قوانين الدفاع (1945):

في عام 1945 وضعت حكومة الانتداب البريطاني قوانين استثنائية أسمتها (قوانين الدفاع في حالات الطوارئ). هذه القوانين قضت بإنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة المدنيين دون أن يكون لهم حق الاستئناف، ومنحت الجيش صلاحية إغلاق مناطق معينة، وحظر التجوال في أي قرية أو مدينة، وإجراء التفتيش والاعتقال بدون محاكمة، وهدم البيوت ومصادرة أراض لضروريات الأمن، ومنع نشر كتب وصحف، بالإضافة إلى الاعتقال الإداري والنفي لمكان بعيد عن مكان سكنى الشخص المعتقل.

فرض الحكم العسكري:

منذ بداية حرب 1948 فًرِضَ على المناطق العربية التي احتلتها قوات 'الهاغاناه' حكم عسكري صارم. في 18/5/1948 أعلنت حكومة إسرائيل عن فرض نظام الطوارئ متبنية قوانين الدفاع (الخاصة في حالات الطوارئ) الصادرة في عام 1945 أيام الانتداب البريطاني.(صحيفة دافار 19/5/1948).

في شهر تموز 1948 احتلت القوات الإسرائيلية الناصرة، وفرضت عليها الحكم العسكري الذي شمل حظرًا للتجوال، تفتيشًا للبيوت، واعتقالات جماعية، وتنكيلاً باللاجئين (راجع: مصطفى عباسي، في أوقات العاصفة-الناصرة والحكم العسكري، بالعبرية، 2012).

 في 21/10/1948 أعلنت إسرائيل رسميًا عن فرض الحكم العسكري على القرى والمدن العربية في الجليل والنقب.

بين 6-8 من أيار 1949 سلمت شرق الأردن لإسرائيل وفقًا لاتفاقية رودس قرى في المثلث الجنوبي من كفر قاسم حتى قرية جت، وفي 20-22 أيار 1949 سلمت إليها قرى واقعة في المثلث الشمالي وهي أم الفحم وقراها وعرعره وعاره وكفر قرع وبرطعة وباقة الغربية. فقامت اسرائيل بإعلان الحكم العسكري في تلك القرى وعن ذلك يقول الضابط الإسرائيلي شلومو بن القاناه الذي سماه العرب ابن كنعان: 'في 22 أيار 1949 انتقلت من الجيش إلى سلك الشرطة، وأصبحت مسؤولاً عن المنطقة الممتدة من بير السكة إلى الشرايع، كان الحاكم العام لمنطقة المثلث عمانوئيل ماركوفسكي، بينما كان الحاكم العسكري في عاره أفرايم بن ناتان. في ذلك اليوم ومن على برندة بيت أحمد طاهر يونس أعلنا الحكم العسكري، بينما قام جنودنا بعرض عسكري ورفع العلم في الساحة تحتنا'.(محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره، ج1).

قسّمت مناطق الحكم العسكري إلى ثلاثة وهي: الجليل، المركز(المثلث) والنقب. على رأس كل منطقة عيّن حاكم عسكري وهو ضابط كبير في الجيش. قسّمت منطقة المثلث إلى دوائر عسكرية، يقف على رأس كل دائرة حاكم عسكري، فمثلاً كان لأم الفحم وقراها حاكم عسكري اسمه شموئيل بن إيتان، ثم مناحيم، وكان للقسم الغربي من منطقة وادي عاره حاكم عسكري اسمه أفرايم بن ناتان ومقره في قرية عاره.

ممارسات الحكم العسكري في منطقة وادي عاره:

منع التجوال:

في 22/5/1949 قام الحاكم العسكري بإجبار المختار على إعلام 450 لاجئًا بأن الجيش سيطلق النار على كل من يتجول بعد مغيب الشمس، فرحلوا جميعًا إلى الضفة الغربية، وكان هؤلاء من السنديانة وأم الشوف وخبيزة وصبارين ومثلث الكرمل.

في البداية فرض نظام منع التجوال في الشوارع العامة والطرقات والحقول من مغيب الشمس إلى شروقها، وفي داخل القرى من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الخامسة صباحًا. في عام 1952 قُلصّت ساعات حظر التجوال في داخل القرى من التاسعة ثم العاشرة ليلا وحتى الرابعة صباحًا. ادّعى بن غوريون رئيس الحكومة ووزير الدفاع في رده على استجواب قدّمه عضو الكنيست إميل حبيبي بأن هذا الحظر جاء لضروريات الأمن، وأن عدم احتجاج السكان على استمراره يدل على أنهم راضون عنه لأنه يحميهم من خطر المتسللين الذين يقومون في الليل بأعمال السطو والقتل (محاضر الكنيست، حظر التجوال في المثلث، جلسة رقم 129، 28/8/1952). لم يكن جواب بن غوريون ليحل مشاكل الفلاح الذي منع من الوصول إلى حواكيره الملاصقة للقرية، ومن حراسة بيدره ومن إطلاق مواشيه لترعى ليلاً. يضاف إلى ذلك حظر التجوال عطّل صلوات المغرب والعشاء والفجر في المساجد، ومنع الأعراس والزيارات. كما منع تقديم المساعدات الطبية للمحتاجين بحيث كان خروج أي شخص ليلاً لإحضار الداية (القابلة) لمساعدة امرأة على الولادة يُعرّضه لنيران دوريات الجيش المسلحة.   

منع التنقل ومأساة الأطفال:

كانت منطقة المثلث منطقة عسكرية مغلقة حيث حُظر الخروج منها أو الدخول إليها إلا بتصريح خاص، فإذا أراد شخص السفر إلى المستعمرات اليهودية والمدن مثل كركور، غان هاشمرون، الخضيرة ، حيفا وتل أبيب للعمل أو لتلقي العلاج كان عليه أن يقدّم للحاكم العسكري في دائرته طلبًا خطيًا (استدعاء) يشرح فيه الأهداف والأسباب، وينتظر الساعات الطوال. لم يقتصر الحظر على الخروج من منطقة المثلث فحسب، وإنما من دائرة حكم عسكري إلى دائرة أخرى، فإذا أراد شخص السفر من أم الفحم إلى باقة الغربية كان عليه أن يقدم طلبًا للحاكم العسكري في دائرته يشرح فيه حاجته إلى السفر، وينتظر الإذن له بذلك بإعطائه تصريحًا خطيًا بذلك. كان الراغب في السفر ينتظر في طابور أمام مكتب الحاكم العسكري في عاره من الصباح الباكر ليحصل على تصريح ليوم واحد. غالبًا ما كان طلبه يرفض إلا إذا توسط له أحد المقربين والعملاء. جرى البحث ببطء شديد بحيث كان بعض الناس يحصل على التصريح بعد العصر فيصبح عديم الجدوى. فإذا احتج نال من الحراس والحاكم العسكري من الشتائم والإهانات ما يكفيه.

كان الإجراء الأشد قساوة والأكثر إيلامًا هو إصرار الحاكم العسكري على عدم إعطاء تصاريح للآباء لنقل أطفالهم المرضى إلى كركور والخضيرة للمعالجة. في سنة 1950 ظهرت أول الإصابات بمرض شلل الأطفال في منطقة وادي عاره، ثم سرعان ما تفشى هذا المرض ليصبح وبأ يفتك بعشرات الأطفال الأبرياء. وأنا واحد من الذين أصيبوا بهذا المرض اللعين. رغم ذلك صم الحاكم العسكري أُذنيه وأغمض عينه واكتفى باحضار طبيب عام إلى حي المسقاة بعاره ليعمل بضع ساعات دون أن تكون لديه الأدوية والوسائل العلاجية الملائمة. استنادًا إلى الروايات التي سمعناها من الأهالي ومحاضر الكنيست يمكننا أن نقول إن مأساة الأطفال في منطقة وادي عاره لا تقل خطورة عن مأساة أطفال المهاجرين من يهود اليمن والتي يطالب بالتحقيق فيها حتى يومنا هذا. في جميع الحالات كان الحاكم العسكري يرفض إعطاء تصاريح لآباء الأطفال المرضى أو أمهاتهم رغم انتظارهم مع أطفالهم الساعات الطوال أمام مكتبه. كما أن الرقابة منعت نشر أخبار عن موت الأطفال في أحضان أمهاتهم، ولم يُكشف النقاب في عام 1952 إلا عن حادثة واحدة، بينما الحوادث التي وقعت في 1950-1951 لم يكشف النقاب إلا عن بعضها وفقط في أواخر سنة 1955، بواسطة أعضاء كنيست تمكنوا من اختراق الطوق الذي فرضه الحاكم العسكري على منطقة وادي عاره، حيث زاروا عرعره وكفر قرع، واستمعوا إلى شكاوى قسم من الآباء والأمهات. هؤلاء قدموا عددًا من الاستجوابات إلى رئيس الحكومة ووزير الدفاع، دافيد بن غوريون، غير أن الأخير كان يُجيب في كل مرة على منبر الكنيست بأن ذلك مجرد فرية. حتى عندما اضطر إلى إصدار أوامر بإجراء تحقيقات لتقصي الحقائق جاءت التقارير غريبة وغير منطقية. إذ في جميع الحالات كان المختار وأعوان الحاكم العسكري يقنعون الأب الثاكل بأسلوب الوعد والوعيد لأن يُوقّع على خطاب يقول فيه: إنه لم يُقدّم شكوى لعضو الكنيست، وأن الحاكم العسكري هو في غاية العدل والإنصاف، ما توانى لحظة في منحه تصريحًا للسفر، بل هو الذي حثّه على نقل طفله إلى المستشفى. يضاف إلى ذلك، كان المختار وعدد من الأختيارية يوقعون على مضبطة تؤكد ما ورد على لسان الأب في الخطاب المذكور، جميع هذه المضابط جاءت على نمط واحد ما يدل على أنها كانت تزييفًا للحقائق.(محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره، ج1، ص 448 وما بعدها).

مصادرة الأراضي:

بعد أيام من دخول الجيش الإسرائيلي إلى منطقة وادي عاره قام الحاكم العسكري والجيش بوضع خط بتراكتورات سمي بخط التلم عند وادي الجرف شمال قرية عارة. وهكذا منع السكان في عاره وعرعره  من فلاحة أراضيهم الواقعة إلى الشمال من هذا الخط. في 14 أيار 1950 صدر  قانون أملاك الغائبين الذي بموجبه تمت مصادرة كل أرض لم يفلحها صاحبها سنة كاملة. هذا ما عرف بقانون 'الحاضر الغائب'. فصاحب الأرض حاضر لكن الحاكم العسكري يمنعه من فلاحة أرضه، بهذه الطريقة تمت مصادرة عشرة آلاف دونم من أراضي عاره وعرعره . لقد أدى ذلك إلى تفشي البطالة وإلى ظهور حالات كثيرة من العوز والفاقة والجوع، فقامت مظاهرة أمام مكتب الحاكم تطالب بالخبز والعمل.

لم يكتف الحاكم العسكري بذلك وإنما قام بمساندة موظفي الكيرن-كييمت الذين نشطوا في القرية. عمل هؤلاء على إغراء السكان لبيع أراضيهم والهجرة إلى شرق الأردن. فلما رفض معظمهم ذلك أُقحم الجيش الإسرائيلي في شتاء 1951 في الأمر حيث عسكر في البلدة وقام بممارسات شرسة ومنظمة شملت التضييق والتخويف والتعذيب لدفع  السكان إلى الموافقة على البيع والرحيل. صعّد الجيش من إجراءاته فأخذ يخيف الناس ويروعهم. في صباح أحد الأيام أمر الناطور بأن يطوف في أزقة البلد وضواحيها صائحًا بوجوب الحضور إلى البيادر خلال نصف ساعة. ولما كان من المتعذر على الكثيرين، شيبًا وشبانًا، الوصول في الوقت المحدد، وضع الجنود جميع من تأخروا في جانب، ثم استاقوهم في طابور إلى دار سليمان السعيد حيث حبسوهم في العقد الواقع بجوار المسجد القديم. عند المساء أخرجوا عددًا من الشباب وراحوا يطلقون النار فوق رؤوسهم ليوهموا الباقين في العقد بأنهم أُعدموا. كما أن سكان حي وادي القصب أحضروا مكبلين بالحبال إلى القرية. كل ذلك كان لإجبار السكان على البيع والرحيل. وبالفعل غادردت البلدين 43 أسرة ما يقارب 300 نسمة.(محمد عقل، المفصل في تاريخ وادي عاره، ج1).

لجنة رتنير:

في شهر تشرين الثاني سنة 1955 عينت الحكومة لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء برئاسة البروفيسور يوحنان رتنير لفحص صلاحية استمرار الحكم العسكري. في آذار سنة 1956 قدمت اللجنة تقريرها إلى الحكومة موصية بإبقاء الحكم العسكري على ما هو عليه مع إعطاء بعض التسهيلات في التصاريح. وقد تبنى وزير الدفاع ورئيس الحكومة دافيد بن غوريون  تقرير اللجنة المكون من 26 صفحة والذي ما يزال مغلقًا في أرشيف الجيش الإسرائيلي.(معاريف 12/3/1956، 13/3/1956).  

حتى مذبحة كفر قاسم وحرب 1956 كانت الزعامة الإسرائيلية تنظر إلى العرب في الداخل على أنهم (طابور خامس)، وأنهم سينقضون على الدولة في حالة تقدم جمال عبد الناصر نحو فلسطين.  ورغم أن العرب حظوا بحق التصويت للكنيست والمواطنة، إلا أن دافيد بن غوريون لم ينفك عن التفكير بإرغامهم على الرحيل نحو الضفة الغربية وسورية ولبنان، أو ما سمي بالترانسفير. وحتى ذلك الحين يجب التعامل معهم على أنهم جماعات متفرقة: بدو، مسلمون، مسيحيون، دروز ، أي أنهم ليسوا من قومية واحدة. في تلك الفترة كان شمعون بيرس يفكر بتهويد البدو بدعوى أن إيمانهم بالله الواحد أقل من إيمان المسلمين، وأخبر بن غوريون بذلك.

لجنة روزين:

في عام 1958 زاد التذمر في أوساط العرب من ممارسات الحكم العسكري وسوء الأحوال المعيشية، وازداد النقد في الوسط اليهودي لتلك الممارسات. فقامت الحكومة بتعيين لجنة وزارية مؤلفة من خمسة أعضاء برياسة الوزير بنحاس روزين. وقد قدمت تلك اللجنة تقريرها للحكومة في 18 تموز 1959 موصية بإلغاء الحكم العسكري نهائيًا، ولكن دافيد بن غوريون رفض قبول توصيات اللجنة، واستبق الأحداث وقدم استقالته في 5 تموز.(معاريف 5/7/1959، 15/7/1959، 18/7/1959، 26/7/1959).

محاولات في الكنيست لإلغاء الحكم العسكري:

في 20/2/1962 جرى التصويت في الكنيست على اقتراح لإلغاء الحكم العسكري، كانت النتيجة 59 ضد 55 صوتًا. أيد الاقتراح الحزب الشيوعي وحزب مبام وحزب حيروت بقيادة مناحم بيجن وأحدوت عابودا والليبراليون، بينما صوت حزب المفدال وحزب مباي وبعض النواب العرب المنضون تحت عباءته مع إبقاء الحكم العسكري.(معاريف 18/2/1962، 19/2/1962، 20/2/1962، 21/2/1962، 25/2/1962).

في 20/2/1963 جرى تصويت آخر في الكنيست على اقتراح لإلغاء الحكم العسكري. كانت النتيجة هذه المرة 57 ضد 56. والأنكى من كل ذلك أن الصوت المرجح كان عضو كنيست عربي من قائمة منضوية لحزب ماباي.(دافار 20/2/1963، 21/2/1963، معاريف 20/2/1963، 21/2/1963، حيروت 20/2/1963، 21/2/1963).

إلغاء الحكم العسكري:

في عام 1964 قامت حركة 'الأرض' بإصدار صحيفة تحمل هذا الاسم، لكنها حظرت بأمر من الحكم العسكري، بعدها بسنة حاولت الحركة تكوين حزب لخوض الانتخابات للكنيست لكن الحكم العسكري اعتقل زعماءها ونفاهم إلى أماكن بعيدة عن موطنهم. ساندت العرب في نضالهم أحزاب وحركات يهودية فصارت الفرصة مهيّأة لإلغاء هذا الحكم الجائر.

في 8 تشرين الثاني 1966 أعلن رئيس الوزراء ليفي إشكول على منبر الكنيست عن إلغاء الحكم العسكري على أن يدخل القانون الجديد حيز التنفيذ في الأول من كانون الأول سنة 1966، ولكن ذلك لم يكن يعني التخلي عن قوانين الطوارئ التي ستقوم الشرطة بتفعيلها من الآن فصاعدًا. حتى بعد حرب حزيران 1967 كان الشخص في عرعره يستصدر تصريحًا للذهاب إلى الخضيرة.(دافار ومعاريف في 8/11/1966).

إن هدم البيوت بحجة عدم الترخيص يعتمد على قانون الدفاع في حالات الطوارئ الذي يجيز هدم أي بيت يراه الحاكم العسكري منافيًا لضروريات الأمن.