تعرفُ اللوعةُ طريقها جيّدًا إلى قلبِ أم الشهيد في كل الأوقات والمناسبات الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، ومع كل عام في ذكرى استشهادهم تعودُ الذاكرة أدراجها إلى ذاك اليوم المشؤوم، وفي هذه الحالة، تستعيد والدة الشهيد وسام يزبك، السيّدة طرب يزبك، أحداث هبة القدس والأقصى، وكيف ارتقى ابنها شهيدًا حينها، لتظلّ طوال 16 عامًا تعانق ملابسه التي استشهد وهو يرتديها، رغم تعتّقها بالدماء.

يوم استشهاده

استذكرت والدة الشهيد وسام يزبك، في حديث لـ'عرب 48'، استشهاد ابنها، مشيرةً إلى أنّ القصة بدأت حين اقتحم رئيس الحكومة الإسرائيلية سابقا، أريئيل شارون، إلى المسجد الأقصى لاستفزاز مشاعر المسلمين، وقد سبق ذلك استشهاد الطفل محمد الدرّة، وقالت 'رغم أنّ عائلتنا ليست مسيّسة كثيرًا، لكن كان ابني وسام وطنيّا معتزا بانتمائه لشعبه'.

وتابعت أنّه 'في يوم استشهاد إياد لوابنة من الناصرة، عاد وسام من العمل إلى المنزل، وحدثني عن استشهاد الشاب لوابنة، بالإضافة إلى أنه كان يكتب في يوميّات خاصة به عن تلك الأحداث ويدونها، وبما أنّ الناصرة تأثّرت باستشهاد لوابنة تعطّل وسام عن العمل في اليوم التالي ولم يعمل سوى ساعتين بسبب يوم 'الغفران' اليهوديّ، وفي ذاك اليوم ذهب من المواجهات إلى بيت جدّه القريب مع أخواله وأبنائهم ليروا ماذا هناك، في حين كنت فيه جليسة المنزل وسمعت عن مواجهات في الحارة الشرقيّة بالناصرة، لكن لم يخطر ببالي أبدًا أن يحصل ما حصل لأنّ ابني لم يكن يقترب من تلك المواجهات'.

وأكدت أن 'من رأى وسام في ذاك اليوم أخبرني أنّه كان يحاول ردع الشباب عن المواجهات لحمايتهم بسبب إطلاق النار الحيّ عليهم من قِبل الشرطة والجيش الإسرائيلي بطريقة عشوائية، وقد تلقيت اتصالاً حينها من ابنة أختي، القاطنة في الحارة الشرقيّة، لتسأل عنه، وبعدها تتالت الاتصالات للمنزل وأصبحتُ قلقة، حاولتُ الاتصال به ولم يجب، حينها قمتُ بالذهاب إلى المستشفى، لكننا لم نجد اسمه مع المصابين، ورغم أنه كان في المستشفى مصابًا يصارع الموت لم يكن اسمه مًسجلاً لأنهم لم يجدوا هويته بحوزته'.

واستطردت أنّ 'راديو 2000 في حينه كان قد ذاع رقم هاتفه في حينها لكي يعرفوا من هو ذاك المصاب بإصابة خطرة، لكن أحد أفراد العائلة استمع للراديو ومع هذا لم يخطر بباله أن يكون وسام هو المصاب'، مشيرةً إلى أنّ 'العائلة علمت عن إصابته حين تم نقله إلى مستشفى رمبام في حيفا، لكن بعد فوات الأوان ووجدناه شهيدًا مع إصابة بالرصاص الحيّ في الرأس'.

لحظة واحدة

وعن سؤالنا كيف مرّت عليها تلك الأيام؟ علّقت يزبك أنّها ما زالت تعاني منذ عام 2000 إلى يومنا هذا، وقالت 'كان وسام شابًا محبوبًا وإنسانًا طيب الخلق، كان عامود البيت وأغلى ما فيه، ولكننا نحمد الله على كل شيء، لم نكن نصدّق ما حدث، كانت صدمة لكل من حولنا بسبب أنّه شخص محبوب، عدا عن أنّه الابن الأكبر الذي ربيته 25 عامًا وفقدته بلحظة واحدة، مما شكل صدمة لي وللعائلة، فابنتي الصغرى نامت ولم تجده بجانبها حين استيقظت، وكان بمثابة الأب بالنسبة لها حين كانت في جيل 10 سنوات، قلنا لها أنّه مات شهيدًا، لكنها لم تدرك معنى الموت أساسًا بسبب صغر سنها، كبرت الآن ورزقت قبل فترة بطفل واسمته 'وسام'... على اسم شقيقها الشهيد'.

واستطردت أنه 'بعد مرور 16 عامًا تحيي العائلة ذكرى استشهاده كل يوم، فالعائلة والأم لا ينسون لو بعد 100 عام، وفي كل مناسبة نتذكر أنّه كان السبّاق بتلك المناسبات و'صاحب الواجب' الذي يُقدّم التهاني أوّلًا، أما التفاعل المجتمعي مع عائلات الشهداء فهي تكون في ذكرى استشهادهم، ويقدم المجتمع والمؤسسات واجبهم بإحياء الذكرى، لكن مع تقدم السنوات لاحظنا انخفاضًا بهذا التفاعل وإحياء الذكرى'.

الاحتفاظ بملابس استشهاده

ورغم مرور 16 عامًا ما زالت والدة الشهيد وسام يزبك تحتفظ بذات الملابس الملطخة بالدماء التي استشهد بها ابنها، تضعهم على سريرهِ ولا تفرّطُ بها، تضعهم في غرفتهِ التي كان من المفترض أن تكون جزءًا من منزلهِ بعد الزواج، وقالت بألم وحسرة: 'مخلوهوش يتهنى'، مردفةً أنّ 'هذه ملابسه التي ارتداها يوم استشهاده، بجانبهم القرآن الكريم الذي كان يقرأ به. هدموا حياتنا وحياته وأخذوا روحه من بيننا، جميع الأهالي ينتظرون أن يكبر أبناؤهم كي يزفوهم إلى الحياة الزوجية ويفرحوا بهم وليس ليرحلوا في لحظة غير متوقعة، في هذه الغرفة كانت حياته التي حُرم منها، هنا كان سيُزف عريسًا ويعيش مع أبنائه بعد أن تعب وشقي لبناء هذا البيت من عرق جبينه وكدّه'.

على ملابسه تظهر تمزّقات وقد قامت يزبك بتخييطها مجددًا، وعن تجربتها مع ملابس استشهاده، قالت: 'لما جابولي إياهن أولها كان صعب كتير علي لما شفتهن، كان حتى الدم بعده أكثر من هيك، هذول أواعي ابني ودمّه كيف بديش احتفظ فيهن؟! هذول أغلى إشي بعد ما راح، كانت حتى ريحته فيهن قبل، يعني شو في أغلى من أواعيه بعد ما راح؟ كل إشي من ريحته وذكراه صغير وكبير محتفظة فيه، حتى ملابسه إللي كان لابسها وهو عايش بعدها موجودة'.

اقرأ/ي أيضًا | ذكرى هبة القدس والأقصى: أحمد في البيت... ذكرياته باقية

واختتمت أنّها قامت بالاحتفاظ بكل أغراضه الشخصية بعد استشهاده، ومع هذا تحمد الله، مؤكدةً أنها لم ولن تنساه أبدًا هي والعائلة، فكيفما تحركوا تذكروه ووجدوه حاضرًا غائبًا مع كلّ الألم.