أكد باحثون وسياسيون فلسطينيون أن هبة القدس والأقصى التي اندلعت في تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٠، شكّلت نقطة مفصلية في تاريخ فلسطينيي الداخل، فلأول مرة ومنذ النكبة تصرّف العرب كأقلية قومية واعية وناشطة، وكانوا جزء فاعلاً من المعادلة السياسية، مؤكدين أن عام ٢٠٠٠  شكّل نقطة مفصلية في علاقة المواطنين العرب مع المؤسسة الإسرائيلية.
 
وقالت مدير مركز “مدار” في رام الله، د. هنيدة غانم لـ”عرب ٤٨” إن 'هبة القدس والأقصى، كانت لحظة إستراتيجية مهمة جداً من الممكن قراءتها بعدة طرق، ففي لحظة الحدث ذاته، خرجت وانفجرت الهوية الوطنية القومية بلحظة قصيرة جداً، واتضح من خلالها الجانب الذي اختاره عرب الداخل في أي جانب هم يتواجدون'.
 
وأضافت غانم: :إسرائيل والفلسطينيون خافوا من معادلة الربح والخسارة، ولحظة الحسم التي انفجرت بسؤال هل سنبقى سوياً أم لا، وبدأ فلسطينيو الداخل بالصعود في درجات سلم المواطنة ليتضّح بعدها أن الفلسطيني يريد أن يكون جزءا من الدولة، وعالج الحدث والإنفجار من داخل المنظومة، وتعامل مع الدولة وقمعها من خلال ذات المنظومة، بل وأنه وفي هذه اللحظة تحديداً بدا أن الفلسطيني أخذ يتعامل مع الموضوع من خلال مفهوم المواطنة.
 
وتابعت قائلة: 'أخذ الفلسطينيون يتعاملون مع الدولة من خلال مرجعية المواطنة، ولكن إحدى التحديات التي فرضت كانت هذه اللحظة التي قرّر فيها الفلسطينيون أن يحملوا مشروع المواطنة بصورة جدية حتى النهاية، بالإضافة إلى أن الدولة تعاملت معنا من خلال منظومة المواطنة أيضاً، بينما شكل هذه العلاقة ونوع هذه والمواطنة أصبح مشروع النضال بعد أكتوبر ٢٠٠٠'.
 
وعن المقارنة ما بين هبة القدس والأقصى أكتوبر ٢٠٠٠ ويوم الأرض عام ١٩٧٦ قالت غانم: يوجد اختلاف وتشابه بين العام ٢٠٠٠ وبين عام ١٩٧٦. فالتشابه يكمن في أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر تعاملوا في كلا الحالتين مع الدولة كعنوان لحل المشكلة وكجهة احتجّوا ضد سياستها وكانت هي عنوان الحل، أمّا الإختلاف وهو جوهري، أنه في حال النظر إلى يوم الأرض، كان الحدث محليا تم تصديره من الداخل ليضاف إلى سلسلة النضالات الفلسطينية، أمّا أكتوبر ٢٠٠٠ فالتحق الداخل الفلسطيني ببقية شعبه في انتفاضته السياسية، أي الإنضمام ان العمل القومي امتدّ إلى المحلي ويحاول البعض، وهنا تكمن الغرابة في إعادة تدوير للحدث وإعطائه الطابع المحلي'.
 
أمّا الباحث امطانس شحادة، فقال لـ'عرب ٤٨' إن «الخروج إلى الشارع عام ٢٠٠٠، عكس وهم المواطنة الإسرائيلية، وخرج العرب في هذه اللحظة مفترضين أن لهم الحق في الاحتجاج، وكون الخروج كان لأسباب وامتدادات قومية عربية على سياسات إسرائيل، تفاجأنا من ردة الفعل الإسرائيلية حينها وكانت ردة فعلها بمثابة القول إن العرب ليسوا بالضبط مواطنين، وأن هنالك حدود لمواطنتكم ولحدة هذه المواطنة، والخروج في العام ٢٠٠٠ غير مقبول على الدولة، والإنجاز الأكبر للإنتفاض عام ٢٠٠٠ كان بأنه ألغى الفارق الحدودي وكان العمل المشترك الأول بين الداخل والخارج'.
 
وأضاف شحادة: “يشكّل العام ٢٠٠٠، مفصل هام في علاقتنا مع الدولة، كل الحديث الذي كان يدور عن احتواء العرب داخل إسرائيل بأقل ثمن ممكن لا يضر بصبغة يهودية الدولة وديمقراطيتها، فهمت إسرائيل في العام ٢٠٠٠ أنه لن يتحقق”.
 
وتابع: في فترة أوسلو، أصبح هنالك اعتقاد بأن علاقة العرب بالداخل مع إسرائيل طبيعية، عام ٢٠٠٠ فتح السؤال عن مكانتنا في هذه الدولة، وكان الطرح بإنهاء الإحتلال وتحقيق المساواة، وفي العام ٢٠٠٠ عندما اقتربت فكرة إنهاء الإحتلال فُتح السؤال، كيف نحقّق هذه المساواة، واصطدمنا حينها مع جوهر الدولة اليهودية، واكتشفنا أن مواطنتنا مشوهه ومشبوهة وتحت سقف معين قد وضعته إسرائيل.
 
وعن ما بعد الإحتجاج، قال شحادة: “الغبن التاريخي ان قسم من القيادات العربية حولت المطالب الوطنية إلى مطالب مواطنة، وقضايا مواطنة ومساواة، ونحن فعلاً لم نخرج لأجل مطالب مواطنة وبرامج تعليم عربي وميزانيات لا تنصف الشارع والتضحيات التي قدمت في حينه”.
 
وقال رئيس كتلة التجمع البرلمانية، النائب د. جمال زحالقة لـ”عرب ٤٨' إنه “في علاقة المواطن العربي مع دولة إسرائيل هناك أمور ثابتة، وفي بعض المراحل كان هنالك نوع من الإنفتاح، وفي مراحل أخرى كان هنالك تراجع تجاه المواطن العربي. فمنذ حرب لبنان الأولى مثلاً حتى مقتل رابين كان هناك حالة انفتاح تجاه المواطن العربي ظهر في عدة أمور، وبعد مقتل رابين عملياً خضعت إسرائيل لسياسة قتلة رابين وضرب شرعية العمل السياسي العربي وصولاً إلى مرحلة انهيار مفاوضات كامب ديفيد وكان لها الميول الحربية ونظرت أنه لا يوجد شريك فلسطيني لعملية السلام'.
 
وتابع: 'في العام ٢٠٠٠ كان حزب العمل في السلطة، وهو حزب معروف بالمجازر تجاه العرب، ومع اندلاع المظاهرات في أكتوبر أعطى رئيس الحكومة في حينه، إيهود باراك، أمراً بفتح الشوارع بأي ثمن، وفهمت الشرطة أن هذا الثمن ممكن أن يكون قتل المتظاهرين، بالإضافة إلى أن وزير الشرطة لم يفعل شيئاً إزاء هذا”
 
وأضاف زحالقة: “هذا ليس حدثاً خارج السياق، فالحكومة الإسرائيلية في حينه كانت تحرّض على العرب، ونحن نجحنا في تهيئة الشارع العام الفلسطيني والشباب الفلسطيني وقوميته وامتداده التاريخي، أما عن الحدث نفسه فالشرطة لم تتعامل معنا في حينه على أساس كوننا مواطنين، بل تعاملت معنا على أساس أعداء'.
 
وعن ما بعد الهبة، قال زحالقة: “أخذت الحكومة الإسرائيلية فيما بعد بتجريم الضحية، واتجهت السياسات نحو التشديد إلى أن هنالك خطراً يشكله المواطن العربي على الدولة، ووضعت الحركة الإسلامية والتجمع الوطني الديمقراطي في خانة المتطرفين، وفي الواقع أن الشرطة تعاملت مع العرب كأعداء ونحن تشبثنا في المواطنة كونها ضمان حقوق'.
 
وعن الإنجاز، قال زحالقة: “دائماً كان هنالك صراع على معنى الهبّة، نحن لم نعرّفها كمطالب مواطنية، هنالك العديد من الجهات التي حاولت إرضاء العرب من خلال حقوق مواطنية وتحسين ظروف، والجهات الإسرائيلية أرادت أن تنهي الهبة في هذا الشكل، حتى أنه صدر عنوان في جريدة هآرتس تحت عنوان “علينا إعطاء العرب حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية، كي لا يذهبوا نحو طرح التجمع بحكم ذاتي ثقافي، وهذا الصراع سيستمر أيضاً”.
 
واختتم زحالقة حديثه قائلاً: 'هبة أكتوبر هي هبة ذات بعد وطني، كان لها بعد وطني وتهيئة للشباب، وإن عادت الظروف سنعيد ذات الهبة'.
 
بدوره قال البروفيسور عزيز حيدر لـ”عرب ٤٨” إن “هبة أكتوبر شكّلت بالنسبة للمواطنين العرب داخل إسرائيل نقله نوعية في صقل الوعي العربي، وقامت بصقل الهوية الفلسطينية من جديد لفلسطينيي الداخل بعد مرحلة أوسلو التي حوت في داخلها ضمناً محاولة لأسرلة الفلسطينيين في الداخل'.
 
وتابع: 'تأثير هبة أكتوبر على الشباب الفلسطيني في هذه الأيام كبير جداً، فهم كانوا أطفالاً عندما لاحظوا تعامل المؤسسة مع المواطنين العرب فيها، وفهموا منذ أكتوبر أنهم ليسوا مواطنين حقيقيين في هذه الدولة التي ردّت على الإحتجاج على سياساتها بالقتل العمد وهذا ما صقل لديهم الهوية الوطنية الفلسطينية التي رأيناها اليوم في التصدّي لمشروع برافر الاقتلاعي والتصدّي للعدوان على غزة'.
 
وعن أكتوبر كمرحلة مفصلية قال حيدر: “بعد اتفاقية أوسلو كان هنالك شعور عام يميل نحو ربط مصير العرب في الداخل بمصير الدولة، وبعض الجهات الإسرائيلية والعربية قد روّجت لهذا التوجه الذي يربط ما بين العرب والدولة على إثر هذا الإتفاق المهين'.
 
وتابع: “ومع انفجار أحداث الإنتفاضة وانضمام العرب في الداخل إليها، وهذا الإنجاز الأكبر لأكتوبر ٢٠٠٠، فانضمام العرب في الداخل أدّى إلى نقض أوسلو واتفاقياتها وأعاد العرب في الداخل إلى هويتهم الفلسطينية وامتدادهم العربي'.