عقد التجمع الوطني الديمقراطي، مساء أمس، الخميس، ندوة سياسية لقراءة إسقاطات هبّة القدس والأقصى على الواقعين السياسيّين الإسرائيلي والفلسطيني الراهنين، لمناسبة الذكرى السابعة عشر لهبّة القدس والأقصى.

وشارك في النّدوة التي عُقِدَت في المكتب الرّئيس للحزب في مدينة الناصرة، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، بروفيسور محمود يزبك، والأمين العام للتجمّع الوطني الديمقراطي، د. إمطانس شحادة، ورئيس الكتلة البرلمانية في القائمة المشتركة، د. جمال زحالقة، ويسّرها القيادي في الحركة الطلابيّة، أحمد دراوشة، وبحضور العشرات من أعضاء التجمع.

افتتح الندوة بروفيسور يزبك، عارضًا المنظومة الاجتماعية للمجتمع الفلسطيني منذ النكبة وحتى يومنا هذا، مرورًا بيوم الأرض وهبّة القدس والأقصى، فقال "إنه لا يخفى على أحد أن التغيرات في المنظومة الاجتماعية ومركباتها ازدادت مع الزّمن، وعادةً، حينما تضرب المنظومة الاجتماعية المتماسكة، من المفروض أن تبنى منظومة اجتماعية جديدة تستطيع استيعاب التغّيرات، وتوجه بالمقابل المجتمع نحو هدف وسيرورة معينة، ولكن هذا لم ينطبق على مجتمعنا للأسف منذ أن ضربنا في عام النكبة".

وأكد أن "النكبة على الرغم من كل آثارها السلبية، إلّا أن المنظومة الاجتماعية لمجتمعنا الفلسطيني حينها كانت عاملة وفاعلة بشكل ملحوظ، الأمر الذي منعها من تفكيك المجتمع الفلسطيني وتأكيدًا على ذلك، أيضا، تكرر ذلك ما بعد النكسة عام 1967، فبالرغم من ضرب المجتمع الفلسطيني بكل كياناته ونشوء ما يسمى "بالإمبراطورية الإسرائيلية" المهيمنة على شتّى المناطق العربية، إلا أن المركبات الاجتماعية المترابطة في المجتمع الفلسطيني حينها عكست إسقاطاتها على المجتمع، ما بعد الحكم العسكري الذي تسبب بحالة اقتصادية متهاوية على المجتمع الذي كان بحاجة لقوى عاملة، فتماسُك أطياف المجتمع حولنا إلى عمّال مندمجين بكافة المجالات، وأهمها مجال البناء، ما خلق طبقة اجتماعية ذات قاعدة اقتصادية وثقافية، وتوجُّه القاعدة الاقتصادية نحو طريقها الصحيح حينها وهي "الاستثمار بالشباب" وهذه كانت من أهم الجزئيات".

وفي سياق ذي صلة، استعرض بروفيسور يزبك "واقع الفلسطينيين في الداخل ما بعد العام 1967، من انفتاح المجتمع على الثقافات والعلوم، إلى تأثير العامل والمتعلّم الفلسطيني على بزوغ الجيل الأول المتعلم والمثقف ما بعد النكبة، المتلاحم مع قضيته الفلسطينية والمترابط بين أطرافه الخارجية والداخلية"، وقارَنَهُ بواقع المجتمع الفلسطيني الرّاهن الذي تقلب بين التغيرات السياسية.

وختامًا تساءل يزبك عن تأثير "هذه التغيرات في السياسة الإسرائيلية عبر عقود والتي تحولت، الآن، إلى أكثر عنصرية وأكثر تطرفا حتى وصلت لشرعنة قتل الفلسطيني".

أمّا الدكتور إمطانس شحادة، فاستعرض في مداخلته "التصدع والإجماع في المشهد السياسي الإسرائيلي الراهن، بعددٍ من النقاط التي تشرّح نتائج سياسة العنصرية الإسرائيلية المتفشية على جميع الأصعدة، على المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، التي تحاول أن توجههما كما تقتضي مصالحها لتمنع الآثار السلبيّة لتطور الاقتصاد الإسرائيليّ"، فأكد أن "المنافسة السياسية، اليوم، ليست كما سابقاتها بين ثنائية اليمين واليسار الإسرائيلي، بل إنها تصب بمعسكر اليمين فقط، إذ إن النقاش السائد بين مختلف الأحزاب الإسرائيليّة حول عرض حلولٍ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني اختلف عن السّابق ليتحول إلى توافق ومصادقة على الحل الذي يقصي فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا الوفاق يجمع بين شتى الأحزاب اليسارية واليمينية، من حزب العمل اليساري حتى أكثر الأحزاب تطرفا".

أمّا النقطة الثانية التي ناقشها د. شحادة، فهي "التوافق بين المعسكر اليساري واليميني حول البرامج الاقتصادية إذ أن الجدال السابق حول الخطط الاقتصادية قد انتهى عهده، فنجد اليوم تقبل الأحزاب اليسارية فكرة السوق الحر وترويض الخطط الاقتصادية الليبرالية، أما الجزئية التي صنعت أهم الصراعات الإسرائيلية الداخلية هي نقطة "تعريف هوية الدولة الإسرائيلية". فاليوم لا نرى أثرا لهذا الصراع بين الكتل الإسرائيلية بل وأصبح هناك إجماع على تعريف الدولة اليهودية، والمحور الذي نشأ حديثا بإجماع المجتمع الإسرائيلي هو كره العرب والمسلمين على وجه التحديد".

أمّا الاختلافات التي يمكن أن تظهر جليا في الأحزاب اليمينية، وفق الدكتور شحادة، فهي في السياسة الإسرائيلية الخارجية وتمكين الجيش من الصراع العربي الإسرائيلي، "وجميع هذه النقاط خلقت تحولا في المجتمع الإسرائيلي ما أودى به إلى مزيد من التطرف، الأمر الذي صب بإسقاطاته كلها على المجتمع الفلسطيني في الداخل".

من جهته تناول النائب د. جمال زحالقة موضوع العداء للعرب في حقبة نتنياهو، فاستعرض، في البداية، التأصيل التاريخي لكراهية اليهود للعرب، وأكد خلالها على توصيف العنصرية الإسرائيلية في جميع الحقبات المختلفة، بأنها "عنصرية كولونيالية وليست عنصرية دينية كما يحاول بعض السياسيين توصيفها، فعلى الرغم من إظهارها، أحيانًا، بملامح دينية إلا أن المشكلة هي الصندوق القومي الإسرائيلي وليس فتاوى الحاخامات الإسرائيلية، وهذا ما يفسر عملية الاستيطان المتوسعة ومنع العرب في البلاد من شراء البيوت والأراضي في 70% من مساحة الدولة وهذا قانون أصدر بالفعل، ويشكّل الفجوة الظاهرة في المجتمع ويثبت العنصرية الإسرائيلية".

وبجزئية أخرى، استكمل زحالقة "حالة العداء ضد العرب التي تعرض مكونات المجتمع الإسرائيلي الذي اجتمع من عدة ثقافات وخلفيات مختلفة، لا بد لها من قاسم مشترك، أنتجته الحكومات الإسرائيلية وهو "العداء ضد العرب"، فما يجمع هذا المجتمع المهاجر هو فكرة العداء ضد العرب، واختلاق العدو الحقيقي والوهمي دائما".

وبالرجوع لحقبة حكم نتنياهو، فقد تناول زحالقة، بدايةً، "العهدة الأولى لنتنياهو ما بين عام 1996- 1999، والتي ركّزت على النفسية الإسرائيلية ما بعد مقتل رابين، حتى تحولت الديباجة المسترسلة في المجتمع من السلام مع العرب، إلى السلام بين اليهود، إلى أن حدث الانكسار في عام 2000 بفشل مفاوضات "كامب ديفيد" الثانية والانتفاضة الفلسطينية الثانية، وتلاها سنوات حكم نتنياهو من 2009 حتى يومنا والتي شهدت على عشرات القوانين العنصرية المستصدرة غير المقنعة، مثل قانون "لجان القبول" الذي يقضي بمنع العرب من امتلاك 70% من "الأراضي الإسرائيلية" في مختلف المناطق، وقوانين استعادة الأراضي الذي يمنع استرداد العربي لأرضه إذا تمت مصادرتها قبل 25 عاما منتهكًا بذلك جميع القوانين الدولية، بما يخص مصادرة الدولة لأراضي مواطنيها، ناهيك عن قانون "دائرة أراضي إسرائيل" الذي يسمح، عمليًا، للدولة ببيع أراضي العرب المصادرة وخصخصتها، وعدا قانون "مستوطنات الأفراد" الذي يسمح للفرد اليهودي، بكل بساطة، ببناء المستوطنات كما يحلو له بشكل مخصخص، ومن أخطر القوانين التي صدرت بحقبة نتنياهو هو قانون "كيمينتس"، الذي يعطي صلاحيات لهدم البيوت في البلدات العربية بشكل أكبر، وعمليًا قلّص صلاحيات المحكمة بمنع الهدم في كثير من الأحيان".

وقدمت في نهاية الندوة بعض المداخلات من قبل عدد من الحضور، وأجاب المحاضرون على أسئلتهم.

اقرأ/ي أيضًا | التجمع يعقد ندوة بمناسبة الذكرى17 لهبة القدس والأقصى