواطن عندما نحسب عائلاتهم، ولكن الخطورة هي بعزل المناطق خارج القدس وما يسمى مركز الحياة كما أسلفنا، فإذا سُحبت هوية المقدسي فإنه يخسر معها أملاكه داخل القدس وتصبح مهددة بالمصادرة.

قانون 'مركز الحياة' هو عملية تحايل على القانون، هذا سيمس أكثر من 120 ألف نسمة، وهذا ضمن مخطط كبير حتى 2050 يتوخون منه تقليص عدد الفلسطينيين حتى يكونوا أقل من 20% من سكان القدس.

في العام 1967 كنا 65 ألفا ولم يكن ولا يهودي في شرق القدس، الآن صاروا 220 ألف مستوطن على أراضي القدس الشرقية، ونحن 310 آلاف. المخطط أن يُدخلوا للقدس 300 ألف مستوطن آخر وتقليص عددنا بحيث نبقى 20% فقط.

 الفقر يضغط على مجموعة من السكان للخروج للبحث عن مصادر رزق، والهدم سيشرد كثيرًا من الناس، نحن نتحدث عن 20 ألف أمر هدم، مثال ذلك حي البستان الذي يأوي حوالي 1500 إنسان، الحي مهدد بالهدم في أي لحظة، صاروا يصدرون أوامر هدم جماعية لأحياء كاملة.

علما أنه حسب القانون الدولي ليس من حق دولة الاحتلال التصرف بالأرض المحتلة. 

نحن بحاجة الآن إلى 40 حتى 50 ألف وحدة سكنية ولكنهم يعطون تراخيص بالقطارة بشكل يكاد يكون صفرًا، في العام 2008 أعطونا 18 رخصة بناء فقط. منها سور مقبرة اعتبروه ترخيصا لبناء. بالمقابل هناك دعم بالأرض والقروض وإعفاء ضريبي للمستوطنين.

الوضع التعليمي: مواجهة المنهاج الإسرائيلي  

يؤكد الحموري أن نسبة التسرب من المدارس عالية جدا، وهناك نقص بحوالي 1700 صف مدرسي ونقص بميزانيات للتعليم، على سبيل المثال ليس هناك مختبرات ولا ملاعب ولا أي قضايا تتعلق بتحسين ظروف التعليم وتطويره، هناك مسعى لإدخال المنهاج التدريسي الإسرائيلي، وهذا يواجه بمقاومة من قبل الأهالي والطلاب.

حتى في مجال الصحة لا يقدمون ما نستحقه مقابل ما ندفعه للتأمين الوطني فيتحايلون ويحجبونها عن مستحقيها تحت ادعاءات أن مركز حياة هذا أو ذاك خارج القدس.

اختبأنا في الكراج

وفي ذكرى الاحتلال الخمسين، يستذكر الحموري تلك الأوقات ويقول 'كنت وقتها في الخامسة عشرة من عمري، أسكن في بيت حنينا، سمعنا عن أن الحرب اندلعت فدخلنا إلى أحد الكراجات، خرجت ورأيت دبابات بدون أرقام أو كلام عليها وحسبنا أنها عراقية، أشرت بيدي للجندي على الدبابة فأطلق صلية تجاهي للتخويف فهربت، تفاجأنا بعد يوم أو يومين أنهم فوق الكراج، سمعوا أصواتنا وأخرجونا كلنا، أمروا الشباب بالانبطاح  على الأرض، أمي نامت فوقي فقد ظنت أنهم سيقتلوننا، وبعد ساعة ونيف أطلقوا سراحنا، كان الوضع غير عادي، والدي وصل إلى البيت بعد ستة أيام من البلدة القديمة بعد أن حسبناه قتل'.

وأكد الحموري أن العصابات الصهيونية نهبت المحلات التجارية، وقال إنه 'كان لدينا قناعة بأن الاحتلال مؤقت ولهذا أضرب المحامون والمعلمون، حتى أن المحامين ممن معهم شهادات أردنية توقفوا عن العمل حوالي ثلاثين سنة، وأضرب المعلمون لفترة معينة اضطروا بعدها للعودة إلى المدارس'.

'اليوم أنظر وأرى أن معالم القدس تغيّرت، يعني إذا غبت شهرًا عن القدس تشعر بالتغييرات الجارية على قدم وساق يهدد بتحقيق ما يحلمون به على حسابنا'. 

اقرأ/ي أيضًا | الفلسطينيون: توسيع الاستيطان 'تحديا سافرا' للإدارة الأميركية