حذر الحقوقي أسامة حلبي من الإسقاطات السلبية لـ"قانون القومية" الذي سنه الكنيست مؤخرا، على المواطنين العرب في البلاد. وقال في حديث خاص لـ"عرب 48" إن "هذا القانون يعني دولة من دون مساواة لأنهم أسقطوا الديمقراطية من تعريف الدولة ولم يدخلوا المساواة للقانون".

ودعا حلبي المواطنين العرب الدروز إلى "رؤية المصلحة الحقيقية بالعودة إلى المواطنة الحقة والبقاء مع شعبهم، وعدم ربط الحقوق بالخدمة العسكرية، فنحن أصحاب الوطن ولا نريد حقوقا لأننا نخدم بالجيش الإسرائيلي".

عرب 48: كحقوقي ورجل قانون، كيف ترى سن "قانون القومية" خصوصًا وأن إسرائيل تعرف نفسها دائما بأنها دولة يهودية وديمقراطية، حتى أن "أعتى الليبراليين" في إسرائيل أمثال القاضي المتقاعد أهارون براك رسخ ذلك في قرارات عديدة بالمحكمة العليا؟

حلبي: في الواقع، عرفت إسرائيل نفسها حتى فترة وجيزة دولة ديمقراطية ويهودية، وقد ورد هذا المصطلح في مادة (7 أ) من قانون أساس الكنيست. ولكن حتى في حينه جرى نقاش القانون وتعريفه لأن فيه تناقضا بنيويا، بمعنى لا يصح أن تكون دولة ديمقراطية إذا كانت تعرف نفسها بأنها يهودية، لأن البعد اليهودي في المسألة هذه يحتوي على أبعاد دينية، فلا فصل بين الدين والدولة في إسرائيل، وبالتالي أدخلوا البعد الديني إلى الحيز الديمقراطي.

"قانون القومية" جاء الآن ليقول إن هذه الدولة يهودية فقط، لأن مصطلح الديمقراطية قد سقط من تعريف الدولة. وللأسف، لا تحتوي القوانين الأساسية مبدأ المساواة فهو مصطلح غير موجود سابقا وحاضرا.

المساواة غير مشرعة في قوانين السلطة التشريعية في إسرائيل، لكنها موجودة ضمن قرارات المحكمة العليا كسلطة قضائية.

عرب 48: برأيك، ما هي السبل الأنجع لمواجهة "قانون القومية" والنضال ضده، وهل يجب التعويل على المحكمة العليا لإلغائه أو تعديله؟

حلبي: هذا قانون أساس وجزء من دستور متشكل وليس قانونا عاديا، ولذلك أعتقد أن المحكمة العليا ستواجه صعوبة في اتخاذ موقف شجاع لإلغاء القانون الذي سن بغالبية أعضاء الكنيست. في هذه الحالة العينية ستقول السلطة القضائية إن السلطة التشريعية لها الحق في اتخاذ القرار.

أعتقد أن التوجه إلى المحكمة العليا لا بأس به لأنه سيشكل منصة لمناقشة القانون، تماما كما يجري في المسار الشعبي كالمظاهرات والاحتجاجات.

وأؤكد أن المستغرب هو مرور السنوات السبع الأخيرة التي سنت فيها الكثير من القوانين العنصرية دون أن يحدث أي شيء على مستوى الداخل الفلسطيني، ولذلك أقول بوضوح بأنني لو كنت في موقع القيادة لتركت إسرائيل تلعب لوحدها لأنها المستفيد الوحيد مما يحدث، فقد سنت قوانين منع إحياء ذكرى النكبة والإقصاء من الكنيست ومنع لم الشمل وغيرها من القوانين، ولا أستطيع الاستمرار في هكذا برلمان، ولو كنت عضو كنيست لاستقلت واتخذت أشكال نضال سلمية أخرى، ولتسقط كل الادعاءات. فإسرائيل تلاحقنا بوجودنا في الكنيست وعدم وجودنا فيه أيضا، وغياب النواب العرب عن الكنيست أو تعليق عضويتهم على الأقل سيكون له وقع كبير على الرأي العام العالمي.

عرب 48: في هذا السياق، كيف ترى نضال الدروز ضد "قانون القومية"؟

حلبي: الدولة الحديثة تعرف على أنها ديمقراطية ليبرالية، ولا يمكن ربط الحقوق بالواجبات. لذا استجداء الدولة خطأ شنيع يأتي بنتائج سلبية، فهو لا يحقق المساواة وفي الوقت ذاته يخرجك من دائرة مجتمعك وشعبك. والنضال الذي يعتمد على الانتماء الطائفي لا يؤدي للنتيجة المرجوة.

من يخرج إلى مظاهرة ضخمة ضد "قانون القومية" هو غير ملزم مطلقا أن ينشد النشيد الإسرائيلي "هتكفا"، لأن هذا النشيد لا يعترف بغير اليهود في البلاد أصلا.

المظاهرة ضد "قانون القومية" في تل أبيب، نهاية الأسبوع الماضي

عرب 48: هل المطالبة بالمساواة من باب "الخدمة العسكرية" ستحقق المساواة للدروز أم أنها مجرد مطالبة بمساواة شكلية؟

حلبي: الخدمة العسكرية لم تحقق المساواة ولم تأت بأي إسقاطات إيجابية. فلننظر إلى حال البلدات الدرزية والأوضاع فيها! أي دولة ديمقراطية في العالم لا تربط الحقوق بالواجبات.

هناك حراك إيجابي في البلدات الدرزية وعملية تحد لـ"قيادات سياسية" يمينية مثل أيوب القرا، لكن الإخراج كان سيئا، فخطاب الاستعطاف لا يحقق المساواة ولا ينتزع الحقوق.

ومع ذلك، يؤسفني أن لجنة المتابعة العليا والقائمة المشتركة لم تتوجه للدروز، وأبقتهم لوحدهم في النضال ضد "قانون القومية".

عرب 48: على ذكر الاستجداء والاستعطاف، ألا تخشى عسكرة الخطاب السياسي؟

حلبي: عندنا فهم مغلوط لمعنى المواطنة... نحن مواطنون ويجب أن نكون متساوي الحقوق ولنا الحق كأي مواطن آخر. ويجب علينا ألا نطلب حقوقنا لأننا "نخدم بالجيش"! بل لأنه لنا حقوق كأي مواطن في العالم.

أضف إلى ذلك، أنه لا يوجد قومية إسرائيلية يمكن الانتماء إليها من خلال المواطنة، إنما قومية يهودية وقومية عربية، وليس كما الحال بأن فرنسا للفرنسيين وإيطاليا للإيطاليين وهكذا. لذا الحقوق يجب أن تكون مستحقة لي لأنني مواطن وليس لأنني "أخدم بالجيش".

الآن، رسميا كل شيء في إسرائيل لليهود مباح مع بعض التفهم لوجود الأغيار، غير اليهود!

عرب 48: ماذا عن القيادات الدرزية ودورها في الاحتجاجات، وكيف ترى مستقبل "الهبة" الحالية ضد "قانون القومية"؟

حلبي: كانت عدة هبات في السبعينيات والثمانينيات بين الدروز. أذكر أنه في العام 1974 كانت هبة بعد أحداث في مقام النبي شعيب، ومطالبة بالمساواة، لكنها انتهت بأن أقاموا لجنة حكومية أصدرت قرارات لم تنفذ، ولغاية الآن كل اللجان التي شكلت بعد الهبات صدرت عنها تعهدات أو وعودات برصد ميزانيات للسلطات المحلية. كل تلك القرارات جاءت لاستيعاب الاحتجاج وتنفيس الغضب بين الدروز من قبل الحكومة الإسرائيلية.

وفي سنة 1987 اتخذت الحكومة "قرار رقم 373 لمساواة الدروز والشركس"، ولم يتأت عنه أي تغيير جذري.

وقد جاء القرار المذكور (373) بعد الإضراب المفتوح في بيت جن في أعقاب أحداث الزابود، وبعد إصدار أوامر هدم البيوت في دالية الكرمل في أواخر 1986، والتوتر الشديد الذي ساد العلاقة بين الدروز والسلطة.

وما يحدث الآن مع الاحتجاجات الدرزية على "قانون القومية" هو تشكيل لجنة وطرح وعودات كسابقاتها من الهبات، وعرض ميزانيات للسلطات المحلية، لكن دون تغيير المكانة القانونية.

في الوقت الراهن يجري الحديث عن قيادة جديدة بين الدروز، لكن هذا لا يحل مشكلة دون اتخاذ إستراتيجية عمل جديدة، وتوحيد النضال مع بقية أبناء شعبنا.

أدعو القيادات الدرزية إلى رؤية المصلحة الحقيقية للدروز وأن نعود إلى المواطنة الحقة مع تأكيدي أن عددا كبيرا من الشباب الدروز بقوا مع شعبهم ومع النضال وفق المواطنة الحقة.

نحن أصحاب الوطن، ولا نريد حقوقا لأننا نخدم بالجيش! نحن نستحق المساواة الكاملة كمواطنين وكأصحاب وطن، ولا أقل من ذلك. إسرائيل تخشى أن يمتنع الشباب الدروز عن الخدمة الإلزامية في الجيش، وفي الوقت نفسه تتعامل مع الدروز كمجموعة لخدمة مصالحها. ونحن علينا أن نقول بوضوح بأننا مواطنون ولسنا مرتزقة.

علينا المطالبة بالمساواة الكاملة أو المواطنة المتساوية في دولة تكون لكل مواطنيها. هذا هو الخطاب الصحيح.

أخيرا، أؤكد أن الخطير في هذا القانون هو ما ستواجهه الأحزاب العربية، وتحديدا التجمع الوطني الديمقراطي الذي يطرح مشروع "دولة جميع مواطنيها"، الذي يحارب أو يتعارض عملياً مع "قانون القومية". 

اقرأ/ي أيضًا | خطة نتنياهو للدروز: امتيازات ضيقة بدون مساواة