أكدت المحامية عبير بكر، التي تولت ملفات ملاحقة قتلة شهداء انتفاضة القدس والأقصى في الداخل إلى جانب مركز 'عدالة' ومؤسسات حقوقية أخرى، أن المسار القضائي الذي خاضه ذوو الشهداء والمؤسسات الحقوقية لمحاكمة القتلة، باء بالفشل نتيجة لتجند كل المؤسسات الإسرائيلية ذات الشأن للتغطية على الجريمة ومنح الحماية للمجرمين، والتنصل حتى من توصيات لجنة 'أور'.   

وقالت بكر التي تولت الملفات خلال عملها في مركز 'عدالة' في حوار مع 'عرب 48' إن 'المحطة الأولى في المسار القضائي الذي اتبعناه في طريقنا إلى محاسبة القتلة والمجرمين، كانت لجنة أور، والتي ترأسها قاضي المحكمة العليا المتقاعد، ثيودور أور'.

وأضافت أن اللجنة أقامت تحقيقا علنيا استمر لمدة ثلاث سنوات جمعت خلاله صوراً وشهادات ودلائل، وانتهت بإصدار تقرير كامل تطرّق إلى جميع القضايا تقريباً، السياسية والميدانية والقضائية، وكان أهمها أن اللجنة صرّحت بأنه لم يكن هناك مبررا لقتل الشباب الثلاثة عشر، وبالتالي أوصت اللجنة بفتح تحقيق جنائي، بالإضافة إلى أن لجنة أور حددت في ثلاث حالات اسم أحد أفراد الشرطة وقالت إنه قام بإطلاق النار على ثلاثة شهداء'.

وأضافت بكر: 'لجنة أور لم تفتح تحقيقاً فقط، بل قامت أيضاً ومن خلال ذكر اسم الشرطي الذي أطلق النار في منطقة أم الفحم قامت بتسهيل عمل  قسم التحقيق مع أفراد الشرطة (ماحاش)، وتطرّقت اللجنة وللمرة الأولى منذ العام ١٩٤٨، إلى موضوع استخدام القناصة واعتبرت أنه قراراً مسبقاً بالقتل، بالإضافة إلى استخدام الرصاص المعدني المغلّف بالمطاط من مسافة قصيرة أدّت إلى حالات وفاة، ما يعني أن اللجنة قالت بشكل غير مباشر إنه وبجميع الحالات كان القتل عمداً، فوظيفة القنّاص أمام عزّل هو قتلهم، وكان هذا بقرار من قائد لواء شرطة الشمال في حينه، أليك رون، وقائد حرس الحدود في الشمال بن ساسون'.

وعن بداية المسار القضائي، قالت بكر: 'عندما انتهى عمل لجنة أور، في العام ٢٠٠٣، كنّا نتوقع أن قسم التحقيق مع رجال الشرطة بدأ بجمع المعلومات خلال السنوات الثلاث التي قامت بها اللجنة بعملها، لكننا فوجئنا بأن ثلاث سنوات مرّت ولم يقم القسم بشيء يذكر، وعندما توجهنا إليه ردّ بأن أحداً لم يقدّم دعوى، وكان هذا الرد كافيا للتنبؤ بكيفية تعامل الوحدة مع القضية، ففي حالات القتل يتعين على قسم التحقيق أن يباشر عمله بشكل فوري لكون القانون الجنائي يقوم على جمع أدلة، ومع هذا قام المحامون بتقديم شكوى، وقام أهل شهيد بطلب تشريح طبّي لتبيان أسباب القتل وكيفيته، إلّا أن ماحاش أمرت بتحرير الجثة، ومع متابعة الأهل تمت عملية التشريح الطبي، ومع هذا قام المحامون بتقديم دعوى للقسم فما كان منه بعد مرور شهر إلّا أن قال إنه لا يوجد أدلة كافية، وقام بإغلاق الملفات'.

وعن التقرير الذي أصدره 'قسم التحقيق مع أفراد الشرطة'، قالت بكر إن 'التقرير الذي أصدره  القسم كان بمثابة صدمة، فقد قام بتبرئة رجال الشرطة أولاً، وثانياً قام وبعكس استنتاجات لجنة أور بشرعنة استخدام القناصة في تفريق المظاهرات بالإضافة إلى أنه  حوّل القوانين بشكل يشرعن سيناريو الشرطة، ومن الجدير ذكره أن القسم لم يتخذ أية خطوة عملية لجمع المعلومات والأدلة اللازمة لفتح ملف جنائي، فكان هناك تشريح طبي كما ذكرت، وكان يتوجب على ماحاش جمع الأدلة والأسلحة التي استعملت كما تفعل في أية معالجة لجريمة جنائية'.

وأضافت بكر: 'في الخلاصة ما قام به  قسم التحقيق مع رجال الشرطة، هو شرعنة لرواية الشرطة ومساعدتها على التملّص من الجريمة'.

واستمرت محاولات ملاحقة القتلة، فتقول بكر: 'بعد إغلاق الملفات من قبل ماحاش، نستطيع الاستئناف أمام المستشار القضائي والنائب العام، وكان يشغل كل من ميني مزوز منصب المستشار القضائي، وعيران شندر منصب النائب العام في حينه، وصدمنا حينها بأنه وبعد ثلاثة أيام من إعلان ماحاش عن إغلاق الملفات، خرج كلاهما بمؤتمر صحافي مشترك بكل وقاحة، دعما من خلاله تقرير ماحاش، ما يعني أنهما لم يلتزما الصمت فترة تقديم الاستئناف والتي تمتد لمدة ٣٠ يوماً، بالإضافة إلى أنهما قاما بإصدار حكم الاستئناف قبل تقديمه وبإصدار حكم بلا محاكمة. ومن الجدير ذكره أن النائب العام شندر في حينه، شغل وخلال العام ٢٠٠٠ حتى العام ٢٠٠٥ منصب مدير وحدة التحقيق مع رجال الشرطة، أي أن شندر نفسه كان جزءا من التقصير الذي قام به القسم وتمت ترقيته من منصب المتهم، إلى منصب المحاسب'.

وعن رد المحامين ومركز 'عدالة'، قالت بكر: 'لم نقم بالاستئناف بعد هذا التصرّف، فالهيئات الرسمية التي سنستأنف أمامها قامت مسبقاً باتخاذ لقرار ودعمت ماحاش وتقريره، فقمنا بإصدار تقرير سميناه ’تقرير المدعين’، شددنا  فيه على عدة أمور منها أنه يحظر على كل من مزوز وشندر التداول في الملف بسبب التصريح المسبق، وكونهما شريكين في التقصير، وأشرنا فيه للمواضيع التي خرقت فيها ماحاش القوانين، وأشرنا من خلال التقرير إلى أننّا كمحامين وأهالي شهداء فقدنا الثقة بمؤسسات القانونية للدولة بسبب عدم وجود جهة تقبل استئنافنا'.

وعن التوجه للمحكمة العليا، قالت بكر إن 'المحكمة العليا في أحسن السيناريوهات كانت ستوصي بتقديم لوائح اتهام بحق ثلاث حالات، ونحن رفضنا كون كل الشهداء وأسرهم سواسية، ونرفض الفصل بينهم'.

وأضافت بكر: 'بعد مرور ثماني سنوات على الانتفاضة، وفي العام ٢٠٠٨، قام مزوز بإصدار تقرير كان عبارة عن منح حصانة فعلية للشرطة، فقام قانونياً بتحديد معايير متدنية أهمها أنه قام بإعفاء ماحاش، من البحث وفتح التحقيق الفوري وهذا كان بمثابة تبرير يعفي الوحدة من مسؤوليتها وتقصيرها، والفورية في القضايا الجنائية فائقة الأهمية، فكل تأخير يشوّش في الأدلة وجمعها. أمّا عن المحاكمة فقال مزوز في تقريره إنه يتوجب وجود أدلة قاطعة، وهذا يتعارض مع القانون الإسرائيلي ذاته، ففي قضايا القتل يكفي حصر القاتل حتى بأدلة ظرفية، وقال مزوز إنه إذا لم تكن هناك أدلة قاطعة فلا مجال للمحاكمة، وهذا قانون إسرائيلي غير متبنّى ولا يمكن تبنيه'.

تجريم الضحية

لم يكتف مزوز وشندر في إغلاق ملفات القتلة والتستر عليهم ومنحهم الغطاء القانوني، بل تماديا إلى درجة تجريم الضحية، وذلك من خلال البحث عن تفاصيل الحياة الشخصية للشهداء والزعم بأنه خرجوا بنية مسبقة للاستشهاد!

وعن تجريم الضحية، تقول بكر إن 'تقرير مزوز وشندر شمل على تفاصيل الشهداء الشخصية وأحاديثهم، فعلى سبيل المثال أغاني الانتفاضة وثقافة المقاومة والشهادة تم استغلالها من قبلهم على أساس أن كل من الشهداء خرج بنية الاستشهاد وقاموا بتجريم الضحية، فيما لم يطرح أحداً موضوع الشرطي الذي حصره تقرير أور وهو الشرطي غاي رايف، حيث تبيّن من ماضيه وملفه أنه كان عنيفاً في تعامله بشكل دائم مع المعتقلين وغيرهم وحتى زملائه وكان دائماً على استعداد لتبني العنف في أي موقف وتبناه في العديد من المواقف'.

وأضافت قائلة: 'المقاومة والشهادة هي جزء من ثقافتنا، ولم يخرج أي من الشهداء بنية وقصد الاستشهاد كما قال مزوز وغيره، بل كان يتوجب طرح التاريخ غير المشرّف لرجال الشرطة الذين قاموا بعملية قتل وإعدام متعمّد للشهداء'.

تدويل القضية

بعد 14 عامًا على الجريمة، بقي سؤال تدويل ملف شهداء هبة القدس والأقصى في الداخل بانتظار الكثير من الأجوبة. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2000 سقط 'وهم المواطنة المتساوية في دولة اليهود'، وفشلت كل محاولات ملاحقة القتلة محليًا، وكان التعويل على التوجه للمؤسسات الدولية ذات الشأن لملاحقة القتلة.

في هذا الشأن،  قالت بكر إن 'التوجه إلى المحافل الدولية لمعالجة الموضوع ورفعه كان ضرورة ولكن الإشكالية الكبرى كانت في أن إسرائيل طرحت القضية على أساس أنها قضية داخلية وليست جريمة حرب، وبالتالي أصبح التوجه محصوراً على الجمعية العامة للأمم المتحدّة، وبالتالي أصبحت تعتبر قضية تعالج في لجان حماية حقوق الإنسان التابعة للجمعية، وهذه لا تملك صلاحية المحاكمة بل تضغط وتصدر التقارير فقط، وتدويل مثل هذه القضية أصبح محدودا'.

وتابعت: 'كان من بين المقترحات إقامة محكمة رمزية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن هذا لم يحصل لأسباب ضاعت مع السنين'.

ما العمل؟

رداً على سؤال 'ما العمل اليوم لملاحقة القتلة؟'، تقول بكر إن 'مزوز قد عيّن منذ أسابيع قليلة كقاض في المحكمة العليا، وكان من الواضح أنه سيعيّن، لماذا لم تخرج المظاهرات لفرض الموقف على ذلك؟!، الشرطي الذي تحدّثنا عنه وعن ماضيه غير المشرف يدير في هذه الأيام فروع المتاجر التابعة لرجل الأعمال “رامي ليفي”، لماذا لم نفرض المقاطعة على هذه المتاجر؟!، الشرطية التي حقّقت عام ٢٠٠٠ في ماحاش، عادت إلى الشرطة وتشغل اليوم منصب رفيع في الشرطة، وقبل تحقيقها في ماحاش، كانت في الشرطة، إذاً فهي حضرت من الشرطة إلى ماحاش، وعادت إلى الشرطة وهذا أمر لا يجب السكوت عليه'.

واختتمت بكر حديثها  بالقول إن “الجانب القضائي قد استنفذ، ولم نستطع محاكمتهم، بالتالي ما نستطيع فعله هو التصميم على طرح الموقف والتذكير بحجم جرائم القتلة، ومنعهم من الترقي وتولي مناصب أرفع وذلك من خلال الاحتجاج الشعبي على ترقيهم والتذكير بما قاموا به'.