قفزت شقيقتي سيرين، ابنة الـ18 عاما، من مكانها وهي تبكي قائلةً: "شاركت في مسرح المسحال أكثر من مرّة، في التدرّب على الدبكة وتقديمها. مجرمون! ما هو ذنب المسرح والمركز الذي نمارس فيه نشاطاتنا الفنية؟".

ما من شيء يدعو للاستغراب من سلوك دولة الاحتلال وممارساتها الإجرامية في استهداف كل ما هو حي وينبض بالحياة والحب والفرح، وبرغم المفاجأة التي أصابت أهل غزة بالذهول المشوب بالخوف، إلا أنّه لم يكن مستغربا تفجير مركز سعيد المسحال الثقافي في غزة، الذي يضم مسرحا وفرقا موسيقية وغنائية ودبكة شعبية ومركزا ثقافيا مصريا، في خطوة تعبر عن الهمجية والكذب وكي الوعي.

(عرب 48)


في الساعة السادسة والنصف مساء الخميس، التاسع من آب/ أغسطس، ودون مقدّمات، قصف الاحتلال الإسرائيلي مركز سعيد المسحال المجاور لمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة بأكثر من 9 صواريخ، ما أدّى إلى تدميره بالكامل.

خلال دقائق تحوّل المبنى من مكان ينبض بالطاقة والحيويّة والفرح إلى دمار واسع، دمار هائل، أعمى دخانه العيون. تسعة صواريخ أحالت المبنى من متنفّس للغزيين المحاصرين إلى ذكرى جديدة لفرح راود قلوب الغزيين، يوميًا.

عادل عبد الرحمن

في حديث مع "عرب 48"، قال رئيس المركز الثقافي للجالية المصرية، عادل عبد الرّحمن، إنّ "أسوأ شعور في حياتي عندما سمعت خبر تدمير مركز المسحال، هو بعيد كل البعد عن أي مظهر من مظاهر السياسة وعن أي حزب، يجب على كل المؤسسات الدولية والراعية للفن والثقافة العمل من أجل فتح تحقيق لقصف مبنى المسحال الذي يضم خمسة طوابق، الطابق الأخير هو مكتب للجالية المصرية، الطابق الرابع مسرح لإعادة تأهيل الممثلين في قطاع غزة، الثالث والثاني مسرح يتم من خلاله عرض الفن المتحضر لشباب وشابات قطاع غزة والدور الأخير هو مركز تدريب وتعليم للدبكة والفلكلور الفلسطيني لفرقة العنقاء الفلسطينية، نحن في حالة صدمة... الاحتلال معني بقتل كل ما هو حي في قطاع غزة حتى الثقافة".

علي أبو ياسين

عن مسرحيّة كان من المقرّر أن تؤجل "قليلًا"...

المخرج والممثل علي أبو ياسين، قال لـ"عرب 48": طوال الوقت وأنا أقدّم أعمالا مسرحية في مركز المسحال، بالأمس كان هنالك عرض لمسرحية الساعة 12، ولكن، وبسبب الأوضاع، تأجلت.

وأضاف: منذ بداية بناء المركز وأنا أواكبه، وأول عمل قدمته هو مسرحية "الدب"، كنّا نكتب العنوان للناس، ونرسم لهم خارطة حتى نعرفهم على المكان.

وأضاف بصوت حزين متقطع: "واليوم أنظر إلى المكان وهو مدمّر ولا أرى إلّا دموعي، ضحكاتي، صرخاتي، أحلامي. كل شيء أراه تحت الركام. المبنى يعني لي الكثير، ليس جدرانًا وحجارةً، هو فرح هو حلم. دربت عديدًا من الممثلين والفنانين، معظم العاملين على العمل الفني هم تلاميذي، هذا بيتنا الوحيد. لا هو تابع لحكومة ولا لحزب، هو مؤسسة مستقلة كالطير الحر وكأن العالم والإسرائيليين استكثروا علينا مكانا نحن أحرارٌ فيه بدون رقابة، يحاولون قتل الحياة فينا. نحن سنبقى نعرض أعمالنا فوق الركام وسوف نعلي صوتنا وسوف نعيد بناء المركز، لن يستطيع أحد أن يكسر الفنان المبدع الفلسطيني وسنعيد تدشين المسرح،،كما قال شاعرنا الكبير التي صادفت بالأمس ذكرى وفاته مع دمار هذا المركز: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، نحن، كفلسطينيين نستحق الحياة".

وعلى طريقتهم الخاصّة، وما يمتلكونه من أدوات، ردّ الفنّانون على قصف المركز بالغناء على آثار المبنى المدمّر، وغنّوا للوطن والحرية.

العنقاء من تحت الرماد تنهض...

محمد عبيد (سمارة)

محمد عبيد سمارة، من فرقة العنقاء للفنون عرّف عنها بالقول إنها "فرقة العنقاء للفنون هي فرقة فلكلور فلسطيني تقدم عروضا فلكلورية واستعراضية في كافة قطاع غزة، الفرقة هي احد العناصر الموجودة في مركز المسحال، بعد سماع هذا الخبر الصادم بتدمير هذا الصرح الثقافي الوحيد سيطر علينا الحزن، المكان يعني الكثير لجميع أعضاء الفرقة ولجميع الأطفال وهو بيتهم الثاني، فقدنا جزء كبير من حياتنا ومن أحلامنا، الوقفة الاحتجاجية صرخة من أطفال العنقاء لإعادة بنائه مرة أخرى، وسنعيده كما كان وأفضل، لأننا العنقاء والعنقاء يخرج من رمادها طائر فينيق آخر وجديد".

لم يجد مواطنو القطاع مكانا للتعبير عن شعورهم سوى مواقع التواصل الاجتماعي، نشروا تجاربهم وأعمالهم، وبات المبدعون، حتى الصّغار، منهم في ذهول حزين ولسان حالهم يتساءل عن همجية هذا الاحتلال المقيت.


من ستاتوسات الغزيين عن مبنى المسحال: