أظهر استطلاع جديد أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية (9/9/2018)، عشية رأس السنة العبرية الجديدة، أن هناك ازديادًا مضطردًا في أعداد المتدينين اليهود، ولا سيما في أوساط الشبيبة.

ووفقًا لما ورد في مقال تحليليّ للاستطلاع، كلما كان اليهودي في إسرائيل، طبعة 2018، أصغر سنًّا كان أشد تديّنًا ومحافظة، وكان مستعدًّا أكثر لفرض دينه وآرائـه بالإكراه على الآخرين، فمثلًا أبان الاستطلاع أن 65% من اليهود الإسرائيليين عمومًا يؤيدون فتح المحال التجارية أيام السبت، لكن نسبة هؤلاء بين الشبان أبناء 18-24 عامًا تنخفض إلى 51% فقط، في حين أنها ترتفع بين أبناء 65 عامًا فما فوق إلى 84%.

وبموجب الاستطلاع، فإن نحو نصف اليهود الإسرائيليين مقتنعون بأن حقهم في فلسطين مستمدٌّ من الوعد الإلهي، و56% منهم يؤمنون بأن اليهود شعب مختار. وهذا يعني أنه، فيما يتعلق بقضية فلسطين وأفق حلّها، يتخذ الصراع في الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية طابعًا دينيًا أكثر من أي طابع آخر، قد يحيل إلى مواقف سياسية أو أمنية بالإمكان التوصل إلى تسوية بشأنها.

ولا يجوز قراءة هذا الاستطلاع في منأىً عن استطلاعات وتقارير وتحليلات سابقة تطرّقت، من ضمن أمور أخرى، إلى ما أسمي "موت العلمانية في إسرائيل". وهي تستند إلى نتائج توصّل إليها خبراء ديموغرافيون بخصوص عدد المتدينين اليهود في إسرائيل، وتوقعت أن تتحوّل هذه، في مستهل العقد الثالث من القرن الحالي، إلى دولة دينية، يتمتع فيها المتدينون اليهود بتفوّق، من حيث الوزن العددي والاجتماعي والثقافي والسياسي، ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى موجةٍ كبيرةٍ وواسعةٍ من هجرة العلمانيين منها. وشكلت معدلات التكاثر الطبيعي تكئة لبعض هذه التوقعات، للإشارة إلى أن المتدينين اليهود من جميع الاتجاهات سيشكلون نحو 53% من مجمل سكان إسرائيل في عام 2034، وإلى أن ما بين 33% حتى 40% من مجمل سكانها في عام 2059 سيكونون من اليهود الحريديم، المتشدّدين دينيًا.

ويلفت المقال التحليليّ في "هآرتس" إلى أن ثمّة تيارًا علمانيًا في إسرائيل، بكل شرائحها، لكن في الوقت عينه يؤكّد أن هذا التيار يشعر اليوم بأنه أقلية لأسباب كثيرة، ليس أبسطها أن خليط الدولة والدين والقوموية آخذٌ في إحكام الحصار حوله. ويتسبّب هذا الحصار في موجة هجرة أعدادٍ آخذةٍ بالازدياد من العلمانيين اليهود خلال الأعوام الأخيرة، مرتبطة هي أيضًا بالتطرّف القوموي ـ اليميني المتصاعد باستمرار، إلى جانب اعتداءات وانتهاكات أخرى كثيرة تطاول الديمقراطية، وسلطة القانون، وحقوق الأقليات، وقيمًا أوهموا أنفسهم بأن دولة الاحتلال قامت على أساسها.

ولدى بدء الحديث عن هجرة العلمانيين هذه، قبل عدة أعوام، قال أحد الحاخامين اليهود، ردًّا على سؤال فيما إذا كان يعتقد أن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى علمانيين، إنه لا يعتقد فعلًا أنها بحاجة إليهم. وأضاف أنه بنظرة إلى الوراء يمكن الجزم بما قاله الحاخام كوك (أبراهام كوك، الحاخام الأكبر الأول لليهود الأشكناز في فلسطين، وبرز في محاولاته تقريب الصهيونية إلى المتدينين) بأن دور العلمانية كان ضروريًا في المرحلة التي لم تكن فيها اليهودية قادرةً على تدبّر أمور إدارة الدولة والجيش. أما وقد أصبح المتدينون يحتلون جميع هذه المواقع، فبالإمكان القول إن العلمانية أنهت مهمتها التاريخية، وكل ما قامت به يستطيع القيام به اليوم أشخاص متدينون، ونظرًا إلى أنها تقود إلى نوع من التدمير الذاتي، فالأجدى الانتقال إلى المرحلة التي تليها، والتي تكون فيها الدولة أكثر تديّنًا ويهودية.

وتُنحي أوساط من العلمانيين باللائمة على جيل المؤسّسين، وتتّهمه بالفشل في تقدير أهمية الدين وقوته، وبتبنّي الاعتقاد أنه سينحسر ويذوي عند مواجهة الحداثة العلمانية. وفات هذه الأوساط نفسها أن سياق الدين في الحالة الإسرائيليّة والصهيونيّة مختلفٌ تمامًا عن ظاهرة عودة الدين إلى المجال العموميّ في العقود الأخيرة، نظرًا إلى أن تلك الحالة تديينية أصلًا.

(العربي الجديد)

اقرأ/ي أيضًا | إشكالية الديمغرافية اليهودية: "من هو اليهودي؟" بلا إجابة