عاشت الدول العربية المجاورة لفلسطين في مثل هذه الأيام من العام 1967 أجواء متوترة على مناطقها الحدودية، أعقبها الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسورية والأردن بين الخامس من حزيران/ يونيو 1967 والعاشر من الشهر نفسه، والتي سميت آنذاك بنكسة حزيران.

وقد أسفرت الحرب عن استشهاد عشرات الآلاف في الدول العربية مقابل مقتل 800 في إسرائيل، كما أسفرت عن تدمير نحو 80 بالمئة من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل نحو 5 بالمئة في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى.


ولم تنته تبعات حرب 1967 حتى اليوم، حيث لا تزال إسرائيل تحتل الضفة الغربية، كما أنها قامت بضم القدس والجولان السوري لحدودها، وكان من تبعاتها أيضا نشوب حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربية عن السيادة الأردنية، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ 'الأرض مقابل السلام'، الذي ينص على العودة لما قبل حدود الحرب لقاء اعتراف العرب بإسرائيل ومسالمتهم إياها، رغم أن دول عربية عديدة باتت تقيم علاقات منفردة مع إسرائيل على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

وبهذا الصدد، حاور 'عرب 48' الأستاذ والكاتب عبد الخالق أسدي، من قرية دير الأسد، حول تداعيات وأسباب اندلاع حرب حزيران في العام 1967.

عبد الناصر حبيبنا

استهل أسدي حديثه بالقول إن 'سنوات الخمسينات والستينات وحتى أوائل السبعينات، هي أفضل فترة مرت على العالم العربي بأكمله على الصعيدين السياسي والاجتماعي، في ذلك الحين كنا نشعر بأننا عرب بكل معنى الكلمة وكنا نمشي مرفوعي الرأس بخلاف اليوم، حيث كان الفضل آنذاك للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي أحيا روح العروبة في مصر والوطن العربي بأسره وكان حلمه بأن يتحد العالم العربي تحت إمرة واحدة يطلق عليها اسم الولايات المتحدة العربية على غرار الولايات المتحدة الأميركية'.

وأضاف أن 'حرب 67 اندلعت ضد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بشكل شخصي، بعدما لم يرق للغرب مساعيه من أجل وحدة العرب وعمله في سبيل وقف سفك الدماء في العالم العربي. أعتقد أن عبد الناصر توفي نتيجة حرقته على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، بسبب ما شهدته الأردن من وضع مأساوي في أعقاب اندلاع ما يسمى 'أيلول الأسود' عام 1970 بين الأردنيين والفلسطينيين، الذي راح ضحيته نحو 20 ألف فلسطيني'.

وشدد أسدي على أننا 'نعيش بالوقت الحاضر في ليلة ظلماء تفتقد لبدر مثل جمال عبد الناصر، حتى يوقف على الأقل سفك الدماء في عالمنا العربي. أستغرب من عدم تحرك قادة الدول العربية من أجل وقف سفك الدماء في سورية وليبيا والعراق واليمن، لا سيما وأننا نراهم يعقدون مؤتمرات لمكافحة الإرهاب وهم بالأساس يقومون بدعمه ولا يأبهون سوى بأنفسهم ومقاعدهم، ليصبح الدم العربي رخيص والإنسان العربي رخيص لا قيمة له'.

وتابع أن 'إسرائيل كما نعرف أقيمت على أرض فلسطين عام 1948 وسببت نكبة للشعب الفلسطيني بعد تهجيره وتدمير 532 قرية عربية، لنبقى نحن هنا صامدون في أرضنا، وإسرائيل تعرف بأن قيامها ووجودها معتمد بالأساس على الحروب، لا سيما وأنه منذ العام 1948 حتى يومنا هذا قامت بشن حروب بمعدل حرب واحدة في كل 10 سنوات'.

وعن علاقة القائد الراحل عبد الناصر بفلسطين، قال الكاتب أسدي، إنه 'منذ وقوع النكبة حاول عبد الناصر مساعدة الشعب الفلسطيني قدر الإمكان، وفي المقابل رفضت إسرائيل إيجاد أي حلول للشعب الفلسطيني وأخذت تبحث عن ذريعة لشن حرب مع مصر بعدما أغلقت مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، إلى أن وقعت حرب حزيران أو بما يسمى حرب الأيام الستة بتآمر ودعم من أميركا التي كانت بمثابة مفاجأة كبرى للعالم العربي الذي كان يعتمد بالأساس على مصر كقيادة وجيش وما إلى ذلك'.

وأضاف أن 'القائد الراحل عبد الناصر أحب فلسطين التي أحبته، وأذكر في ذلك الحين كيف استطاعت إسرائيل وبتخطيط أوروبي وأميركي وبريطاني أن تشل حركة الطيران المصرية بعدما دمرت طائرات في المطار حتى يكون تقدمها البري سريعا، حيث تمكنت حينها من احتلال منطقة سيناء وحتى قناة السويس، وقامت ببناء خط 'بارليف' على القناة بطول نحو 150 كيلو مترا الذي كان هدفه تأمين الضفة الشرقية لقناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها، بالإضافة إلى احتلالها للضفة الغربية والجولان حينذاك'.

وأسهب أسدي أنه 'في أعقاب ذلك أعلن جمال عبد الناصر استقالته وتحمله المسؤولية الكاملة لنكسة 67، حينها انتفضت مصر والشعوب العربية وانطلقت مظاهرات مطالبة عبد الناصر بالعدول عن قراره، وذلك ما حدث فعلا لتبدأ حرب استنزاف مع إسرائيل لسنوات عديدة حتى العام 1970 حينها رحل عبد الناصر وفي قلبه حسرة فلسطين'.

وعن عهد ما بعد عبد الناصر، قال الأستاذ أسدي إنه 'بعد وفاة عبد الناصر حل مكانه أنور السادات رئيسا لمصر، الذي حاول أن يكمل مشوار الأول، ففي العام 1973 اندلعت حرب أعدتها أميركا بحسب اعتقادي من أجل إعادة المعنويات للشعب المصري وخصوصا للسادات الذي عرف بميوله الأميركية، خلالها تمكن الجيش المصري من تحطيم خط 'بارليف' بعدما استعملوا خراطيم مياه قوية جدا ليذوبوا الرمل على امتداد الخط، وليتقدموا بعد ذلك لاستعادة سيناء'.

لا تغيير منذ حرب العام 1967

واعتبر أسدي أن 'إسرائيل والحكم اليميني يواصل حتى شن الحروب وإقامة المستوطنات في مناطق الضفة الغربية المحتلة، من أجل عدم إتمام مساعي السلام مع الفلسطينيين، وذلك في ظل تجاهل قادة الدول العربية للقضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراع، ومن هذا المنطلق أقول إنه لا يمكن اقتلاع شعبنا الفلسطيني من هذه البلاد أو حتى خارجها'.

وشدد بالقول: 'ليعلم قادة إسرائيل والعالم بأننا هنا باقون ولا يمكنهم إنكار وجود الشعب الفلسطيني، ولا بد من إقامة الدولة الفلسطينية، شاء من شاء وأبى من أبى'.

وختم أسدي بالقول إنه 'بعد مرور 70 عاما على وقوع النكبة و50 عاما من النكسة، أرى أن التمييز العنصري والهدم والتهجير والقتل بحقنا يزداد من قبل الحكومات الإسرائيلية'.

اقرأ/ي أيضًا | الهزيمة ليست عسكرية فقط: إعلام النكسة