عاد عرب 48 إلى حي في الجهة الغربية من مدينة سخنين، حيث انتصبت اللافتة التي تحمل اسم الشهيد خضر خلايلة الذي استشهد برصاص الجنود صباح الثلاثين آذار عام 1976 تلوح لتدلل وتذكر بتاريخ من عزة الصمود والبقاء، وشهامة الرجال وفي المكان الذي أبت الرجولة فيه إلا أن تقاوم بصدرها العاري أعتى قوة همجية عندما سعت لمصادرة الأرض ودب الرعب وكسر الإرادة إلا أن الشباب الثائر واجه ببسالة همجية العسكر الذي حول سخنين في يوم الأرض الأول إلى ساحة حرب حقيقية لمواجهة الأهالي العزل لكسر الإضراب العام الذي أعلن عنه احتجاجا على مصادرة أرض المل 'منطقة رقم 9'.

قادتنا اللافتة إلى منزل ذوي الشهيد خضر خلايلة، حيث لا يزال البيت يحمل طابعه القروي بحجارته الصخرية النافرة والصامدة.

عكازه يحمل تاريخا من العزة..

 خرجا من البيت الصغير تفوح منهما أصالة عجوزين تجاوزا الثمانين من عمريهما. اتكأ أبو السعيد، والد الشهيد، على عكازه بتثاقل. وكان العكاز الصغير المشغول من شجر السنديان يحمل الكهولة ويحمل تاريخا من الشرف، ووزنا ضخما من العزة والكرامة. وتقدمت من خلفه الوالدة العجوز أم السعيد مثقلة بشيخوختها، ورددت بصوت خافت أهزوجة من التراث لم نفهم منها شيئا للوهلة الأولى، وعندما أصغينا لها فهمنا أنها أهزوجة للصمود، وفيها العزة والكبرياء والحسرة معا تحمل الشوق لابنها الشهيد خضر خلايلة بحزن الأم وحسرة غير خاضعة للتقادم.

سألنا الوالد عن الذكرى والذاكرة والمعنى، وعندما أراد التحدث عن مشهد المقاومة والاستشهاد ليشير باصبعه لموقع الاستشهاد، ويتذكر النزيف، تعثر الكلام وأجهش بالبكاء المر وكأنه أمام المشهد الحي الذي يحدث للتو.

وتتدخل الوالدة أم سعيد وتقول: 'شو بدي أحكي يمّا.. عندما سمعت أن خضر أصيب، هرعت على الحارة وحاولوا يمنعوني من كثر الرصاص، لكنتي صممت على رؤية ابني. وصلت وشفته.. يا ناري.. كان غارقا بالدماء.. الله يرحمك يمّا'.

وهنا يتدخل الابن أحمد ويقول: 'نحن لا نملك أرضا في منطقة الملّ المصادرة التي كانت موضوع المواجهات، لكن حمية الشهيد وانتماءه وشهامته دفعته للدفاع عن كرامة بلده وشعبه'.

أحمد: حاجز للجيش اوقفنا وخضر نزف حتى الموت

أحمد خلايلة، شقيق الشهيد خضر خلايلة، استعرض بإيجاز ليل المواجهات، وهو يعي معنى وأبعاد الحدث بالعمق.

قال أحمد: 'لا شك أن الذكرى تحمل لنا وجهين، مزيج من الحزن على فقدان شقيقي؛ ومفخرة لنا ولشعبنا لأن حدث يوم الارض كان هو التاريخ الذي كسر فيه عرب 48 حاجز الخوف والانكسار، واستعادوا الإرادة الجماعية في البقاء والصمود، وفهم المعادلة من خلال استعادة أرض المل المصادرة، وإعادة الثقة بالنفس والقدرة على الصمود'.

وأضاف خلايلة أن ما حدث في ذاك اليوم هو انتفاضة شعبية عارمة، رسمت معالم وجود عرب الداخل، وشكلت محطة هي الأهم على وجودهم.

 واستعرض خلايلة ليل المواجهات، وقال: 'علمنا في ليل 29 آذار عن قرار حظر التجول الذي فرضه الجيش الإسرائيلي، علما أن القرار لم يشمل دوام التعليم بالمدارس. وفي صباح الثلاثين من آذار حوّل الجيش سخنين والحي إلى ساحة حرب حقيقية. وعندما كان الشهيد خضر( 24 عاما) يقف على شرفة منزله رغم أن الجيش أمطر البيت بالرصاص، سمع صوت صراخ سيدة، فاختار أن يتحدى الرصاص والموت، وهرع لنجدتها'.

كانت المربية آمنة محمد عمار خلايلة قد أصيبت بالرصاص. وخلال محاولته نجدتها أمطرهما الجيش بالرصاص، فأصيب خضر برأسه.

ويتابع خلايلة: 'وضعناه في سيارة خصوصية، وتوجهنا باتجاه مستشفى نهاريا. وبعد سخنين في منطقة 'سيغف'أوقفنا حاجز للجيش والشرطة قرابة الـ 45 دقيقة، وهو ينزف على ركبتي من رأسه. وبعد تسريحنا سرنا مسافة الكيلومتر وهناك قبالة قرية ميعار المهجرة لفظ أنفاسه الأخيرة'.

وأنهى خلايلة الشقيق بالقول: 'هناك من تعامل مع الذكرى بأخلاق وصدق الانتماء، وهناك من تاجر بالذكرى، لكننا نحن كعائلة نقول إنه رغم الحزن يبقى هذا وسام شرف كبير، وشرفاء شعبنا كثر لأن هذه الشهادة أعادت الكرامة لعرب 48 وكسرت حاجز الخوف، وأصبحوا يتصرفون كشعب، لكن لدينا عتبا على الكثير من القيادات والمؤسسات، وعلينا ترسيخ هذه الذكرى ودلالاتها الهامة في ذهن ونفوس الأجيال على مدار السنة وألا تقتصر على إحياء الذكرى السنوية فقط'.