تصرف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعد عملية الكنيس في القدس، كمن يواجه أزمة كبرى، ألقى خطابا ناريا للأمة تعهد فيه بتحقيق الانتصار ودعاهم للوحدة في مواجهة الأزمة، واقترح تشكيل حكومة طوارئ وطنية، وبدا كأنه في خضم حرب طاحنة مع عدو متكافئ القوى.

لكن في حقيقة الأمر، ما يواجهه نتنياهو هو ردود فعل فلسطينية محدودة على سياسة إسرائيل التي تتمثل بالاستيطان والتهويد واضطهاد الشعب الفلسطيني وانتهاك مقدساته.  ويواجه آثار حالة الإنكار المتفاقمة لحقوق الفلسطينيين وتبعات سياسة  الاستعلاء العرقي التي ينتهجها.

ردود الفعل تلك قد تكون غير محسوبة، وقد تكون مدفوعة بغرائز أكثر من كونها مدفوعة ببرنامج سياسي، لكن بالنهاية يجب أن يلتزم المقاوم بأخلاقيات المقاومة حتى لو كان الاحتلال بلا أخلاق. والمسؤولية في نهاية المطاف تقع على المحتل الغاصب وممارساته القمعية .

 ما يواجهه نتنياهو هو انعكاس للعنصرية التي استشرست في الشارع الإسرائيلي والتي يغذيها هو أقطاب حكومته وشركاؤه في اليمين، ودأبه المستمر على طمس الحقائق وتشويهها من خلال المضي في تهويد المكان وإسقاط الحاضر المفروض بالقوة على التاريخ بأثر رجعي.

ما نشهده اليوم هو إمعان في الإنكار، ومغالاة في التطرف، ونرى صورة واضحة المعالم  لغطرسة الباغي الذي يبحث عن أي سبب لتشويه نضال الفلسطينيين وإدانتهم  متجاهلا جرائمه التي ارتكبها ويرتكبها بحقهم.

بالنسبة لنتنياهو كل رد فعل على سياسة إسرائيل الاستيطانية الإقصائية هو اعتداء قائم بحد ذاته منفصل عن الواقع ولا علاقة له بما يرتكبه الاحتلال، والاحتجاجات الفلسطينية دائما مدفوعة بأهواء ونزعات متطرفين ومحرضين معادين لإسرائيل المسالمة هكذا عبثا.

تتصرف إسرائيل كقبيلة بدائية تحكمها غرائزها فتطوع القوانين لنزعات متطرفيها. وباتت العنصرية فيها هي القاعدة لا الاستثناء، لا أحد يخجل بها أو يجد فيها حرجا. والتيار الذي كان على هامش المجتمع في تسعينات القرن الماضي وكان خارجا عن القانون بات التيار المركزي في إسرائيل، وهو التيار المهيمن الذي يفرض منظومة القيم السائدة.

بدل مراجعة سياساتها  تزداد إسرائيل عتوا وتغالي في صلفها، وتصعد من ممارساتها  القمعية وفي فرض العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين بما في ذلك هدم منازل من  أعدمتهم ميدانيا، وهي لا تدري أنها بذلك تصنع بيديها جيلا جديدا من المقاومين ضدها. 

بلغت العنصرية الإسرائيلية ذروة جديدة، وهي ماضية بجموح يأكل الأخضر واليابس ويتفشى كالوباء. ذات يوم ستكتوي إسرائيل بنار ما صنعته يداها، وحتى ذلك الوقت هي تعزز يوما بعد آخر حقيقة كونها ظاهرة غير طبيعية لا يمكن أن تدوم.