أن تسيرَ في شوارع النّاصرة المزدحمة، لتسأل عن هبة القدس والأقصى، هو أمرٌ غريب وعجيب في نظر بعض الأهالي، رغم مرور 15 سنة على الذكرى فقط، فلا زالَ العديد من أبناء النّاصرة وضواحيها يجهلون هبة القدس والأقصى، أهميتها، أحداثها وعدد الشهداء أبناء مدينتهم النّاصرة خاصة والمجتمع العربي عامة.

وينتشر بشكلٍ خاص عدم الوعي عند الجيل الشاب الصاعد، وحتى الطلاب في مدارس تعجّ بالعلوم المختلفة والضئيل مما توفره من المعرفة الوطنية، لعدّة أسباب، متناسين أنّ مهمة المدارس والمراكز التعليميّة هي بناء الهوية الثقافية والوطنية، وإحياء تاريخ الشعب ومناسباتهِ الوطنيّة، والتي تتمثل هذه المرة بذكرى هبة القدس والأقصى التي وقعت أحداثها عام 2000، وهي سلسلة مظاهرات واسعة قام بها فلسطينيو الداخل استنفارا لدخول أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى، واحتجاجا على وضع المواطنين العرب في دولة إسرائيل.

نسيان الأهمية

لهذه الذكرى التي نساها الكثير من الناس أهمية كبيرة، وهي أثرت بشكل كبير على علاقة فلسطينييّ الداخل مع إسرائيل والمواطنين اليهود. نسي البعض استشهاد 13 شابا، بعمر الزهر، وثلاثة شهداء من النّاصرة بشكل خاص، هم الشهيد إياد صبحي لوابنة، الشهيد عمر محمد عكاوي والشهيد وسام حمدان يزبك.

لا يعرف شبّان النّاصرة الكثير عنهم، ولا حتى عن تلك الأحداث التي حصلت، وعند سؤال أغلبية طلاب المدارس والجيل الشاب حول ماذا يعرفون حول هبة القدس والأقصى، أجابوا 'لا نعلم أيّ شيء'، ومنهم الطالبة سعدة طه، التي أجابت 'لا أعلم أي شيئا على الإطلاق'، والطالب أسعد عبد الخالق كذلك، والشاب راغب مرعي، والشاب يسري عفيفي، والشابة إسراء أبو ليل، والشابة سالي بصول، والشاب سليم دوشي، والشاب عاصم شحادة، وعفاف أبو أحمد، كل هؤلاء أجابوا أنه ليست لديهم أية معلومات عن هبة القدس والأقصى، ولا أي معلومة واحدة والكثير منهم سمعوا بمصطلح 'هبة القدس والأقصى' لأول مرّة، ومنهم الطالبة نورة التي تنبأت أن تكون احتفالاً أو عيدًا أو ما شابه ذلك!

هؤلاء فقط هم عينة صغيرة من النّاس الذين قابلهم 'عرب 48' مع العلم أنّ الكثير منهم رفض الإجابة خلال إجراء المقابلات حين سؤاله 'ماذا تعرفون عن هبة القدس والأقصى؟'، وامتنعوا عن ذكر أسمائهم، ولكن بالمقارنة مع الجيل الأكبر سنًا لاحظنا أن هناك فرقا شاسعا بالمعلومات، حيث أنّ كبار السن كانت لديهم معلومات أساسية،على الأقل، عن هذا اليوم وأحداثه، ومنهم المواطن وليد حايك، الذي أجاب أنّ هبة القدس والأقصى تخص مواطني الداخل الفلسطيني الذين استشهدوا نتيجة مطالبتهم بحقوقهم.

الجيل الأكبر

ومن جهة أخرى يقول المواطن غازي أبو آمنة، أنّ هبة القدس والأقصى جعلت مدينة الناصرة حزينة باستشهاد ثلاثة من أبنائها من بين 13 شهيدا، بسبب شارون حين دخل الأقصى واستفز مشاعر المسلمين، ولم يكن على الحكومة الإسرائيليّة أن تقتل أبنائنا، وهذا الحدث هو وصمة عار على جبين دولة إسرائيل، مشيراً إلى أنّ عدم معرفة الجيل الشاب بهبة القدس والأقصى يعتبر نكبة ثانية، فالمسؤولية تقع على القيادات العربيّة ولجنة المتابعة، ولا يوجد تذكير بها، مما يؤدي إلى أن قلة قليلة من الناس تتذكر يوم 1.10 من عام 2000، فالقيادات العربية تهتم بأمور أخرى، ولا تولي هذا اليوم الهام حجمه.

ويؤكد المواطن شربيني شربيني كذلك على أنّ الجيل الأكبر يمتلك معلومات عن هذا اليوم، والجيل الجديد لا يعرف عن هذا اليوم، والحق برأيه يقع على القيادات العربية والمدارس التي يجب أن تخصص حصتين كل فترة لتعليم الطلاب، ويقول أنّ 'هبة القدس والأقصى هي المسمى الصحيح وليس هبة أكتوبر كون هذه الأحداث جرت نتيجة لدخول رئيس الوزارء السابق شارون للأقصى، وتمّ التصدي لعمليات التدنيس من قِبل مواطني الداخل وانتفضت الضفة وقطاع غزة، وسقط شهداء من الداخل الفلسطيني عددهم 13'.

إصلاح الحال

في هذا السياق، أعرب رئيس الاتحاد المحلي للجان أولياء أمور الطلاب، في الناصرة، وائل عُمري، عن توجهه لعدّة رؤساء لجان ومديري مدارس لإحياء ذكرى هبة القدس والأقصى، لتخصيص أول ساعتين يوم غد الخميس 1.10.2015، وتوجهنا لهم بطلب أن يقوم كل صف باختيار طالب كي يعرض المعلومات عن هبة القدس والأقصى ومن ثم فتح باب للنقاش حول هذا الموضوع، ومن هنا يقول 'ليست جميع المدارس تحيي الذكرى، هناك بعض المدراء يرفضون وآخرون يقبلون، وهو أمر شخصي يرجع لكل مدير، ولكننا نطلب من المعلمين والطلاب أن يطلبوا من إدارة المدرسة من أجل إحياء هبة القدس والأقصى'.

وعن الأسباب التي جعلت قسما كبيرا من الطلاب لا يعلمون ما هي هبة القدس والأقصى، أجاب أن هذه الذكرى قد تبدو قديمة نسبياً لهم، مع مرور 15 عاما، ولكن السبب الأهم هو عدم شحن الذاكرة والرواية الفلسطينية لهذا الحدث عن طريق إبلاغ الناس وإيصال منشورات وتنظيم فعاليات كافية عن هبة القدس والأقصى عن طريق وسائل الإعلام والمهرجانات والمسيرات، ولكن للأسف منذ 15 عاما في الناصرة، ولغاية اليوم، هناك تقصير في العمل الجماهيري للذكرى فهي تقتصر فقط على نشطاء الأحزاب، وموظفين من البلدية يحيون الذكرى بوضع أكاليل الزهور على قبور الشهداء وينتهي الحدث هنا دون دعوة الجماهير العربية للمشاركة، كما يحصل في سخنين.

ويقول العُمري أن هناك فرق شاسع بين مدينتي سخنين والنّاصرة، بأنّ مدينة سخنين تتذكر هبة القدس والأقصى كما لو كانت بالأمس، ابتداءً من الطلاب والأهالي وجميع المواطنين، بعكس الناصرة التي تشير معطيات بحثيّة إلى أن أكثر من 90% من طلاب الناصرة لا يعرفون شيئا عن هبة القدس والأقصى، فالحق يقع على جميع المؤسسات المعنية التي يجب عليها إقامة مشاريع جماهيرية لتعريف المواطنين.

ويقترح العُمري أن يكون هناك توزيع لكرّاسات تتحدث عن هبة القدس والأقصى، في المدارس مع تخصيص ساعتين للحديث عنها في كل مدرسة، وسيتفاعل الطلاب مع الحدث، بالإضافة إلى تنظيم مظاهرة قطرية في الناصرة، لتفعيل الناس والشارع النصراوي مع الذكرى، وتوزيع صور الشهداء وتعليقها في الشوارع لتخليدهم.

واختتم حديثه برسالة إلى معلمي ومديري المدارس، بأن لا يقوموا برقابة ذاتية على أنفسهم لدرجة أن يحرموا طلابهم من المعلومات التاريخية الخاصة بشعبهم، وفقدان ذكراها، وبما أن البلدية وقسم المعارف ولجنة المتابعة والاتحاد القطري قد توجه مسبقًا للمدارس بطلب إحياء الذكرى، فعليهم أن يعطوا الطلاب للتعبير عن آرائهم وليس مطلوب من المعلم أكثر من أن يذكر حقائق تاريخية وقعت، مناشدًا ضمير الأساتذة والطلبة باحياء الذكرى لأنها واجب إنساني ووطني.