الاحتلال الإسرائيلي ليس بحاجة إلى تقديم مبررات كي يشن عدوانًا جديدًا على قطاع غزة ويستهدف الآمنين من الأطفال ويقتلهم بدم بارد بذرائع واهية وهشة، فقد وجدت إسرائيل بالصمت العربي والدولي ضوءًا أخضر. وفي إطار تصعيدها العسكري الأخير، شهد قطاع غزة يوما عصيبا يعتبر الأشد منذ العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، وذلك بادعاء الرد على إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة ومحاولة ردعهم لمعادلة "القصف بالقصف" التي تسعى فصائل المقاومة في القطاع إلى فرضها.

بدأ التصعيد السبت باستهداف الطيران الحربي الإسرائيلي لعدة مناطق في قطاع غزة، تضمنها قصف مبنى "المكتبة العامة" المهجور، والذي لم يُستكمل بناؤه والواقع في حديقة وساحة الكتيبة التي ترتادها العائلات للاستجمام والتسلية واللهو بالألعاب والمراجيح، حيث أمطرت المبنى بخمسة صواريخ رغم علمها أن المكان يقع في منطقة سكنية مأهولة، ما أسفر عنها استشهاد أمير النمرة ولؤي كجيل وإصابة 14 مواطنًا آخرين.

في ثلاجات الموتى

كان الشهيدان أمير محمد النمرة (15 عامًا) ولؤي كحيل (15 عامًا) رفيقين على الدوام، يسكنان في شارع واحد بحارة في حي الزيتون بمدينة غزة، ما أكدته والدة لؤي في حديثها لـ"عرب 48".

لؤي وأمير (فيسبوك)

وقالت وغصة في حلقها إن "لؤي أكبر أخوته الستة. كان الابن والسند والصديق. جميع من عرف لؤي أحبه؛ عندما كنت أذهب لأسأل عنه في مدرسته كان مدرسوه يقولون لي إن لؤي أكبر من سنه و‘برتكن عليه‘ (أهل للثقة). كان طيب القلب بصورة استثنائية ومختلف".

وتابعت بألم: "أحب لؤي لعبة كرة القدم، كانت لعبته المفضلة"، وتابعت أنه "التحق في نادي غزة الرياضي لكرة القدم، وكان يتابع كأس العالم بحرص، وترقب النهائي بشغف".

وأضافت أنه "في يوم استشهاده ذهب لؤي برفقة صديق عمره أمير الى ساحة الكتيبة لممارسة لعبة كرة القدم، هما دائما ما يتواجدان في المكان ذاته للعب والتمرين".

وارتفعت وتيرة سردها عند استذكارها لوقع الخبر عيلها، وذكرت أنه "حوالي الساعة 6 مساء سمعت صوت انفجارات ناتجة عن قصف طيران. ساحة الكتيبة تقع على الناحية الغربية لمنزلنا على امتداد شارع جمال عبد الناصر، وتبعد عن منزلنا نحو 1500 متر".

واستطردت: "سمعت أول ضربة، انتابني شعور بحدوث مكروه لابني لؤي، خرجت ووقفت على باب المنزل. أخبروني بأن أميرًا قد استشهد، في البداية قالوا لي إن لؤي ما زال على قيد الحياة، ذهبت للمستشفى مسرعة فسألني أحد الأطباء عن من تبحثين، فقلت له لؤي كحيل، فأخبرني أن لؤي وصديقه أمير في ثلاجات الموتى".

أخذت نفسًا عميقًا وقالت إن "فقدانه كان فاجعة وفراقه ترك ثقلاً كبيرًا في قلبي".

وأضافت بحزن: "شفت منشور على حسابه على فيسبوك ‘أنا جرح الماضي أنا الذكريات‘ و‘ما هي السعادة؟‘، لم انتبه لما كتب إلا عندما استشهد، عندما استشهد دبت الروح في كلماته، طفلي ما عاش غير الحرب والحصار".

ساحة الكتيبة في أعقاب القصف (أ ب أ)

واعتبرت أن "الاحتلال الإسرائيلي تعمد قتل ابني وصديقه، فهو يعلم أن هذه المنطقة حديقة عامة ويتواجد فيها الأطفال ويلهون. ابني وصديقه كانا على سطح البناية وهي واضحة لهم، فلم تكن موقعًا أمنيًا أو عسكريًا، ولو كانت كذلك لما تم السماح للأطفال بالصعود إلى سطحها للتصوير".

وختمت بالقول: "استشهاده وصديقه أمير كان متعمدا. هم (الاحتلال) لا يعرفون الرحمة. مجرمو حرب. ابني وصديقه قتلا بدم بارد".

لم يمهلوه حتى ينهي طعامه

"أمير اسم على مسمى"، هذا ما قالته والدته في مقابلة لـ"عرب 48"، وتابعت "أمير ابني عمره 15 سنة، إنسان عاطفي ويمتلك حسًا إنسانيًا وينبض بالحيوية، وعلى الرغم من أنه يعاني من ثقب في القلب منذ صغره، إلا أنه يعشق كرة القدم ويحب اللعب".

وأوضحت " كنت أخاف عليه وأطلب منه دائما اللعب بهدوء من غير ما يتعب نفسه، كان يجيبني بأنه قوي ويستطيع اللعب، وكان يرفض أن أذكره بأنه لديه ثقب في القلب".

وكررتها من جديد "أمير اسم على مسمى، عاقل وهادئ وجميع جيراننا يحبوه، جده (والدي) سافر إلى مصر قبل عدة أشهر، قال لي حين عودتي سوف نذهب أنا وأمير ونعمل فحوصات كاملة وأوصاه بأن يهدأ في اللعب، والدي طار عقله؛ الجميع يحبونه كثيرًا".

وأضافت أن "أمير ولؤي أصحاب في نفس الحارة وفي نفس المدرسة والفصل، كأنهما توأمين لا يفترقان أبدا، وشاء القدر أن يكونا سوية حتى الموت، قبل استشهاده بساعة أخبرني أنه سيذهب مع لؤي ليأكلا ساندويشات شاورما ويلعبان كرة قدم".

وروت لـ"عرب 48": "حين سمعنا القصف قلقت جدا. اتصلت به وكان هاتفه الخليوي مغلقًا ولم أتمكن من الوصول إليه وحضرت عمته إلى منزلنا وهي منهارة وتصرخ وتقول أمير مصاب وهو موجود في مستشفى الشفاء، وتوجهنا مباشرة أنا وزوجي وأفراد من العائلة إلى المستشفى وعند وصولي أخبرني عمه أن إصابته حرجة. وخرج اثنان من أصدقائه من إحدى الغرف وأخبروني بأن أمير قد استشهد".

وتابعت تزاحم دموعها: "ابني أمير يعشق صور السيلفي وحرص دائمًا على التقاط الصور من هاتفه النقال ويتصور معي ومع والده وأخوته".

وختمت بحسرة وألم: "أمير لم ينه طعامه ولم يكمل ساندويشة الشاورما فبقايا الطعام كانت لا تزال عالقة في فمه".

باغتت جسديهما صواريخ الإجرام الإسرائيلية وهما يلهوان، وسارع الاحتلال بالإعلان عن استهداف مقر أمني. مقر أمني تشكل من طفلين وكرة كقدم ورغفين شاورما.

استشهد أمير ولؤي متجاورين، وكأنهما تواعدا أن يبقيا معًا للأبد في الدنيا والسير سويا إلى عالم آخر حيث لا احتلال ولا غارات.

اقرأ/ي أيضًا | غزّة وكابوسُ الحصار: أحلامُ السّفر مُعلّقة على شُبّاك مصر والاحتلال

اقرأ/ي أيضًا | "الحرية 2" رهن الاعتقال... حتى موعد حرية آخر