لم تُنس 62 عاما مرت منذ اقتراف مجزرة كفر قاسم أهالي البلدة مطلبهم كشف محاضر جلسات محكمة الجنود الإسرائيليين الذين اقترفوا الجريمة بتاريخ 29 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1956، عشية العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) على مصر، وبقيت المحاضر سرية لغاية اليوم.

وقال عدد من ذوي شهداء المجزرة لـ"عرب 48" إنه "لا فرق بين اليوم والأمس، المجزرة حاضرة بتفاصيلها منذ اقترافها في وجدان أبناء كفر قاسم والمجتمع العربي الفلسطيني بالبلاد، الذين يحيون ذكراها في كل عام.

مجزرة كفر قاسم 29.10.1956

رفضت السلطات الإسرائيلية كشف نحو 600 صفحة من بين ألفي صفحة، هي عدد صفحات محاضر جلسات محكمة مجزرة كفر قاسم، وأبقتها في إطار "السرية" فلا يمكن الحصول عليها أو الاطلاع على فحواها ومضمونها إلا بقرار من رئيس محكمة الاستئناف العسكرية.

يجري التداول في المحكمة العسكرية في تل أبيب (هكريا) منذ أشهر طويلة، في طلب المؤرخ آدم راز واللجنة الشعبية في كفر قاسم الكشف عن المحاضر ومتعلقات المحكمة، وخصوصا ما له علاقة بـ"خطة الخلد" التي أشارت مصادر إلى أنها وُضِعَتْ لطرد سكان المثلث العرب الفلسطينيين تحت غطاء العدوان الثلاثي الكثيف على مصر، الأمر الذي جعل من فرضية العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين في توقيت وارتكاب المجزرة في يوم 29.10.1956 أمرا لا نقاش فيه.

وأكد أهالي كفر قاسم أن تعنت السلطات الإسرائيلية وأجهزة الأمن ورفضها الكشف عن تلك الملفات السرية لتفاصيل المجزرة ومحاضر جلسات التحقيق مع مرتكبيها يشير إلى أمر تخفيه السلطات قد يكون أروع من المجزرة التي اقترفتها.

وقال رئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم، الشيخ إبراهيم صرصور، لـ"عرب 48" إنه، "آن الأوان للكشف عن الحقيقة كاملة حول مجزرة كفر قاسم، وهذا يعني بالضرورة الكشف عن كل المحاضر السرية المتعلقة بمحكمة منفذي الجريمة وعلاقتهم بالمستويين السياسي والعسكري في إسرائيل".

إبراهيم صرصور

وأضاف أن "إصرار إسرائيل على رفض الكشف عن هذه المحاضِر رغم مرور 62 عاما على وقوع المجزرة، يعني ببساطة أن هناك ما تخاف إسرائيل من أن يعرفه الرأي العام، المحلي والدولي، حول حقيقة الأهداف من وراء ارتكاب المجزرة".

وأشار صرصور إلى أن "أبناء الشهداء أكدوا أن من حقهم معرفة الحقيقة كاملة حول مقتل آبائهم بدم بارد ودونما ذنب اقترفوه على يد جنود دولة إسرائيل".

وأكد أن "تعامل إسرائيل مع كفر قاسم على وجه الخصوص منذ وقوع المجزرة، ومع المجتمع العربي على وجه العموم، يثبت بما لا يدعو مجالا للشك أن ذات العقلية التي ارتكبت المجزرة قبل 62 عاما هي ذاتها التي ما زالت المسيطرة على السلوك الإسرائيلي في المجالين المدني والأمني، على حد سواء".

وختم رئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم بالقول إنه "من العجيب أن تنعقد جلسة المحكمة العسكرية في ظل 'قانون القومية' الذي تدعمه الحكومة ورئيسها بكل قوة، والذي يهدف إلى محو ما تبقى من الحقوق الأساسية المحدودة جدا للمواطن العربي كفرد وكمجموع قومي، الأمر الذي يخيفنا من جهة، ويفرض علينا مواصلة النضال بكل الطرق المشروعة من أجل حماية أنفسنا أمام تغول الدولة بكل مؤسساتها، من جهة أخرى".

وقال قريب الشهيد محمود خضر صرصور (27 عاما)، الشاب تامر صرصور، لـ"عرب 48" إن "المجزرة أمر واقع وحدث تاريخي لا يمكن إنكاره أبدا، وسنبقى نحن أحفاد الشهداء بمدينة كفر قاسم ومنطقة المثلث خصوصا والمجتمع العربي عموما نحيي ذكرى شهدائنا سنويا لكي نرسخ هذه المجزرة الأليمة في نفوس الأطفال وأجيال المستقبل، وبالتالي لا يمكن نسيان المجزرة قط حتى لو لم تعترف بها إسرائيل فسنبقى على العهد نحيي ذكراهم".

تامر صرصور

وأضاف أنه "مما لا شك أن سياسة الحكومات الإسرائيلية سواءً كانت يمينية أو يسارية، تتماشى مع مصالح شعبها، وبالتالي إذا تحملت الحكومة المسؤولية عن هذه المجزرة فهي حسب نظرهم تكون قد فشلت فشلا ذريعا وتدل على ضعف أمام المواطنين العرب، وبالتالي لا يمكنهم تحمل المسؤولية بسبب تبعاتها السياسية".

وأشار صرصور إلى أن "كشف الملفات من شأنه أن يكشف معطيات جديدة عن مجزرة كفر قاسم والمحكمة الهزلية التي كانت في العام 1957 حيث الجميع يعلم قضية 'قرش شدمي'. محكمة اليوم لا يمكنها معاقبة من قاموا باقتراف المجزرة قبل أكثر من 60 عاما، ولكن يمكنها معاقبة المسؤول الأبدي عن المجزرة وهي حكومة إسرائيل".

وشدد على أن "حكومة نتنياهو تعتبر من أكثر الحكومات عنصرية من حيث القوانين التي تطرحها ضد العرب وخير مثال 'قانون القومية' وأعتقد أنه لن يتغير أي شيء ولن يعيروا أي اهتمام لهذا الأمر. ونحن سنبقى نطالب بأن تعترف إسرائيل بالمجزرة، وبالتالي هنا تحصل الذكرى على شرعية كبرى يمكن من خلالها تدريسها في المدارس".

وعن تأثير المجزرة على كفر قاسم قال صرصور إن "كل عائلة في كفر قاسم فقدت ابنا شهيدا أو أكثر بالمجزرة، وهذا الجرح ينزف لغاية اليوم. وحين تمر بجانب النصب التذكاري بوسط المدينة تستشعر ذكرى المجزرة والشهداء الذين ارتقوا هناك، بالإضافة لمخطط إسرائيل تهجير أهالي كفر قاسم وحجم الكراهية والانتقام الذي أبدوه في اقترافهم للمجزرة".

إسماعيل بدير

وقال أحد الناجين من مجزرة كفر قاسم، الحاج إسماعيل عقاب بدير، لـ"عرب 48" إن "عوائل الشهداء والجرحى تنتظر كشف المحاضر منذ عشرات الأعوام. نحن ذقنا الأمرين إبان المجزرة و'عشناها على أجسادنا' ونعلم تفاصيلها الصغيرة والعينية، ونتذكر اليوم جلسات المحكمة الهزلية التي جرت في تلك الفترة، ولا يمكن أن ننساها، لكن الكشف عنها مهم جدا وقد يعري وجه إسرائيل".

وأضاف أنه "لا زلت أعاني، لغاية اليوم، فقد أصبت وخسرت إحدى ساقي بالمجزرة، ولم يعترفوا بكافة الأضرار التي أصابتني بالمجزرة".

وختم بدير بالقول إنه "نتمنى الكشف عن المحاضر السرية، وأن يعرف الجميع حقيقة المجزرة الرهيبة التي اقترفها الجنود الإسرائيليين".

اقرأ/ي أيضًا | مجزرة كفر قاسم: 7 رصاصات و60 عاما لم تغير شيئا