مر 70 عاما على احتلال العصابات اليهودية أرض فلسطين، وإقامة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني وقراه المدمرة وتاريخ وذكريات ملايين اللاجئين المهجرين والمشردين في التشات والوطن.

ذات الشيء ينطبق على مشاهد النكبة في الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني والتي ترسخت لعقود في ذهن كل فلسطيني يتوق للعودة، هو حلم يتجدد بالوفاء والعهد بالداخل الفلسطيني من خلال مسيرة العودة السنوية التي تحولت لحدث تقليدي تنظمه جمعية الدفاع عن حقوق اللاجئين.

عقود من المسيرات والرحلات الصعبة للقرى المهجرة والمدمرة، خصوصا عند العودة للبيت، حيث يجتمع التعب والجهد مع لوعة الفراق والآلام، ولكن يتجدد النشاط بالأمل بتحويل حلم العودة إلى حقيقة.

أتت مسيرات العودة بالداخل الفلسطيني والتي انطلقت قبل 21 عاما في اليوم الذي تحتفل به إسرائيل بـ"الاستقلال"، حيث حطت هذا العام في قرية عتليت المهجرة قضاء حيفا، لتؤكد تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه ورفضه للمساومة على الثوابت الوطنية وإصراره على حق العودة لجميع اللاجئين ورفض مخططات التوطين للاجئين.

70 عاما، وما زال الشعب الفلسطيني يبحث عن حل لقضيته ويتمسك بحق بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على جزء من أرض فلسطين التاريخية، وتبقى قضية اللاجئين وحق العودة وهي القضية التي أركان الأرض طول هذه السنوات الثقيلة، عشرات القرارات الدولية، التي من المفترض أن تكون ملزمة لدولة الاحتلال، لم تأت أُكلها، تبعتها سنوات من التنازلات السياسية للسلطة الفلسطينية تتوجت في اتفاقية أوسلو منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

تلك الذكريات التي بقيت راسخة في الأذهان، ولعل أهمها العودة.. فمسيرات العودة وإن حملت في طياتها دلالات رمزية بيد أن جوهرها يهدف إلى لرفع الوعي والحفاظ على الثوابت الوطنية، ومواجهة التحديات ومخططات المؤسسة الإسرائيلية لصهر الوعي الفلسطيني وتزييف التاريخ وتغييب الرواية الفلسطينية، وعليه فالشعب الفلسطيني لا يزال يحيي ذكرى النكبة متمسكا بأرضه لحين الحرية والاستقلال وعودة اللاجئين.

التهجير قد يكون أقسى من القتل

وقال المهجر في وطنه والمشرد من أحد قرى النقب مسلوبة الاعتراف، عليان الصانع لـ"عرب 48": "شعوري جميل حين أرى جميع أبناء الداخل الفلسطيني في مسيرات العودة، لتعيد لهم الذاكرة في يوم الاحتلال الأول لفلسطين، لأنهم لا زالوا يعيشوها والنكبة مستمرة إلى هذا اليوم في المجتمع، إذ ما زالت فصول النكبة مستمرة وما زلنا نعيشها بأوجه مختلفة".

وتابع: "وجودنا هنا في القرى المهجرة سنويا أشبه بعيد وطني الذي يجمعنا كفلسطينيين ويعيد ذاكرتنا بلباسنا وتراثنا ورموزنا وأعلامنا وكل ما نملك لنبقى محافظين هذا الوطن. أنا عشت التهجير على جسدي في النقب، أعي ما مر به أجدادنا من ماّسي خلال نزوحهم قسرا".

وأشار إلى أن، "التهجير قد يكون أقسى من القتل، أن تترك بيتا لك قد بنيت عليه آمالك وأحلامك، دون أن تستطيع أن تأخذ أمتعتك حتى، وتبقى مستلزماتك وكل ما بنيت بسنين طويلة، تتحول إلى مجرد ذكريات، فكيف لنا بعد كل هذه المعاناة أن نتنازل عن هذا الحق".

وأكد عليان أن: "الناس طموحاتهم أكبر من أي محتل، لم ولن نفرط في حق العودة وهذه الذاكرة الجماعية، ونحن نعمل واجبنا، وأطلب من الشباب المحافظة على الهوية والانتماء وأن لا ينجروا وراء التيارات السياسية التي تؤدي إلى مناكفات نحن بغنى عنها".

بدورها، قالت الطفلة آية محاميد من أم الفحم: "أوجه رسالة إلى العالم كل الأراضي التي توجد في هذه البلاد هي فلسطينية فقط، وهذه الأراضي عربية وستبقى كذلك حتى عودة أخر لاجئ".

وتابعت: "مسيرات العودة هي لتبين لنا أن الأرض سلبت بالدماء ولا تزال الدولة تسلب منا حقوقنا، وإن كل الأراضي الفلسطينية لنا، وأنا أدعو دائما أولاد صفي وصديقاتي وأبناء جيلي إلى المشاركة في هذه الفعاليات لأنها ترسخ روح الوطنية لدينا".

الشعب أقوى من القيادة

ذات الموق عبرت عنه نجاة طه من كفر كنا التي قالت لـ"عرب 48": " مثل هذه النشاطات والفعاليات تعيد لنا مشاهد التاريخ وتنشط الذاكرة حيال ما جرى في النكبة، يخطر في بالك للوهلة الأولى الناس التي تركت قراها ومدنها وبيوتها في ذلك الحين وهاجروا، تشعر بالحزن والأسى الذي عاشوه أجدادنا عندما هجروا من هذه القرية، وكيف توجهوا بنفس المسار الذي مشيناه، لكنهم ذهبوا إلى المجهول دون أن يعلموا مصيرهم، وتشعر بالحزن الشديدين، كابن هذا الوطن وابنة المهجرين، لكن إحياء مسيرة العودة يبعث لدينا الأمل من جديد رغم الحزن".

وتابعت: "التربية الوطنية تبدأ من البيت، لكن أيضا على الأحزاب والقيادة دور كبير. في هذه المسيرة ترى أن الشعب أكبر من القيادة والأحزاب وهذا يتضح جليا، هذه الحشود التي توافدت للقرى المهجرة سنويا، لأنها تريد حقا العودة، ولو كانت هذه الفعالية تقيم عليها الأحزاب أو لجنة المتابعة، لكانت وللأسف أقل بكثير من المتوقع، في كافة الجوانب لان القيادة بعيدة عن الشعب وليس الشعب بعيد عن الوطن والوطنية".

الحرب على الذاكرة

أما الأسير المحرر محمد خلف فقال: "يوم العودة مهم جدا لأجل أن نرسخ ذاكرتنا، لأننا نواجه حربا على الذاكرة، وذلك بعد أن استطاع الاحتلال تهجير وتدمير قسما كبيرا من شعبنا، ولم يتبق لنا إلا الذاكرة، وهذا اليوم مهم جدا إلى الأجيال القادمة، كي يتعرفوا على نكبة شعبهم والتمسك بحقهم".

وتساءل: " لماذا اليهودي يسمح له العودة مع إن هذه البلاد ليست له، والعربي الذي هجر من بيته لا يسمح له العودة؟، بدون عودة اللاجئين الفلسطينيين لن يكون هدوء في المنطقة، وسوف يأتي اليوم الذي نرجع فيه حقوقنا لأن الذاكرة أهم من الأرض، فلو ذهبت سوف تذهب الأرض معها".

وتابع: "أتمنى أن تتزايد الأعداد المشاركة في المسيرة، وهذه الحشود إن دلت فإنها تدل على الوعي والانتماء، نحن بدأنا مسيرتنا مع الأرض منذ أن تشربنا من أجدادنا وأباءونا حب الوطن، وأشعر بسعادة عندما أرى هذه الشباب التي تجمل الرسالة وتكملها".

وأضاف: "رغم الأوضاع السوداوية لا يعني أن التمزق العربي والفلسطيني، والتعارك، إننا لن ننتصر، لو نظرنا إلى جميع الحركات الثورية فقد مرت بالكثير من التعرجات خلال مسيرتها إلا أنها في نهاية المطاف انتهت بالنصر".

وخلص للقول: "يجب علينا أن نعلم إنه لا حلول سلمية مع المحتل، لأن هذه الدولة أقيمت على أنقاض شعبنا بالقتل والتهجير، وعلينا ألا نقبل بالحلول المؤقتة، يحب أن نرتقي بنضالنا وألا نبقى متقوقعين في آليات النضال القديمة، لأن الواقع يتغير، وعليه يجب إيجاد طرق أخرى للنضال".