بنت الحركة الصهيونية أيديولوجيتها على أساطير التوراة، التي تعتبر بنظر الكثيرين أنها نصوص دينية. ومع تطور الفكر الصهيوني، راح منظرو الصهيونية وقادتها ينسجون خرافات فوق الأساطير. وتوصل الباحثون في "التاريخ التوراتي" إلى أنه تم وضع نصوص التوراة، التي تتناول فترات تاريخية تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد، في فترة متأخرة، في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد، بادعاء خدمة غايات وقت كتابة هذه النصوص. واستند كتبة التوراة إلى روايات شفوية متناقلة لحكايات وأساطير شعبية، جزء كبير منها مستوردة إلى فلسطين، أو أرض كنعان.

في العصر الحديث، سعى المؤرخون وعلماء الآثار الصهاينة إلى إعادة كتابة التاريخ، أي تغيير الحقائق التاريخية، مناقضين بذلك حتى النصوص التوراتية. ولا يتجلى هذا التزوير للتاريخ من خلال "قانون القومية" الذي أصرّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على سنه، الشهر الماضي، وإنما من خلال "وثيقة الاستقلال" أيضا، التي قرأها رئيس حكومة إسرائيل الأول، دافيد بن غوريون، يوم الجمعة، 14 أيار/مايو العام 1948، معلنا قيام دولة إسرائيل.

واعتبر الكثير من الإسرائيليين الذين انتقدوا سن "قانون القومية" أنه لا حاجة له، خاصة بوجود "وثيقة الاستقلال"، بزعم أنها تمنح المساواة لجميع سكان إسرائيل بدون تمييز في الدين، العرق، أو الجنس. وخلال الجلسة الخاصة التي عقدتها الهيئة العامة للكنيست لمناقشة "قانون القومية"، يوم الأربعاء الماضي، رفعت مجموعة من مؤيدي كتلة "المعسكر الصهيوني" في مدرج الضيوف نسخا من "وثيقة الاستقلال" من أجل القول إنه لا حاجة إلى القانون العنصري الجديد.

كذلك أشار ناشر صحيفة "هآرتس"، عاموس شوكين، إلى "وثيقة الاستقلال"، معتبرا أنها تضمن أن إسرائيل "تدأب على ترقية البلاد لصالح سكانها جميعا، وتكون مستندة إلى دعائم الحرية والعدل والسلام مستهدية بنبوءات أنبياء إسرائيل. تقيم المساواة التامة في الحقوق اجتماعيا وسياسيا بين جميع رعاياها من غير تمييز في الدين والعرق والجنس". وبذلك يعتبر شوكين وغيره من المعارضين لـ"قانون القومية" أن بإمكان "وثيقة الاستقلال" تحقيق المساواة لجميع المواطنين في إسرائيل. وهذا الزعم غير صحيح ومناقض للواقع. إذ أنه في الأشهر التي سبقت وتلت صدور هذه الوثيقة، ارتكبت الميليشيات الصهيونية المجازر الرهيبة بحق الفلسطينيين، ونفذت عمليات طردهم من وطنهم، وفرضت الحكم العسكري على الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم.

هذا يعني، بالنسبة للمواطنين العرب في إسرائيل، أن مسألة المساواة وعدم التمييز ضدهم في "وثيقة الاستقلال"، هي كذبة كبيرة تحاول إسرائيل الترويج لها، بينما هي مارست السياسات العنصرية والقمعية والاقتلاعية بحق الأقلية الفلسطينية، منذ قيامها وحتى اليوم، ويبدو أن هذه السياسات ستتواصل، لدرجة أن العالم يدينها.

من جهة ثانية، ومثل "قانون القومية" تماما، سعت "وثيقة الاستقلال" إلى تزوير التاريخ والترويج للخرافات الصهيونية المبنية على الأساطير التوراتية. والكلمات الأولى في "الوثيقة" هي أنه "نشأ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل". والكلمات الأولى في "قانون القومية" هي أن "أرض إسرائيل هي الموطن التاريخي للشعب اليهودي".

لكن هذا الادعاء ليس صحيحا تاريخيا، وهو أيضا ليس صحيحا حتى وفق "التاريخ التوراتي"، من دون الدخول في تاريخ اليهود، كجماعة دينية، قبل ألفي عام أو أكثر، والرواية الصهيونية المزعومة لهذا التاريخ، والتي يفندها مؤرخون وعلماء آثار يهود.

ويؤكد على زور الرواية الصهيونية، في هذا السياق، الباحثان في التاريخ اليهودي يونتان ودانييل بويارين في مقالهما بعنوان "لا وطن لإسرائيل". ويقولان إن "القصة التوراتية ليست قصة ولادة في البلاد، وإنما قصة من جاء دائما إلى البلاد من مكان آخر".

ويضيف المؤرخ والكاتب عوفري إيلاني، في صحيفة "هآرتس"، قبل أقل من أسبوعين، أنه "وفقا للتوراة، أرض الميعاد لم تكن موطن إبراهيم، الذي جاء من أور (في العراق)، ولا موطن بني إسرائيل، الذين جاؤوا من مصر. ولا يمكن الاعتماد، من جهة، على الوعد الإلهي بوراثة البلاد، ومن الجهة الثانية، التحدث عنها أنها ’موطن’؛ التناقض هنا واضح. والتاريخ المعروف يدل أيضا على أن الشعب اليهودي الحقيقي، بصورته المعروفة اليوم، وُلد في الشتات وليس في أرض إسرائيل".