ما زال "قانون القومية " الخطير يتصدر المشهد السياسي ويثير اهتمام الرأي العام في البلاد وخارجها، ويلقي بأصدائه في كل موقع ومكان. وكنا قد أشرنا في مقالة سابقة تحت عنوان "نحن وقانون القومية" الى ماهية القانون ودلالاته وأبعاده، كما أشرنا إلى ماذا ينبغي علينا كمجموعة أصلانية أن نفعل في هذا السياق، في جبهات متعددة وبأساليب واليات متنوعة.

وقد نشرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، أمس الثلاثاء، أن لجنتي الإعلام والعمل الشعبي وضعتا برنامج "عمل كفاحي"، احتجاجا على سن "قانون القومية" العنصري. وأوضحت اللجنة في بيان صحافي، أن البرنامج يشمل تقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية، ومسيرة مركبات إلى مقر الكنيست، وتنظيم تظاهرات عند مفارق الطرق في بعض البلدات العربية وتوقيع عريضة ونشر وثيقة موقف حقوقي وسياسي، ومؤتمر صحافي في تل أبيب ومظاهرة في تل أبيب وغيرها من النشاطات.

أعتقد أن هذه النشاطات مهمة ولا يمكن التقليل منها (بالرغم من أنه يمكن مناقشة مدى نجاعة بعضها في هذه المرحلة)، ولكنها غير كافية ولا ترقى إلى مستوى التحدي، بل على العكس، قد تخلق انطباعا وشعورا لدى الكثيرين بأنها مكرورة ومألوفة، إذ أنها لم تحقق إنجازات جوهرية وتغييرات منشودة في الماضي، بل بقيت مقصورة على إعلان موقف "وفشة غل" وتعبير عن "حالة غضب"، وما هي إلا استمرار لنفس نهج الاحتجاج المعهود، الذي لا يشكل تحديا حقيقيا للمؤسسة. ولذلك من الضروري ونتيجة لتغير وتردي الأوضاع والممارسات الإسرائيلية العنصرية، التي تؤسس وبشكل دستوري لفصل عنصري وتمييز وتفوق عرقي وسلب الحقوق الطبيعية والأساسية، والقضاء على الطموحات الوطنية العربية والفلسطينية أن تتغير وتتطور وتستحدث آليات نضال جديدة، سواءً بشكل عام أو من أجل مواجهة قانون القومية بشكل خاص. جزء من هذه الآليات قد تستخدم الآن وجزء منها في مراحل متقدمة.

من أجل وضع إستراتيجية نضال، يجب التفكير بشكل معمق ومدروس وفحص ما هي نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص والتحديات لدى جميع الأطراف المتداخلين؟ وما هي الآليات السلمية الممكنة؟ (ويجب عدم تحييد أي الية سلمية بما فيها العصيان المدني)، والاهتمام بأن يحقق النضال أهدافه. ويجب على القيادة إدراك خصوصية اللحظة التاريخية والمخاطر التي ستنتج عن هذا القانون، والذي يشكل "دستور الدولة" و"الأعلى" من بين قوانينها. في حالة عدم وجود موائمة وتلاحم بين الجماهير وبين القيادة في الأهداف والآليات، يبقى النضال معطوبا ومنقوصا وباردا، ونحن في مرحلة لا يعول بها، بالأساس، إلا على الجماهير ومدى صمودها وثباتها وتماسكها وثقتها بنفسها وبقيادتها.

من هذا المنطلق، وبالإضافة إلى الخطوات والفعاليات التي اتخذتها لجنة المتابعة، بودي المساهمة ببعض الاقتراحات العملية لمواجهة القانون وتعزيز وتدعيم النضال بشكل عام، وهي قابلة للنقاش والنقد.

1) يترتب على لجنة المتابعة نشر الأفكار المركزية التي وردت بالتصور المستقبلي، والذي نشر في العام 2006 كوثيقة تمثل المجتمع العربي وتترجم على صفحة واحدة للعبرية والانجليزية ولغات أخرى، وتكون الموازية والمقابلة والبديلة لقانون القومية، لما تحويه وثيقة التصور المستقبلي من ثوابت وطنية مثل الحق بتقرير المصير، الحقوق الجماعية، أقلية وطن، الاعتراف بالنكبة وتحمل مسؤوليتها، الديموقراطية التوافقية كنظام حكم، المساواة القومية والمدنية الكاملة وإنهاء الاحتلال وحقوق اللاجئين والمهجرين وقضايا الأرض إلخ، ومن الممكن بطبيعة الحال، بجهد جماعي وبتوافق الإضافة إليها.

2) تجميد عضوية النواب العرب بالكنيست، وعدم الاستقالة في هذه المرحلة، كوسيلة احتجاج وضغط، وفي المقابل اعتبار لجنة المتابعة في حالة انعقاد دائم وحضور النواب في الكنيست وممثلي الأحزاب والحركات ورؤساء المجالس يوميا للجنة المتابعة، واعتبارها مركز لخلق الأحداث.

3) التواصل مع الفلسطينيين في الضفة وغزة وفي مناطق اللجوء، وإصدار موقف فلسطيني مشترك يرفض القانون ويؤكد على الحقوق والثوابت الفلسطينية، لأن القانون لا يستهدف الفلسطينيين في الداخل فحسب، بل يستهدف كافة أبناء الشعب الفلسطيني. الشروع في تداول ومناقشة سيناريوهات بديلة لحل الصراع بعد سقوط خيار أوسلو وخيار حل الدولتين.

4) رفض البدائل لتعديل القانون، بل التأكيد على شطبه وإبطاله.

5) تجنيد مجموعة كبيرة من المثقفين لكتابة مقالات في الصحف والمواقع العبرية جميعها، وباللغة الإنجليزية ولغات أخرى في العالم، تعبر عن موقفنا وتناقش وتتحدى بثقة ولدينا العديد من الطاقات والقدرات البشرية والمهنية العربية، والتعاون مع الجمعيات الأهلية من أجل التأثير على الإعلام بكافة وسائله.

6) يترتب على لجنة المتابعة أن تبقى في الواجهة وفي صدارة النضال والمبادرة، وأن تعمل على التواصل مع كافة الأطراف الوطنية من جميع المشارب والطوائف من أبناء شعبنا، وتأكيد التماسك العربي ورفض سياسة التجزئة وعدم السماح بسحب البساط من تحت قدميها، أو سيطرة الخطاب العسكري الانتهازي ومن يدعون إلى تعديل القانون، أو للذين يدورون في فلك السلطة والأحزاب الصهيونية، والذين يتمسكون بما ورد في ما يسمى "وثيقة الاستقلال" وتعريف "يهودية وديموقراطية"، وأن يتصدروا العمل السياسي والمشهد الإعلامي.

7) الإعلان (ولو تصريحا حاليا) برغبة المتابعة في أجراء انتخابات مباشرة لقيادتها وتأسيس المجلس الأعلى للجماهير العربية.

8) التواصل مع القوى اليهودية المتنورة والديموقراطية، ولو كانت قليلة، والتشاور والعمل معها من أجل خوض نضالات مشتركة.

9) الإعلان عن البدء في مشروع عودة مهجري الداخل الى أراضيهم في القرى المهجرة.

10) بلورة إستراتيجية عمل دولية متكاملة وجماعية تدرس من خلالها طبيعة علاقة كل مؤسسة دولية، أو مجموعة أو دولة مع إسرائيل والعمل على دفعها للتأثير، والعمل بشكل منهجي ومتواصل للضغط على الحكومة الإسرائيلية.

11) تعزيز حضور اللغة العربية في الحيز العام العربي والمشترك (وقد نشرنا في السابق عدة مقالات مفصلة بهذا الصدد).

اقرأ/ي أيضًا | الاستقالة من الكنيست: القرار للأحزاب وليس للنواب

اقرأ/ي أيضًا | مطلوب السماح بالتفكير بالاستقالة ومقاطعة الكنيست