اعتاد الكاتب والأديب الفلسطيني الراحل، إميل حبيبي، في سنواته الأخيرة قبل رحيله، على ترديد مقولة "ضُللنا وضَللنا" في إشارته إلى التغيير في موقفه من الاتحاد السوفيتي، وتأييده لسياستي الغلاسنوست (الانفتاح) والبريسترويكا (إعادة البناء)، بعد أن أطلقهما ميخائيل غورباتشوف في مطلع التسعينات، في سنوات الاتحاد السوفيتي الأخيرة. وهدف الكاتب إميل حبيبي في تكراره لتلك المقولة إلى التحذير من تداعيات ومخاطر عدم الصدق وانعدام الشفافية في التعامل مع الجمهور العريض وإخفاء الحقيقة عنه، أو على الأقل تجميل الواقع حتى لا يكون صادمًا.

وفي هذه النقطة من استحضار مقولة إميل حبيبي، أجدني مدينًا بالاعتذار للقراء، عن خطأ في مقالتي الأخيرة (الاستقالة من الكنيست... القرار للأحزاب وليس للنواب)، عند استعمالي مصطلح " تعليق عضوية"، حيث تبين لي لاحقًا أنه لا وجود له أصلا في سياق العمل البرلماني في الكنيست، وإن كنت استخدمته في إشارتي إلى مقترح قدمه التجمع الوطني الديمقراطي، ضمن سلسلة خطوات اقترحها التجمع في مواجهة قانون القومية.

وأرى من واجبي، تجاه القراء، هنا التوضيح مجددا أنه لا يوجد بموجب قانون أساسي الكنيست إجراء بتعليق عضوية الكنيست من قبل عضو الكنيست نفسه، وأن ما هناك، هو وبموجب قرار إما من لجنة الكنيست أو لجنة السلوكيات "إبعاد مؤقت" عن الكنيست، مثلا في حالة تحقيق جنائي، أو إبعاد عن الجلسات دون منع عضو الكنيست من حق المشاركة في التصويت (كما حدث أكثر من مرة مع نواب التجمع ولا سيما النائبة حنين زعبي)، أو فصل نهائي من الكنيست بقرار أغلبية 90 عضوا وفقا لقانون الإبعاد الذي سن حديثًا.

وبرأيي، فإنه من المهم جدًا أن نكرر توضيح أنه لا وجود قانونيا أو رسميا أو دستوريا لمصطلح "تعليق عضوية" بمبادرة النواب أنفسهم ، خصوصًا في ظل صدور بيان جديد، اليوم، نشره أيضا الصديق والزميل وديع عواودة ضم تواقيع العشرات من مثقفين وأكاديميين ومناضلين فلسطينيين من الشتات ومن الضفة الغربية وحتى قطاع غزة جاء فيه :" دعوة النواب العرب أعضاء الكنيست إلى تعليق عضويتهم جماعياً، قبل مظاهرة السبت، أو في إطار المظاهرة في اليوم المذكور". وكان البيان الأول الذي نشره أيضا الصديق وديع عواودة ووقع عليه العشرات أيضًا (لم يكن بينهم أعضاء كنيست)، نشر بتاريخ 2 آب/ أغسطس، استخدم تعبير تعليق (استقالة) العضوية من الكنيست: "تعليق عضوية نواب المشتركة (استقالة) في الفترة المتبقية من الدورة الحالية للكنيست وخلال هذه المدة بناء ’برلمان’ ظل شعبي كأداة لمواصلة الاحتجاج...".

لا شك أن خطوة مجموعة المثقفين والناشطين الموقعة على البيانين، الأول والثاني، هي خطوة في الاتجاه الصحيح لإحداث نقاش وجدل في داخل المجتمع العربي في الداخل، لكن مع ذلك يفترض فيها تحديد المصطلحات بدقة وعدم ترك مصطلحات من شأنها أن تفيد بإجراء معين غير قائم (خاصة أن مصطلح تعليق العضوية قد تكون له دلالة أخرى أو تصور مغلوط لمعناه عند بعض من وقعوا عليه من الفلسطينيين من الشتات، وحتى من الضفة الغربية وقطاع غزة)، بدلا من الإشارة الصريحة للإجراءين الممكنين في هذا السياق، أي مقاطعة الجلسات عبر إعلان ذلك بشكل واضح وجلي للجميع، وقد يكون هذا قصد أصحاب البيان في دعوتهم النواب إلى تعليق جماعي قبل مظاهرة السبت المقبل في تل أبيب، أو الاستقالة الرسمية والفعلية مما تبقي من مدة الكنيست الحالية.

هذا التغيير في لهجة البيان الجديد وإهمال البيان الثاني لما قاله البيان الأول بشأن إقامة برلمان ظل (وقد يكون غير مقصود)/ يشير أيضا إلى حالة البلبلة وعدم الدقة في تعامل لجنة المتابعة وأعضاء الكنيست في القائمة المشتركة، إعلاميا مع الجمهور العريض، في كل ما يتعلق بالخطوات القادمة، بدءًا من عقد جلسات مغلقة ومنع الصحافة من دخولها وتغطيتها (جلسة لجنة سكرتارية المتابعة، وجلسة لجنة نواب المشتركة في حيفا)، وانتهاء في التغييرات وعدم الوضوح بشأن طبيعة المظاهرة المقررة ليوم السبت القريب؛ هل هي مثلا مظاهرة عربية يشارك فيها مواطنون يهود تقدميون، أم هي مظاهرة عربية - يهودية مشتركة، وهناك فرق بين الاثنين، فإذا كانت مظاهرة عربية يشارك بها متضامنون يهود فإن من له الحق تحديد شعاراتها وأعلامها هو لجنة المتابعة وحدها من خلال التشاور والتنسيق بين مخلف مركباتها. أما إذا كانت مظاهرة يهودية - عربية مشتركة، فمن حقنا أن نعرف من هي الأطراف الأخرى المشاركة معنا، ومن حدد هويتها، وقبل بمشاركتها، وتحت أي شروط وأي سقف.

ومنعًا للالتباس، فإنني لا أعارض مشاركة قوى يهودية سواء كأفراد أو كجماعات وحركات في مظاهرة مشتركة، ولكن يحق لنا أن نعرف من هي الأطر والحركات الأخرى المشاركة، وهويتها وبرامجها. هذا يتيح لنا بالتالي أن نحدد وأن نعرف ما هو السقف، أو الحد الأدنى المشترك الذي يمكن لنا أن نصل إليه مع هذه الحركات، كي لا نجد نفسنا في ميدان رابين، نتظاهر إلى جانب حركات تؤيد جوهر القانون وممارساته لكنها ترفض فقط إشهاره. وسيحول هذا دون وضع تقرر لنا هذه الحركات لمجرد مشاركتها بما يرضي "ليبراليتها" الشعارات التي يمكن رفعها في المظاهرة. وهذا يقود إلى وجوب مصارحة الناس حول الجهة التي أقرت منع رفع العلم الفلسطيني في قلب ميدان رابين ومبرراتها لذلك، لا سيما أن المظاهرة تهدف، كما هو معلن أصلا، إلى رفع رسالة هويتنا الوطنية وانتمائنا القومي في مواجهة قانون القومية اليهودية.

لهذا كله، ينبغي على لجنة المتابعة والأحزاب السياسية الفاعلة اعتماد مبدأ الشفافية والصراحة مع الناس إذا كانت تريد للناس أن تتكاتف معها وأن تلتف حولها، وأول ما يفترض في هذه الأحزاب ولجنة المتابعة أن تصارحنا بكيفية اتخاذ القرارات، وهل حقا تملك بعد عشرين يومًا على سن القانون تصورًا لما هو آت، أم أننا سننتقل من خطوة لأخرى تبعًا للتطورات.