(*) كلمة والدة الشاب عمر زهر الدين سعد رافض الخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال الإسرائيلي في المؤتمر الوطني ضد التجنيد الذي نظمته لجنة المتابعة يوم الجمعة الماضي 6 حزيران في سخنين

 

أهلنا الأعزاء،

أُحيّي المبادرين لهذا المؤتمر، وأتمنى أن تكون هذه خطوة إضافية من أجل توحيد الجهود والتصدّي لكل المخططات الهادفة الى تفريقنا طائفيا ومذهبيا وعائليا وحزبيا.

أقف اليوم أمامكم كأم تدافع عن حق ابنها في الحياة، وحرّيته باختيار ما يرضي ضميره.
أنا أم، نعم أنا أم تفهم ما معنى أن تدافع أم عن وليدها.

أقف أمامكم، وأمامي ابني عمر الذي غادر بيتنا برجليه ليقابل سجانه منذ نصف سنة صارخا بأعلى صوته: لن أكون وقودا لنار حربكم ولن أكون جنديا في جيشكم.

ومنذ ذلك اليوم سُجن عمر سبعَ مرات، وفي المرة السابعة حُكم لمدة 40 يوما، ونُقل إلى سجن 4، وبعد مضي سبعةَ عشرَ يوما، وبسبب الإهمال والظروف غير الإنسانية في السجن، أصيب بالتهاب في الكبد، وبقي يصارع سلطات السجن ثلاثة أيام إلى أن نقلوه إلى المستشفى في وضع خطر كاد يودي بحياته، وهو منذ 2/5/2014 في إجازة مَرَضية بعد أن قضى في المستشفى أحَدَ عَشَرَ يوما. بعد العلاج سيعود لمقارعة سلطات السجن حتى الحصول على الإعفاء من الخدمة الإلزامية، وهو مصر على ذلك ومستعد للسجن ويفضل السجن على حمل السلاح ضد شعبه.

اليوم والأسرى يحاربون بأمعائهم الخاوية، ويُضربون عن الطعام، ويصرّون على انتزاع حريتهم، فهل تتوقعون من عمر أنْ يكونَ هو سَجّانهم؟ عمر قالها عاليا قبل نصف سنة في رسالته: كيف أكون سجّاناً لأبناء شعبي وأنا أعلم أنّ غالبية المسجونين هم أسرى وطلاب حق وحرية؟

لقد تربى أبناؤنا على المحبة واحترام الغير، وأنهم جزء حي من الشعب العربي الفلسطيني، فبأيّ منطقٍ يُطلب منهم محاربة شعبهم؟

أقف أمامكم اليوم، وبينما بالأمس سافر أبنائي مصطفى، غاندي وطيبة لكي يعزفوا للفرح والحرية في مهرجان الموسيقى في فرنسا كفرقة رباعي الجليل، وكان من المفروض أن يكون عمر معهم، ولكن تعذّر عليه السفر معهم بسبب وضعه الصحي، وبسبب عدم حصوله على الاعفاء من الخدمة الإلزامية، وبسبب رفض سلطات الجيش الموافقة على سفره.

وبالمقابل فابني مصطفى استلم أمر المثول للفحوصات الطبية وهو "مصرّ" على أن يكون طيارا حربيا لأنه يعشق القصف من الجو، أو قبطان سفينة حربيةّ! فهل تحقق له الدولة "الديمقراطية اليهودية" حلمه؟ إذا رفضوا طلبه سيرفض التجنيد، ما رأيكم؟

بعد أيام سيواجه البطل - عروة سيف - سلطات الجيش لرفضه التجنيد، ونحن متأكدون أنه سينتصر عليهم كما انتصر عليهم عشرات الشباب الدروز ممن يرفضون قانون التجنيد الإجباري.

يبدو أن عمر أزعج السلطات فباتت القرارات بخصوصه تُتَّخَذ من أعلى القيادات .عمر كان ولا زال واضحا وضوح الشمس، ورفضُه كان رفضا وطنيا وضميريا وبطريقة لم يعهدوها من قبل. شاب قوَّض نظريتهم وحساباتهم التي عملوا عليها منذ قيام الدولة. عمر أثبت لهم أنّ سياسة إقصاء العرب الدروز فشلت، وها هو التضامن مع قضيته يتّسع، من غزة الى جنين مرورا بكل مدن وقرى فلسطين، بل وفي الشتات الفلسطيني، بل وفي أرجاء العالم، وهذا يؤكد أنّ قضية عمر ليست قضية درزية بل هي في الصميم قضية بني معروف أسوة بقضيتنا الفلسطينية والقضية العربية العامة.

بيَّن لهم عمر من خلال رفضه زيف ادعائهم وكأنه لا يوجد معارضة لقانون التجنيد الاجباري في الطائفة الدرزية. شرح عمر كذب ادعائِهم بشأن حصولِ مَن يخدم في الجيش على امتيازات، فتحدث عن قرانا المهمشة، والتمييز الصارخ ضدها، وتحدث عن فقدان القرى الدرزية للخرائط الهيكلية، وعن مصادرة أراضينا، وعن افتقار قرانا للمناطق الصناعية، وعن تدنّي نسبة خريجي الجامعات وعن البطالة.

لقد استطاع عمر من خلال شبكة العلاقات العالمية التي بناها هو وإخوته من خلال عزفهم الموسيقى أن يوصلوا رسالته إلى جميع أنحاء لعالم، ومن خلال تواجدهم في المدن الفلسطينية ومن خلال أصدقائهم في معهد إدوارد سعيد للموسيقى، أكدوا للجميع بأننا شعب واحد ولا يمكن فصلنا حتى ولو بنوا كل الجدران العنصرية، وبثوا مختلف الدعايات التحريضية.

أهلنا،

بسبب هذه القضية وتفاعل الجمهور الواسع معها جنَّدت السلطة كل ما تملك. جندت ضباطها وقيادات دينية ومواقع إنترنيت. حاولوا بث جو من الرعب حولنا وبث الإشاعات. بتنا نسمع عن عرض وحدات للجيش لطلاب المدارس الدرزية في رحاب مقام نبينا شعيب عليه السلام. بتنا نسمع عن أعضاء كنيست سابقين يزورون المغار ليخرجوا للإعلام ويدّعوا بأنّ نسبة المتجندين من المغار كبيرة، وبتنا نسمع عن جنود يدخلون المغار لكي ينظّفوا شوارعها بحجّة تقوية العلاقة بين الجيش والمغار وقرانا.

الهجوم الشرس في المواقع في القرى الدرزية وصل أحيانا إلى حدّ التعرض لحياتنا الشخصية، ومقابل سياستهم لاحظنا العديد من أبناء بني معروف هبوا ليسألوا أسئلة عمر ذاتها عن التمييز وعن وضع قرانا وعن التجنيد الذي أبعدنا عن محيطنا العربي ولم يقدِّم لنا أي شيء، فبدأت الأصوات المطالبة بإلغاء التجنيد بالازدياد، ولم تعُد مقتصرة على أعضاء لجنة المبادرة الدرزية ومن يؤيدهم، او ميثاق المعروفيين الأحرار.

وفي الختام، فإنّ عمر لم يكن اول الرافضين ولن يكون الأخير، وهو سار على طريق الرافضين.