كانت مظاهرة لجنة المتابعة، أمس، في تل أبيب ضد "قانون القومية" على درجة عالية من التنظيم، وكذلك المسيرة والهتافات والشعارات، على الرغم من أن قوى يسارية يهودية أحضرت شعاراتها وألوانها ورموزها وكذلك قوى عربية، لكن ليس هذا هو المهم.

قبل أن تنطلق المظاهرة، سارعت وسائل الإعلام المركزية في إسرائيل، مثل موقع "يديعوت أحرونوت" إلى التحريض على المتظاهرين والمتابعة بحجة رفع الأعلام الفلسطينية، هنا وهناك، ورغم أن معظم الناس لم تحمل أعلاما ولا لافتات ولم تهتف، لكن هذا لم يسعف المظاهرة التي حملت رسائل ديمقراطية من تحريض الإعلام الصهيوني وبنيامين نتنياهو.

كان الحضور اليهودي لافتا في المظاهرة، وكان واضحا أن من بين اليهود المشاركين شخصيات ليبرالية صهيونية وليس بالضرورة يسارية معادية للصهيونية. كان واضحا أن الحركات اليسارية جندت، كذلك فروع الجبهة والحزب الشيوعي الإسرائيلي تجندت بقوة لإنجاح "أم المظاهرات" التي أعلنت عنها المتابعة التي يرأسها محمد بركة. ورغم ذلك، كان الحضور عاديا مقارنة بحجم الحشد والنقاشات حول المظاهرة. معظم التقديرات الموضوعية تحدثت عن مشاركة تتراوح ما بين 25 إلى 30 ألف متظاهر، ورئيس المتابعة استهل خطابه بتحية عشرات آلاف المتظاهرين، وليس مئة ألف أو مئة وخمسين أو تسعين ألفا حتى كما كان في مظاهرة الدروز الأخيرة. كانت مظاهرة عادية من ناحية الحضور على الرغم من تسميتها بـ"أم المظاهرات"، والحضور العربي كان إما لفتية أتوا من شمالي البلاد للتعرف على المدينة الإسرائيلية، تل أبيب، والاحتجاج ضد القانون أو محترفي الأحزاب وأسر عربية شابة.

من حظ المتابعة أيضا، أن مرشحي السلطات المحلية في البلدات العربية تنافسوا على إحضار مناصريهم للمظاهرة، ونشر صورهم في "فيسبوك". هذا مشهد جيد جدا ويسيّس المعركة الانتخابية ولا يجعلها فقط معركة انتفاعية حمائلية. هذا ما لمسته على الأقل من الحضور من الطيرة والطيبة في المثلث. المعركة الانتخابية المحلية انتقلت إلى شوارع تل أبيب.

حسب الحضور، من الواضح أن الليبراليين اليهود يدركون خطورة "قانون القومية" على دولتهم، و"سمحوا لأنفسهم" بالمشاركة في مظاهرة عربية، لكن اللافت كان عدم المشاركة العربية الشعبية الواسعة، والحديث عن 300 حافلة وكأنه إنجاز مبالغ فيه. ضاع ركاب هذه الحافلات بين المتظاهرين من تل أبيب. "اليسار الإسرائيلي" استنفر وحشد للمظاهرة العربية بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة.

الغياب الشعبي العربي هو المقلق، وهو لا يعكس فقط أزمة بين الشارع والقيادة، أو تعبيرًا عن اغتراب عن المدينة اليهودية الأولى (سمعت كُثُرًا من الأسر الشابة الذين تحفظوا على المشاركة في تل أبيب مع أطفالهم رغم أنهم يداومون على المشاركة في كافة المظاهرات القطرية، وتحديدا مسيرة العودة).

هذا الغياب يفسره أمر أساسي لمسته من الأحاديث مع الناس. هناك جهل تام بموضوع "قانون القومية" شعبيا. أحد لم يشرح لعموم الناس، بلغة مبسطة وغير خشبية مثل "فاشيزم، فاشيزم"، ماذا يعني القانون وكيف سينعكس على حياتهم اليومية وجيوبهم. الصحافيون والمثقفون والأكاديميون حللوا القانون أيما تحليل، وصفوه بأحقر الأوصاف، وصفوه بأنه عنصري وفاشٍ وأبرتهايدي واستعماري وكولونيالي، لكن البائع الشاب في البقالة على طرف الحارة لم يفهم ماذا يعنون. هل نطالب بالمساواة؟ ما هو مطلبنا؟ كيف سيؤثر علينا؟

سألت صحافيا في المظاهرة لماذا المشاركة اليهودية بارزة والعربية دون المطلوب، هل هو عدم وعي بخطورة القانون أم كسل وتراخ، سارع للإجابة: أنظر للصف الأمامي، كيف تريد للناس أن تثق بالقيادة وتسمع لها وشخص مثل عضو الكنيست السابق، طلب الصانع، لا يزال يزاحم على الصف الأول رغم أنه كان بالكنيست منذ ما قبل أوسلو، ولا أدري كم فردا جند للمظاهرة. هذا تعبير عن نرجسية في القيادة. آخر مرة شاركت فيها في مظاهرة في تل أبيب كانت خلال عدوان تموز 2006 على لبنان، واليوم عدت و"نفس الأشكال" بالصف الأمامي. هذا غير صحي ويؤكد أن السياسة عندنا صارت احترافا وليس التزاما أخلاقيا ولا سياسة شعبية.

لا أدري من اختار تسمية "أم المظاهرات"، لكن واضح أنه متأثر بإعلام أحمد سعيد في مصر الستينيات. شعار تعبوي يخلط بين الشرف (الأم) والعضلات أو الكبرياء (التظاهر)، لكنها على أرض الواقع كانت مظاهرة عادية ومهمة، ويجب أن تكون "أم البدايات" وليس "أم المظاهرات".

المعركة الأساسية ضد "قانون القومية" هي ميدان بلداتنا لمخاطبة الناس وشرح مخاطر القانون عليهم وعلى مستقبلهم. ليس عبر الشاشات ولا عبر "الواتسابات". "أم البدايات" لإسقاط نظام التمييز العنصري وليس فقط حكومة اليمين برئاسة نتنياهو.

لن تجدي مظاهرة في تل أبيب طالما بقيت أسواق الناصرة مفتوحة في اليوم ذاته، ولن تجدي طالما بقيت يافا ساحة خلفية للمدينة اليهودية البيضاء، وليس في مقدمة النضال، لكن من يذكر يافا بغير رحلات نهاية الأسبوع أو مواسم الانتخابات.

"قانون القومية" هو تجسيد لهذا الواقع، طمس المدينة الفلسطينية وإعلاء شأن المدينة اليهودية البيضاء العنصرية، التي تبدو للعالم وكأنها متنفس للجميع، عربا ويهودا، لكنها لا تستوعب إلا من هم على شكل سكانها البيض.

لتكن المظاهرة القادمة في يافا...

اقرأ/ي أيضًا | راهنية دولة كل مواطنيها