*النائبة حنين زعبي: السلطة توظف الهبة الشعبية لتحسين موقعها تفاوضيا

*د. مهند مصطفى: استمرار الاحتجاج يتعلق بعوامل كثيرة أهمها أداء وإرادة القيادة الفلسطينية


تتصاعد الاحتجاجات ومظاهرات الغضب الشعبي في الشارع الفلسطيني تصديا لإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل والإيعاز بنقل سفارة بلاده إلى القدس، متنكرا لحقوق سكان البلاد الأصليين المتجذرين في أرضهم ومنحازا إلى جانب المهاجرين حديثا إلى البلاد.

وقال عدد من المحللين السياسيين إن تصريح الرئيس الأميركي حول القدس يكشف الوجه الحقيقي للخطة الأميركية العدوانية ضد الفلسطينيين.

نقطة تحول

وقالت النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة، حنين زعبي، لـ"عرب 48" إننا "نستطيع أن نحوّل تصريح ترامب إلى نقطة تحول في النضال الفلسطيني، ونستطيع أن نعتبره تصريحا خطيرا يزيد من مساحة المناورة الإسرائيلية لتهويد القدس، دون أن يتم تغيير قواعد اللعبة السياسية، وهذا يتوقف ليس على نضال الشارع، وليس على الهبات الشعبية، إذ أثبت الشعب الفلسطيني في محطات عديدة، ومنها محطات شديدة الحلكة أنه مستعد للتضحيات ويستطيع ذلك ونفسه طويل في النضال، كما حدث في الحركة الشعبية التي فاجأت حتى القيادات التي ينخفض سقفها عن سقف الشارع الفلسطيني".

مواجهات في الضفة المحتلة

وأضافت أن "قضية القدس لا تتوقف على الشعب لأنه حاضر بل على الإرادة السياسية الفلسطينية، فإما أن تقرأ القيادة الفلسطينية استخدام الهبة الشعبية لكي تضغط على الإدارة الأميركية للعودة إلى النقطة التي سبقت إعلان ترامب، وهذا خطير جدا، بمعنى أن تستغل الهبة الشعبية لتحسين الموقع التفاوضي للسلطة مع الاستمرار في قواعد لعبة التنسيق الأمني 'المقدس' ومفاوضات لجلب حقوق، أو أن تقرأ السلطة الفلسطينية أنه لا حل لهذه القضية إلا بأن تعلن وقف العملية السلمية ووقف التنسيق الأمني الذي هو خطيئة وجريمة في حق الشعب الفلسطيني، والعودة إلى قوة الشارع بدل قراءة ضعيفة لتوازنات إقليمية، والعودة إلى مفهوم أن القضية الفلسطينية ليست قضية دبلوماسية بل قضية نضال".

السلطة والهبة الشعبية

واستطردت زعبي حول حالة تعامل القيادة الفلسطينية مع القضية برمتها أنه "إذا لم تفهم القيادة أنها قضية نضال ستسير في المسار الدبلوماسي بخطوات مترددة دون أن تنظر إلى نهايته، انظروا ماذا قال أبو مازن في خطابه في القمة الإسلامية 'نحن نتراجع عن قرارنا عدم اللجوء للمحكمة الدولية' إذا فهناك قرار في السلطة الفلسطينية أن لا يتم استثمار المسار الدبلوماسي بقوة، من لا يريد النضال لا يستطيع المواجهة في المسار الدبلوماسي، من لا يريد النضال ويخافه ولا يعتبر قضيته قضية وطنية لن يتمكن من استخدام القوة الكامنة في المسار الدبلوماسي، فالهبة الشعبية تتوقف على الغطاء السياسي الذي تمنحه إياها وعلى الوضوح السياسي، فإما أن تخوض الهبة وإما أن تحاول استغلالها للالتفاف عليها، للعودة إلى قواعد لعبة تفاوضية أثبتت أنها قاتلة للحق الفلسطيني وقاتلة للقوة الفلسطينية، ولذلك لا أرى أن السلطة الفلسطينية سائرة في قراءة صحيحة للواقع الفلسطيني ولقراءة أن تصريح ترامب أنتجه مسار أوسلو بالذات خلال السنوات العشر الأخيرة، والمؤسف أننا نتحدث حتى عن السقف المنخفض للأداء الدبلوماسي، ولم تتخذ القيادة الفلسطينية أي إجراء رسمي للرد على القرار الأميركي، وكل ما فعلته خطوات ضحلة وذليلة".

نضال وطني لا تحسين شروط تفاوض

حنين زعبي

وختمت النائبة زعبي بالقول إن "تصرفات السلطة الفلسطينية خلال الأسبوع الأخير لم تصل إلى قناعة بأن عليها تغيير قواعد اللعبة السياسية، ولم تصل إلى قناعة أن المسار التفاوضي هو من أوصلنا إلى إضاعة الحق الفلسطيني والبوصلة الوطنية، ولماذا نقرأ ذلك؟ لأنه لم يحصل أي تقدم حقيقي في مسار المصالحة الوطنية، فالمصالحة مؤشر تعامل السلطة الفلسطينية لمسار سلوكها السياسي، لمجرد استمرار تفعيل العقوبات على غزة وما زالت التصريحات الإسرائيلية تشير إلى أن السلطة ستعود للتنسيق الأمني كما سبق وجمدته خلال انتفاضة البوابات الإلكترونية ثم عادت لتفعيله. أطلقت السلطة تصريحات عام 2015 أن أوسلو انتهى، وماذا اتضح أن السلطة تستعمل هذه التصريحات كي تعود إلى المسار السلمي، وليس لكي تنتج مسارا نضاليا".

ديمومة النضال

وقال مدير عام مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، د. مهند مصطفى، لـ"عرب 48" إن "استمرار الاحتجاج على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل يتعلق بعوامل كثيرة أهمها الأداء السياسي الفلسطيني وإرادة القيادة الفلسطينية. الناس لا تخرج إلى الاحتجاج، ولكنها تحتاج إلى ظهير سياسي وقيادة داعمة تضع أهدافا للاحتجاج وتدعمه وتأطره في استراتيجية سياسية واضحة".

وأكد أنه "لا يعول على استمرار الاحتجاج حتى في موضوع القدس دون إرادة سياسية تنظمه وتدعمه وتقف وراءه لا سيما وأن الحكومة الإسرائيلية تواجه كل احتجاج فلسطيني حتى السلمي منه بأدوات قمعية وكأنها في حرب، لذلك على القيادة الفلسطينية أن تقرر أنها مع تنظيم هذا الاحتجاج، وهذا لا يتم فقط بالكلام بل بالأفعال وأولها قطع العلاقات مع الاحتلال وكل أشكال التنسيق معه".

وأشار مصطفى إلى أن "كل ذلك يتواصل بسؤال ما مسؤولية القيادة الفلسطينية عن قرار ترامب؟ ماذا فعل الفلسطينيون، لا سيما القيادة والمؤسسات القيادية الفلسطينية، لمنع هذا القرار؟ وما الذي دفع ترامب لاتخاذ هذا القرار؟ وهل راجع الفلسطينيون خياراتهم السياسية قبل ذلك بعد تمدد المشروع الصهيوني ومحاولته الواضحة والصريحة إفشال حل الدولتين؟ وهل تم تقييم الخيارات السياسية بعد أن تراجعت إسرائيل نفسها عن اتفاق أوسلو وأبقت منه ما يخفف عنها ثمن احتلالها؟ وهل عمل الفلسطينيون على إعادة وحدتهم الوطنية؟ وهل تم تفعيل استراتيجية مقاومة شعبية سلمية مثابرة كتلك التي حظيت بتأييد الجميع بما في ذلك السلطة الفلسطينية نفسها؟ وهل أعيد بناء منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المؤسسة الفلسطينية العليا؟ وهل تم وقف التنسيق الأمنيّ بعد أزمة بوابات الأقصى وحتى قبلها؟ وهل كل ذلك كان يمكن أن يردع ترامب الأرعن عن قراره؟ الجواب هو إيجابيّ بكل تأكيد. إن قرار ترامب خطير، ولكنه فرصة لإعادة طرح هذه الأسئلة على المستوى الفلسطينيّ. الإجابة على كل ذلك ينعكس على استمرار الاحتجاج".

نجاح النضال في قضية البوابات الإلكترونية

مهند مصطفى

وحول مكانة القدس كدافع للنضال الشعبي، قال د. مصطفى، إن "القدس تحظى بمكانة خاصة في صفوف الفلسطينيين، فمثلا لعب الفلسطينيون في إسرائيل دورا كبيرا في الاحتجاج الشعبي عبر المشاركة، التنظيم والتجنيد في قضية البوابات الإلكترونية. وكان ذلك ضربة لسياسات إسرائيل، فحالة التحريض غير المسبوقة عليهم لم تثنيهم عن المشاركة في هذا الاحتجاج وهو أمر غير مفهوم ضمنا، لا سيّما في ظل مظاهر الأسرلة التي ضربتهم في أعقاب الأحداث المأساوية في العالم العربي، بعد حالة الأمل الذي أصابتهم في العامين الأوليين من الربيع العربي وعبّر عن نفسه في الاحتجاج والحراك الشبابي الرائع ضد مخطط 'برافر' في النقب. شكلت هذه المشاركة في اعتقادي أوسع مشاركة فعلية خاضها الفلسطينيون في إسرائيل في نضال مناطق الـ67. وهنا تكمن أهمية الحدث، فميدان تحرير القدس ضد البوابات مزج بين الفلسطينيين في إسرائيل والفلسطينيين في مناطق الـ67، فالأدوات كانت مشتركة، احتجاج شعبي سلمي، والهدف واضح وهو إفشال مخطط إسرائيل باتخاذ خطوة أخرى نحو السيطرة على المسجد الأقصى. نعم في هذه الحالة كان العامل الديني عاملا مساندا في الاحتجاج الوطني وتمثل في قدسية المسجد الأقصى، ولكن رسالته واضحة بالنسبة لقضية القدس كلها، وفقط من يرفض البعد الديني في النضال الوطني، كما كان في كل حركات التحرر الوطني في المغرب والمشرق العربي، تحفظ من تحويل الصلاة كفريضة دينية إلى أداة نضال وطني، لأنه أراد الناس أن تحتج على حسب مقاساته للاحتجاج، فسبقته الناس وفاجأته كما فاجأت إسرائيل، انتصار الاحتجاج في الأقصى في هذه القضية العينية كان انتصارا مضاعفا للفلسطينيين في إسرائيل، انتصار على سياسة التخويف التي أعقبت عملية المسجد الأقصى، وانتصار على سياسات إسرائيل في المسجد الأقصى".

القدس وفلسطين

وختم مصطفى بالقول: "أؤكد على ما قاله الدكتور عزمي بشارة علينا أنه علينا أن نتعامل مع قضية القدس وكأنها أقصى وقضية فلسطين وكأنها قدس، لذلك فإن دور ومشاركة الفلسطينيين في إسرائيل بالاحتجاج حول القدس ازدادت في السنوات الأخيرة أيضا بفضل مشروع الحركة الإسلامية المحظورة التي نقلت القدس وقضية الأقصى إلى الداخل كقضية مركزية في عملها السياسي".

اقرأ/ي أيضًا | التميمي أولا..حملة اعتقالات للفتيات اللواتي يتصدين لجنود الاحتلال