يبدو أن الصحافة الإسرائيلية لم تتغيّر كثيراً منذ العام 1976 حتى يومنا هذا في تعاطيها وتغطيتها للأحدات السياسية والانتفاضات الاحتجاجية السلمية التي قام بها المواطنون العرب في البلاد، احتجاجاً على سياسات العنصرية وسلب الأراضي. فالصورة ذاتها منذ يوم الأرض مروراً بهبة أكتوبر (هبة القدس والأقصى) عام 2000، ووصولاً إلى أحداث مواجهات 'مخطط برافر' الأخيرة، وحتى أحداث كفركنا والنقب التي اندلعت تنديداً بإعدام الشرطة الإسرائيلية لثلاثة شبان عرب.

ظل موضوع إغلاق أرض المل في سخنين، المنطقة 9، وحظر دخول الفلّاحين عليها بحجة اعتبارها منطقة عسكرية غائباً عن الصحافة الإسرائيلية بشكل كامل، على الرغم من النشاطات المحليّة والقطرية والمهرجانات التي أقامتها لجنة الدفاع عن الأراضي. ولم تبدأ الصحافة الإسرائيلية بتغطية الأحداث في المجتمع العربي حتى انعقاد الاجتماع الذي أقيم في بلدية شفاعمرو للتصويت على قرار الإضراب من قبل رؤساء السلطات المحلية بتاريخ 25 آذار (مارس)، إذ قامت كافة الصحف الإسرائيلية قبل الإجتماع بيوم واحد بنشر خبر مفاده أن 'رؤساء السلطات المحلية العربية يجتمعون غداً للتصويت على قرار الإضراب'.

ومنذ هذا الاجتماع تحديداً بدأت الصحف الإسرائيلية كافة، بتقسيم العرب بين متطرّف  داعم للإضراب ويريد المسّ بالحياة المشتركة بين العرب واليهود، وبين 'عربي جيّد' يريد النضال السلمي والحلول الدبلوماسية، ورافض للإضراب.

تعنوّنت الصحف الإسرائيلية بعد يوم الاجتماع كافة بأن العرب ضد الإضراب، ولا يمكن الفصل بين كل صحيفة وصحيفة كون العناوين كانت متشابهة بكل ما يخص الاجتماع ويوم الأرض، إذ افتتحت كافة الصحف تحت عنوان 'الأغلبية الساحقة في المجتمع العربي ضد الإضراب'. وقالت صحيفة 'هآرتس' في عنوانها الفرعي للخبر إن 'زيّاد ورفاقه رفضوا التصويت بسبب ضعف موقفهم'. أمّا بخصوص ما حصل من رفض شعبي لخضوع رؤساء المجالس المحليّة لتهديدات السلطة فتناولته الصحافة الإسرائيلية على النحو التالي: 'شبّان أخلّوا بالنظام ورشقوا الجيش والوجهاء (رؤساء السلطات المحلية الرافضين للإضراب) بالحجارة'.

أمّا صحيفة 'دفار'، التي توقّفت عن الصدور في العام 1996، فعنوّنت صفحتها الرسمية تحت عنوان 'تحضيرات لمنع فرض الإضراب بالقوة على الجماهير العربية من قبل الحزب الشيوعي'، ضاربة عرض الحائط ما حصل بعد الاجتماع في القرى والمدن العربية من حرق سيّارات وبيوت رافضي الإضراب من رؤساء السلطات المحلية من قبل الجماهير التي قرّرت الإضراب، وكأن السلطات الإسرائيلية تجتمع لحماية العرب من المتطرّفين.

 وأضافت الصحيفة أن 'قرى ومدنا عربية مستعدة لكسر الإضراب في حال قامت إسرائيل بحمايتهم من بطش الحزب الشيوعي ولجنة الدفاع عن الأراضي'. ومن الجدير ذكره، أن الصحافة الإسرائيلية لم تخجل من ربط أحداث يوم الأرض بمنظّمة التحرير الفلسطينية، فديباجة التأثير الخارجي حاضرة منذ يوم الأرض، حيث قالت صحيفة 'دفار'، إن 'التصويت السرّي ضد الإضراب جاء لمنع تسريب أسماء رافضين من قبل الحزب الشيوعي لمنظّمة التحرير، وخوفاً على حياتهم'.

ومع بدء الإضراب، والتجهيزات العسكرية الإسرائيلية لضربه، تجهّزت الصحافة الإسرائيلية بدورها بديباجة واحدة، ألا وهي أن قوّات الجيش والشرطة وحرس الحدود دخلت البلدات العربية لمنع الإخلال بالنظام. إذ كتبت 'دفار' أن 'دخول أصحاب الخوذ الخضراء إلى الناصرة كان غريباً شيئاً ما، إلّا أن مظاهر العربدة اختفت، وبعد وقت قصير شعر السكّان بالأمان لوجودهم بينهم'. بالإضافة إلى بعض الصور التي يظهر فيها أفراد من حرس الحدود برفقة شباب عرب في السوق.

تغيّرت صورة الإعلام الإسرائيلي كلياً في يوم 30 آذار، إذ أصبح المواطنون العرب إرهابيين، فكتبت صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، أن 'عربيا واحدا قُتل في الجليل، وأصيب 13 شرطياً وجندياً'. وأضافت أن 'العرب في الجليل هاجموا قوّات الشرطة وحرس الحدود بالحجارة والزجاجات الحارقة، بينما صرخ العرب في الناصرة (عليهم) وانقضّوا على الجنود'. أمّا صحيفة 'هآرتس' فعنونت 'يوم الأرض والحجارة'، وعلى هذه الديباجة كانت كل عناوين الصحف الإسرائيلية.

في يوم 31 آذار، وبعد هدوء الشارع العربي، واستشهاد 6 شباب برصاص قوّات الجيش والمدرّعات، ومئات الجرحى. تساءلت صحيفة 'هآرتس'، وبكل وقاحة عن مصير الحياة المشتركة بين العرب واليهود في إسرائيل بعد أحداث يوم الأرض. فيما كتبت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' رسالة إلى 'عرب إسرائيل'. تطلب فيها منهم عدم الانجرار وراء المحرّضين، والحفاظ على الحياة المشتركة والتعايش.