اعتبرت المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني العربية، إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتوقيع مرسوم يقضي بنقل سفارة بلاده إليها، بمثابة مخالفة صريحة للقانون الدولي لا تغير شيئا من الواقع القانوني للمدينة، بل وتشكل مصدر إدانة لصاحبها (الرئيس ترامب)، وتحوله إلى مجرم على المستوى الدولي.

واعتبر بيان وقعت عليه عشرات المؤسسات العربية، تصريحات وإجراءات الرئيس الأميركي بمثابة مشاركة في جريمتين دوليتين: الأولى، جريمة عدوان على الدولة الفلسطينية، باعتبار أنها دعم وتأييد لضم أراضي الغير بالقوة؛ والثانية هي جريمة حرب باعتبارها اشتراك في جريمة الاستيطان التي تمارسها دولة الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس.

كما اعتبر البيان إعلان ترامب خرقا واضحا لأكثر من (16) قرارا صادرا عن مجلس الأمن، أبرزها قرارمجلس الأمن رقم (476) و(478) لسنة 1980. إضافة إلى مخالفته لعدة قرارات للجمعية العامة تتعلق بالحق الفلسطيني في القدس، ومنها قرار رقم (303) لسنة 1949، وقرار رقم (2253) لسنة 1967. هذا ناهيك عن انتهاكه الصريح ومخالفته الواضحة لرأي محكمة العدل الدولية في قراراها الاستشاري المتعلق بجدار الضم العنصري، الذي أكد على أن كل الأرض التي سيطرت عليها إسرائيل عام 1967 هي أرض محتلة، بما فيها القدس الشرقية، وكذلك عدة قرارات صادرة عن منظمة اليونيسكو، والتي أكدت على الحق الفلسطيني في القدس ومقدساتها.

وقال البيان، إن إعلان الرئيس الأميركي أعاد إلى الأذهان جريمة وعد بلفور، فبعد 100 عام جاء من لا يملك ليعطي اعترافا لمن لا يستحق مرة أخرى، في تنكر سافر للقانون الدولي واستهانة بالسلم والأمن الدوليين، وحياة الكثير من الأبرياء التي قد تتعرض للخطر نتيجة لإثارة مشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين حول العالم.

ووصفت المؤسسات العربية، ما قام به الرئيس الأميركي بأنه دعوة صريحة لشريعة الغاب، وفرض لسياسة الأمر الواقع، وتحطيم كامل للنظام القانوني الدولي، وإعطاء شرعية سياسية لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، ومساس بالتاريخ والحاضر والمستقبل وبكرامة الشعوب، مؤكدا أن القدس كانت وستبقى جزءا من أرض فلسطين، استناداً للتاريخ والواقع وقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وباعتراف وإقرار الأغلبية الساحقة لدول العالم.

وكان العديد من الحقوقيين وخبراء القانون الدولي قد أجمعوا على مخالفة قرار ترامب للشرعية الدولية والقانون والمواثيق الدولية، وفي هذا السياق أكد خبير القانون الدولي، أنيس القاسم، أن هيئة الأمم المتحدة بكل أجهزتها المتمثلة بالجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي واليونسكو ومحكمة العدل الدولية، كما هو مثبت في سلسلة قرارات صدرت عنها، تعاملت مع القدس الشرقية كأرض محتلة، واعتبرت إسرائيل سلطة قائمة بالاحتلال، وملزمة بالمحافظة عليها شعبا وأملاكا وتراثا ومقدسات، مشيرا إلى أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية شاركت بصياغة بعض هذه القرارات والتصويت على بعضها، والامتناع عن التصويت عن البعض الآخر، بينما كان بإمكانها استخدام حق النقض (الفيتو)، وآخر مثال على ذلك الامتناع صدور القرار 2334 بتاريخ 16/12/23.

وأضاف القاسم أن السياسة الأميركية ظلت ثابتة منذ العدوان الإسرائيلي لعام 1967، على معاملة القدس الشرقية كأرضٍ محتلة، كما ينعكس ذلك في البيانات الرسمية للرؤساء الأميركيين أو لوزراء الخارجية أو لمندوبيهم في هيئة الأمم المتحدة، وبهذا المعنى فإن قرار ترامب لا يشكل خرقا للقانون والقرارات الدولية فحسب، بل يشكل تجاوزا لثوابت السياسة الأميركية بهذا الخصوص.

ولإلقاء المزيد من الضوء حول هذه القضية والتداعيات القانونية للقرار الأميركي على الواقع المقدسي والفلسطيني، حاورنا الحقوقية، سحر فرنسيس*، مديرة مؤسسة "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان" في القدس.

"عرب 48": رغم أهمية النصوص القانونية "الكبيرة"، إلا أن ما يهمنا كفلسطينيين هو انعكاس هذا القرار على وضعية المقدسيين وحياتهم؟

فرنسيس: القرار بحد ذاته ليس له معنى حقيقي على الأرض أو تأثير على حياة السكان المقدسيين، لأن إسرائيل لم تكن تقيم وزنا لكل القرارات الدولية المتعلقة بالقدس، وهي تطبق قانون الضم الذي أقرته عام 1970، وبهذا المعنى فإن هذا الواقع لن يتغير.

أما من ناحية القانون الدولي فإعلان ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل ومرسومه المتعلق بنقل السفارة، ليس لهما أي قيمة قانونية لأنهما مناقضان للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والمحكمة الدولية وسائر المؤسسات الدولية، التي تعتبر القدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من الأراضي التي احتلت عام 1967 وتعتبر ضمها مخالفة دولية.

"عرب 48": ولكن ألا يعطي هذا القرار لإسرائيل الضوء الأخضرللإمعان في سياسة التهويد والاستيطان في القدس، وربما تنفيذ مخططات تخوفت من تنفيذها حتى الآن؟

فرنسيس: القرار ببعده السياسي هو قرار خطير، لأنه قد يشجع إسرائيل على التمادي في فرض سياسة الأمر الواقع في المدينة المقدسة، ومنها مخطط التخلص من أحياء وقرى فلسطينية مثل كفر عقب ومخيم شعفاط، بغية تغيير الوضع الديمغرافي، وضم مستوطنات مثل "معاليه أدوميم" و"بسغات زئيف"، لمسطح المدينة وتسهيل البناء الاستيطاني في منطقة "إيي1" ليتسنى لها فصل شمال الضفة عن جنوبها، ومنع إقامة دولة فلسطينية ذات تتابع سكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

"عرب 48": رغم عدم الرضا عن رد الفعل العربي والإسلامي، فإن أسرائيل وأميركا ربما لم تتوقعا رد الفعل الدولي على القرار، خاصة الموقف الأوروبي الشامل والواضح، الأمر الذي عزل الموقف الأميركي، وأغلق الباب أمام أن تحذو أي دولة أخرى حذوها؟

فرنسيس: بالعادة فإن الموقف الأوروبي أكثرمراعاة والتزاما بالقانون الدولي وبالقرارات الدولية، إضافة إلى كونه أكثر تعاطفا مع الموقف الفلسطيني، ناهيك عن أن قرار ترامب كان من الفظاظة بمكان بحيث لا يمكن لأوروبا أن "تبلعه"، كما أنه لا يخدم ما يسمى بـ"عملية السلام" أو أي موقف أوروبي أو حتى أميركي سوى مصالح ترامب ونتنياهو.

وقد رأينا أن محاولات نتنياهو الضغط على الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لباريس لم تجد نفعا، ولم تزحزح الموقف الفرنسي والأوروبي الثابت باعتبار القدس الشرقية جزءا من الأرض المحتلة عام 67 ورفض الاعتراف بضمها إلى إسرائيل، وهو موقف ترجم برفض 156 دولة في الجمعية العامة للقرار الأميركي.

"عرب 48": جرى الحديث عن إمكانية التوجه بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ضد إسرائيل، وربما ضد أميركا بهذا الخصوص، ماهي احتمالات تحول تلك الفرضية إلى واقع؟

فرنسيس: التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية هو أمر متاح ووارد، خاصة بعد انضمام فلسطين رسميا إلى هذه المحكمة عام 2014، وعليه فإنه باستطاعة دولة فلسطين أن تتقدم بطلب للنائب العام للمحكمة الدولية، لفتح دعوى ضد إسرائيل لأنها قامت بضم أراض محتلة، وضد أميركا التي أيدت هذا الإجراء الذي يعتبر بمثابة جريمة حرب.

وجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية كانت قد قدمت شكوى للمحكمة الدولية في موضوع الاستيطان وقضايا أخرى، وأن مكتب الناب العام بدأ بجمع شهادات ومعلومات بهذا الشأن، وعليه من الممكن إضافة موضوع القدس للشكوى، أو التقدم بشكوى منفصلة.

"عرب48": هل إمكانية التوجه لمحكمة الجنايات الدولية مفتوحة أيضا أمام الأفراد والمؤسسات الحقوقية؟

فرنسيس: نعم، وهناك عدة شكاوى قدمت من قبل مؤسسات فلسطينية غير حكومية في موضوع الاستيطان وفي موضوع العدوان على غزة، وهي قيد البحث، وفي موضوع القدس فإن إسرائيل تنتهك حقوق سكان محميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، هم سكان القدس، الذين منحتهم "إقامة دائمة" وليس مواطنة، بعد ضم القدس الشرقية، الأمر الذي يجعلهم تحت طائلة التهديد المستمر بسحب إقامتهم وطردهم من بيوتهم ومدينتهم.

"عرب48": بالنسبة للأماكن المقدسة، ما هو تأثير وتداعيات هذا القرار على هذه الأماكن، خاصة الحرم القدسي الشريف، الذي تستهدفه إسرائيل بادعاء أنه يقوم مكان الهيكل المزعوم؟

"فرنسيس": مرة أخرى في الجانب القانوني، فإن القرار الأميركي لن يغير شيئا، ولكن التركيز على الأقصى دون القدس قد يفتح الباب أمام مقترحات مثل، أن تكون أبو ديس العاصمة مع وجود ممر آمن منها للأقصى، وكما هو معروف فإن موضوع أبو ديس ليس بالجديد، ولكن نحن ذاكرتنا قصيرة، وكلنا يعرف أن هناك بناية للبرلمان الفلسطيني قائمة هناك منذ عهد عرفات، كما نعرف المخطط الإسرائيلي بالتقاسم الزماني في الأقصى، وربما المكاني على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل.

القرار الأمريكي من شأنه أن يشجع مثل تلك المخططات، ويدفع بركبها إلى الأمام، بعد خفض طموح الفلسطينيين بفرض الأمر الواقع، بمنطق ترامب ونتنياهو، وإغلاق الخيارات الأخرى أمامهم، كما يعتقد ترامب ونتنياهو.


*سحر فرنسيس محامية ومديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان- حصلت على اللقب الأول في القانون من جامعة حيفا، واللقب الثاني في الدراسات الدولية من جامعة بير زيت. عملت كمدافعة عن حقوق الإنسان منذ العام 1994 في مؤسسة "سانت إيف" في القدس وبيت لحم على قضايا هدم المنازل ومصادرة الأراضي، حقوق العمال الفلسطينيين، ثم في بديل- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين. وفي العام 1998 التحقت بمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان لتصبح مديرة المؤسسة في العام 2006، وهي عضو هيئة عامة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين.