تتنوع الأساليب التي تقوم بحرية الاحتلال الإسرائيلي بتبنيها من أجل انتهاك الحقوق الأساسية للفلسطينيين سكّان قطاع غزّة وتضييق الحصار المفروض عليهم منذ 12 عامًا، ولم يترك الاحتلال مهنة من المهن التي يعمل بها أهالي غزّة، إلا وقد ترك عليها بصماته الإجرامية.

وتعتبر مهنة الصيد الذي يعتاش منها نحو 4000 آلاف صياد غزّي، هدفًا مباشرًا لبحرية الاحتلال، فالصيادون الفلسطينيون هم من أكثر الفئات التي تعاني من الفقر المدقع في غزّة، حيث أن نزولهم إلى عرض البحر قد يكلّفهم فقدان معدّاتهم من قوارب وشباك، وفي حالات ليست قليلة، قد يكلفهم حياتهم.

ومحاربة الاحتلال الإسرائيلي لهم في رزقهم الذي لا غنى لهم عنه، هي ضمن سياسة مبرمجة لاستهداف الصيادين الغزيين بدون مبرر أو أسباب حقيقية، لكن على الرغم من الاعتداءات اليومية التي يتعرضون لها، إلا أنهم مستمرون في عملهم بحثا عن الرزق ومزاولة حياتهم بشكل طبيعي، فقد ورثوا هذه المهنة أبا عن جد ولا يجيدون مهنة أفضل منها.

لقمة مغمسة بالدم

يبلغ الصياد علي عوض من العمر 45 عامًا، ويعيل عائلته المكونة من 10 أفراد، منهم طفلان في 13 و15 من عمرهما، اضطرا تحت ضغط الحاجة والفقر لترك تعليمهما المدرسي لمساعدة والدهما في عمله الذي قال إنه لا يستطيع تشغيل عمال معه لأن رزقه على "قده"، واصفًا ظروفه الاقتصادية بتحت الصفر.

وقال الصياد عوض في حديث مع "عرب 48":

"يمر أكثر من شهرين دون أن أجني أي مبلغ من المال. لا أعلم كيف يعيش أهل بيتي، لقد تعرضت لعدة اعتداءات أثناء عملي في الصيد، وصادر الاحتلال قاربي الوحيد".

وقال مسؤول لجان الصيادين، زكريا بكر، لـ"عرب 48" إن شهري نيسان وأيار، "هما موسم صيد الأسماك بشكل عام، وسمك السردين بشكل خاص، ويُعتبر (الموسم) مصدر رزق الصياد، الذي ينتظره طوال العام. لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي تتعمد منع الصيادين من النزول إلى البحر في هذه الفترة من العام تحديدًا، بإدراك تام أن هذا من شأنه أن يحرم الصيادين من مصدر رزقهم الأساسي".

وأضاف بكر أن الصياد الفلسطيني يتعرض يوميا لممارسات الاحتلال الوحشية، فمعاناته تبدأ من ضيق المساحة المسموح بها للصيد والتي تتراوح بين 3 أميال إلى 6 أميال بحرية، فقد حُرم الصياد من ممارسة مهنته في المناطق التي تبعد 9 أميال بحيرة وما بعدها، والتي تتميز بكثرة الأسماك بكافة أنواعها.

وأشار بكر إلى أنه إضافة إلى المنع الذي تنتهجه بحرية الاحتلال، فهي تتعمد أيضًا "إطلاق النار تجاه الصيادين بشكل مستمر، مما يؤدي إلى فقدان شباكهم وإبعادهم عن أماكن عملهم، وإلحاق خسائر مادية فادحة بهم، بالإضافة إلى مصادرة قواربهم بجميع معداتها واعتقالهم".

ويختتم بكر حديثه لـ"عرب 48" بالقول إن "قوات الاحتلال دائما ما تنقض العهود والمواثيق، والدليل على ذلك ما يتعرض له صيادو غزة كل يوم من انتهاكات وحرمان من الصيد في الأماكن المتفق عليها".

استهداف الصيادين بشكل متعمد

في مطلع عام 2018، استشهد الصياد إسماعيل صالح أبو ريالة، جراء إطلاق النار عليه من قبل جنود بحرية الاحتلال الذين اعتقلوا منذ بداية العام 39 صيادا فلسطينيا، بالإضافة إلى سحب 16 قاربا ومصادرته، فيما لا تتوقف قوات الاحتلال عن تهديد الصيادين ومنعهم من الصيد وإطلاق النار والقذائف باتجاه مراكبهم.

ولا يقتصر استهداف الاحتلال للصيادين الغزيين على حد الستة أميال بحرية الذي فرضه عليهم، بل تُطلق قواته النار والقذائف عليهم في منطقة الثلاثة أميال بحرية، التي تبعد عن زوارق بحرية الاحتلال مسافة كبيرة، بالإضافة إلى أن نسبة تلوث مياه البحر تصل إلى 70%، الأمر الذي يضر بالأسماك القليلة المتاحة للصيادين وسط كل هذه التضييقات.

وتمنع ضغوطات الاحتلال على الصيادين الغزيين، مزاولتهم للمهنة بشكل طبيعي، مما يؤدي إلى استحالة استمرارهم بالعمل بهذه المهنة، وإجبارهم على التخلي عنها، ليُتركوا للبطالة والفقر دون أن يتلقوا أي مساعدة من الجهات الحكومية باستثناء بعض المساعدات التي تقدمها لهم المنظمات غير الحكومية، الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا منهم لعرض قواربهم للبيع، آملين تدبير لقمة العيش لأسرهم.

ويعاني 85% من صيادي قطاع غزة المحاصر من الفقر المدقع في ظل ملاحقات الاحتلال لهم وشح الإمكانيات وأسعار الوقود الباهظة وعدم قدرتهم على تطوير قواربهم بمعدات حديثة.

ويبلغ عدد الصيادين في القطاع نحو 4 آلاف شخص، بعد أن كان يُقدر في السابق أضعاف هذا العدد الذي تراجع بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعيشها قطاع غزة بفعل الحصار، والتي انعكست على مهنة الصيد المنهارة. 

معركة يومية من أجل لقمة العيش، والتجار أصبحوا عمالًا

قال الصياد محمد بكر، الذي تتكون عائلته من سبعة أفراد، لـ"عرب 48":

"نتعرض دائمًا لاعتداءات من قبل جنود البحرية الإسرائيلية، وفي بداية العام الحالي، تعرض قاربي لإطلاق نار كثيف استمر لمدة نصف ساعة، وكانت المسافة قريبة بيني وبينهم، مما مكنني من سماعهم وهم يضحكون لما يفعلونه بنا".

وذكر الصياد، مفلح أبو ريالة، الذي تتكون عائلته من 9 أفراد، لـ"عرب 48":

"بعد أن كنا تجار سمك أصبحنا عمالا نشتري السمك من بعض التجار كي نبيع لهم السمك مقابل 20 شيكل في اليوم"، مضيفًا أنه "مع بداية العام الحالي، بدأ ابني البالغ من العمر 10 سنوات، بالعمل معي في مهنة الصيد، لأنني لا أستطيع تشغيل عمال معي".

وخلص أبو ريالة إلى القول، إن أبناءه يساعدونه في الصيد من أجل جلب الطعام إلى العائلة، وإن جنود الاحتلال يعتدون عليه وعلى أشقائه ومعداتهم بشكل مستمر، لافتًا إلى أنه في " بداية السنة، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي 6 أشخاص من أفراد عائلتي، وتمت مصادرة 3 قوارب وحسكة، وأصبحت مهنة الصيد "ما تجيب همها"، ويعيش الصياد في غزة أوضاعا مأساوية، ويحمل حياته على كفه والخوف من القتل والإصابة بالرصاص أو الاعتقال أو الفقر جرّاء مصادرة الاحتلال لقاربه وتخريب معداته".