تتزايد في الآونة الأخيرة الدعوات التي تطالب نواب القائمة المشتركة بتقديم استقالة جماعية من الكنيست، احتجاجا على إقرار الأخيرة لما يسمى بـ"قانون القومية" العنصري، وهي دعوات تعاظمت في ضوء حالة "اللا حول ولا قوة" التي ميزت ردة فعل النواب العرب حيال إقرار القانون المذكور، وبالتوازي مع استقالة عضو الكنيست من حزب "العمل" زهير بهلول.

وإذا كان إقرار "قانون القومية" هو "القشة التي قصمت ظهر البعير"، فإن تلك الدعوات هي امتداد لتضاؤل خراج العمل البرلماني، في ظل حالة التمدد اليميني التي تكتنف المجتمع الإسرائيلي ونجاح عملية نزع الشرعية السياسية عن النواب العرب، في ظل حالة التطابق الكامل بين يهودية الدولة وصهيونيتها.

تلك الحالة المتفاقمة، والتي تقضم منذ سنوات من مساحة المناورة التي يتمتع بها النواب العرب، باتت تقلص إلى حد بعيد من دائرة نشاطهم وتأثيرهم االسياسي وتدفع بمجمل عملهم البرلماني إلى طريق مسدود وتطرح بإلحاح السؤال حول جدوى البقاء في الكنيست.

ولكن لكي لا تختلط الأوراق، يجب أن نميز بين استقالة عضو عربي من حزب صهيوني، مثل زهير بهلول من الكنيست، وإن كنا نرى أنها محمودة بغض النظر عن خلفيتها إذا كانت مرتبطة بالاستقالة من الحزب الصهيوني المذكور أيضا، وبين استقالة جماعية لأعضاء الكنيست من القائمة المشتركة.

فاستقالة بهلول هي حالة فردية تعاني الكثير من التناقض الداخلي القائم بمجرد وجود مواطن عربي "بالغ عاقل" في حزب صهيوني ويمثله في الكنيست، ونحن لا نرى به بأي حال صبرة في حلوقهم كما كتب البعض، بل ورقة توت تستر عورتهم. هذا في حين أن استقالة أعضاء القائمة المشتركة، إذا ما خرجت إلى حيز التنقيذ، فستكون تعبيرًا عن رد فعل جماعي منظم يندرج في كيفية تعاطي جماهيرنا مع مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الكنيست، وفي تعاملها مع أسلوب النضال البرلماني الذي دأبت غالبية أحزابها على ممارسته.

وبالرغم من أننا لا نبتغي التقليل من أهمية استقالة عضو الكنيست زهير بهلول، ولا التشكيك بمشاعره التي عبر عنها خلال مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، ولكن إذا كانت الاستقالة ستسعفه في الإفلات من سؤال حفيده في موضوع "قانون القومية"، كما قال، فماذا سيكون جوابه عندما يسأله حفيده، لماذا رضيت أن تكون عضو كنيست عن حزب صهيوني قتل 13 من زهرات شبابنا في هبة القدس والأقصى في العام 2000، وستة آخرين في يوم الأرض في العام 1976، والمئات من في الانتفاضة الأولى والثانية والآلاف في حروب 1956 و67 و73 وحروب لبنان وغزة، وتسبب بنكبة شعبنا وتهجير مئات الآلاف من أبنائه وتدمير قراهم والاستيلاء على بيوتهم العامرة، في يافا واللد والرملة وحيفا وبلدك عكا؟

أما في موضوع أعضاء الكنيست من القائمة المشتركة، فاعتقد أن ما يغيظ الناس العاديين والأكاديميين والمثقفين الذين وقعوا عرائض تطالب باستقالتهم، هو ما يلمسونه بما يمكن وصفه بـ"التصاق أعضاء الكنيست كأحزاب وأفراد بكراسيهم في الكنيست"، وهو التصاق لا فكاك منه "حتى لو خربت الدنيا" كما يقال بلغة الشارع، فـ"الحزب الثوري" و"القائد المناضل" أصبح ماركة قديمة وحلت محله موديلات وأنماط "كنيستية" إن صح التعبير، بات البعض يعتقد أن الطريق الوحيدة للخلاص منها هو الخلاص من الكنيست ذاتها.

بمعنى أن الالتصاق بشكل "متطرف" وغير مبرر بكرسي الكنيست، مهما حصل، والذي يحول حتى دون التلويح بالاستقالة في حالات معينة مثل الحالة الراهنة (إقرار "قانون القومية")، هو ما يقود إلى رد فعل "متطرف" إن صح التعبير، يتمثل بالالحاح على الدعوة للاستقالة من الكنيست لدى كل محطة من هذا النوع، وهي دعوة ربما يعرف أصحابها سلفا أنها ستواجه بالرفض وبمزيد من تمسك الأحزاب وأعضاء الكنيست، بتفاوت معين، بكراسيهم.

هذا النوع من الاستقطاب يصعب من مناقشة مسألة الاستقالة بروية وموضوعية وبما يجلب الفائدة القصوى للقضية ذات العلاقة، وإخضاعها لميزان الربح والخسارة، خاصة وأن عملية الاستقالة تندرج في نطاق قضية المقاطعة التي يتناولها البعض بنظرة قاصرة ووحيدة الجانب، تحول دون جواز وربما ضرورة استخدامها وبشكل جماعي كنقيض ورديف للنضال البرلماني، وحتى إدراك أن استعمالها يشكل في بعض الحالات ضرورة لتنجيع هذا النضال وتجديد حيويته.

ولا ينفي ذلك، بالتأكيد، إمكانية المقاطعة التامة للكنيست، إذا ما توصلنا لنتيجة أن مثل هذا الأسلوب وصل إلى طريق مسدود، وأن الثمن الذي ندفعه لقاء وجودنا في تلك المؤسسة أكبر من الفائدة التي نجنيها من وجودنا هناك، علما أن تلك المقاطعة يفترض أن تكون مشروطة بتوفير بنى وأطر بديلة تحتوي عملنا السياسي واستنباط أساليب نضالية أكثر جدوى ونجاعة من تلك.

وفي كل الحالات، فإن الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في هذا المضمار هي وضع مسألة تقديم أعضاء الكنيست العرب من القائمة المشتركة استقالة جماعية، على جدول أعمال لجنة المتابعة لمناقشتها واتخاذ قرار بشأنها، وهي خطوة على ضآلة شأنها تمثل كسرا لـ"تابو" الكنيست، وتضع مجددا جميع الخيارات النضالية على الطاولة.

اقرأ/ي أيضًا | الاستقالة من الكنيست: القرار للأحزاب وليس للنواب