تحل في نهاية شهر آذار الذكرى الـ42 ليوم الأرض الخالد، والذي استُشهد فيه 6 شهداء، هم رجا أبو ريا، وخديجة شواهنة، وخضر خلايلة من سخنين، وخير ياسين من عرابة، ومحسن طه من كفركنا ورأفت الزهيري من عين شمس.

ولعلّ أهم الدروس التي يُقدّمها لنا يوم الأرض، هو كسر حاجز الخوف بعد النكبة، ومواجهة الجنود دون خوف، حيث تكثُر حكايات التضحيات الجسام في يوم الأرض الأول، ولعل أهمها بعد دماء الشهداء والجرحى، دور النساء في تلك المرحلة، والتي شعرت المرأة فيها أنها تحمي وجودها عبر حماية الأرض وما دونها الموت.

وتتكرر حكاية السيدة ندى نعامنة من عرابة، التي تصدت للجنود بواسطة الكريك، وحكاية السيدة سهام عاصلة أيضا من عرابة

التي وقفت بجسدها أمام المدرعة، ورغم تهديدها وتقييدها إلى مدرعة، وسحلها لأمتار وراء مدرعة، سطرت مع أخريات أشهرهن الشهيدة خديجة شواهنة؛ ملحمة الوجود في يوم الأرض.

وفي مسعى لحوار نساء سطَّرن بطولات في يوم الأرض الأول، مررتُ بأسماء عدة وافتهن المنية، فلم يعدن بيننا، حتّى وقعت تحت ناظري صورة المربية جميلة عاصلة، وهي تقود مع فتيات مسيرة غاضبة في تشييع جثمان الشهيد خير ياسين.

جميلة عاصلة

وتعود السيدة جميلة عاصلة أم الشّهيد أسيل عاصلة، في ذاكرتها إلى الوراء 42 عاما لتقول: شعرنا بالغضب. كانت الأرض خيمتنا الأخيرة، ولن يبق بعدها شيء لنخسره، فكان لا بد من الدفاع عن الأرض، والمرأة بنت الأرض، وبطبيعة الحال كانت الأكثر ارتباطا في الأرض، فهي من تزرع وتجني قوت يوم الأولاد في تلك السنوات من الأرض، ولم يكن دور المرأة اقل من دور الرجل، وكانت المرأة في مواجهة يومية مع الجيش في الأراضي التي صادرتها الدولة حينها وكانت شرارة يوم الأرض، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون للنساء دور كبير في يوم الأرض الأول.

وأكملت عاصلة: "نحن نتحدث عن سنوات كانت الأرض مصدر عمل ورزق النساء، ولم تكُن النساء في قلق من فقدان وظيفتهن مثل اليوم، وخلافا لما يعتقد كثيرون، فالتضحيات في تلك السنوات كانت جسيمة، على عكس القلق الذي يسود هذه الأيام من تقديم التضحية، رغم الوعي هذه الأيام وربما الصحوة لدى البعض. بصدق، أنا أشعر اليوم بخيبة بالمقارنة مع الجيل الذي أنتج يوم الأرض، ودائما ما أُقارن وأجد صعوبة في فهم الاختلاف بين تلك السنوات وأيامنا، ربما هو سياسة إنتاج مجتمع مادي استهلاكي لا مبال، والسعي بشكل دائما وراء النجاح الشخصي دون التضحية العامة".

وتُحدثنا سهيلة نعامنة سعيد عن مشاركتها في تلك السنوات، حين كانت ابنة الرابعة عشر فقط، بعد أن تعرفت على صورتها بالأسود والأبيض قائلة: كانت فترة غضب شديد، شعرنا بالحاجة إلى الاحتجاج والنضال، وكان للمربية جميلة عاصلة دور كبير حينها في توعيتنا لأهمية القضية وأهمية الاحتجاج، وهناك حاجة لمقارنة الفترة تلك، مع اليوم، وأوضاع المعلمين اليوم، حيث أشعرُ أن الوظيفة هي الأهم اليوم بالنسبة للمعلم، وليس دوره المنوط بالتربية المجتمعية والوطنية، وأنا هنا لا أُعمّم.

سهيلة نعامنة سعيد

وتسترسل سعيد متحدثة عن تلك السنوات: "لا أخفيك سرا، تلك كانت سنوات خوف ورعب، ولا يوجد أدنى مقارنة بين تلك السنوات واليوم. كنا نخاف أن يطالنا الرصاص في أي لحظة، لذا كانت الأمهات تمنعنا من الخروج من البيت، فالجيش دخل عرابة بمدرعات ودبابات، وكان مجرد اسم الجيش أو الجندي مخيف جدا بالنسبة لنا، وفجأة وفي ليلة استشهاد خير ياسين؛ عمّ الخوف في البداية، ولكن سرعان ما خرج الجميع في اليوم التالي وواجهنا دون خوف، وخلال المسيرة كانت حالة غضب جعلتنا نسقط أي خوف، وكانت بطولاتٌ لنساءٍ لا يمكن نسيانها في عرابة وسخنين.

وختمت السيدة سعيد بالقول: "أذكر بعد تلك الأيام صار أمر المواجهة مع الجيش طبيعيا جدا، لم يعد بالإمكان السكوت عن شيء، وتمكنت نساء من طرد دبابات ومدرعات من الأراضي المزروعة، حيث خاطرن بحياتهن، وربما أفضل درس لشباب هذه الأيام هو إسقاط الخوف والحفاظ على أرضنا وكرامتنا فوق كل شيء.

أما فاتنة بكرية، فقد تحدّثت عن مشاركتها عام 1976 قائلة: "في تلك السنوات رغم أننا لم نبلغ حينها إلا 14 عاما، إلا أننا وُلدنا كبارا، كان التحدي كبير جدا، وانتشر الخوف والرعب في كل مكان، كان شعور بتهديد حياة كل إنسان، ولم يكن هناك مساع لإخراج أحد للاحتجاج؛ بل إن حالة الغضب أدت بشكل طبيعي إلى خروج الناس للشارع والاحتجاج، وفي يوم تشييع جثمان الشهيد خير ياسين، وكأنه لم يعد مكان للخوف؛ فإما أن نخرج وندافع عما بقي لنا وإلا سيسقط كل شيء، هذا هو الشعور الذي ساد بلدي عرابة حينها، وهذا ما يختلف ربما عما نعيشه اليوم، كانت مشاركتنا حينها دفاعا عن قضية آمنّا بها، واليوم تشعر مع الأجيال الجديدة غياب الإيمان في القضايا الحقيقة سواء كانت قضايا الأرض أو المسكن أو غيرها، وهو ما يجب أن يتغير.

اقرأ/ي أيضًا | خبير ديمغرافي إسرائيلي: نعيش الآن واقع الدولة الثنائية القومية