نشرت خلال الأسبوع الجاري نتائج استطلاعين منفصلين لكنهما يعكسان عقلية واحدة، عنصرية استعلائية وصائية. الأول، استطلاع واسع أجراه مركز 'بيو' الأميركي، والذي أظهر أن نصف اليهود في إسرائيل يؤيدون ترحيل المواطنين العرب. أما الاستطلاع الثاني، وهو الذي نشرت نتائجه القناة الإسرائيلية الثانية أمس الخميس، وحاولت من خلال الإيحاء بالتضليل وكأن أكثر من 50 في المئة من المواطنين العرب يعتقدون أن القائمة المشتركة لا تمثلهم.

رغم خطورة نتائج الاستطلاع الأول، إلا أن معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية اختارت صباح اليوم الجمعة تناول استطلاع القناة الثانية وتكرار الادعاءات الممجوجة بأن نواب القائمة المشتركة لا يمثلون المواطنين العرب، رغم أن نتائج الاستطلاع الحقيقية تظهر أن أكثر من 70 في المئة من المستطلعين قالوا إن القائمة المشتركة تمثلهم وإن بدرجات متفاوتة، وهو الرقم الذي حاولت القناة الإسرائيلية التلاعب فيه بشكل واضح. كما تجاهل مروجو هذه الادعاءات معطى هام وهو أن 65 في المئة يؤيدون لقاء نواب التجمع في القائمة المشتركة بأسر الشهداء المقدسيين الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم منذ أكثر من 4 أشهر.

وبدلا من تناول النتائج الخطيرة لاستطلاع 'بيو' والتي تؤكد أن حكم اليمين في العقد الأخير يأتي 'ثماره' وأن منسوب العنصرية والعداء للعرب في ارتفاع مستمر (يجب الالتفات إلى أن الاستطلاع أجري قبل الهبة الأخيرة وفي عام 2014، ولو أجري اليوم لكانت نتائجه أسوأ بكثير)، اختار 'صناع الرأي' في إسرائيل من سياسيين وإعلاميين الهتاف بأن 'كل العرب سواسية' وأن الوجه الحقيقي لمن كان حتى فترة وجيزة 'الوجه المعتدل' في القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، قد انكشف وأنه لا يختلف في الحقيقة عن 'المتطرفة' حنين زعبي، وذلك في أعقاب نشر الجبهة والتجمع بيانين أدانا فيهما قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار 'حزب الله' منظمة إرهابية، على الرغم من أن النائب عودة صرح مرارًا بأنه لم يكن على علم بالبيان.

تجاهل نتائج استطلاع 'بيو' والتشديد على بياني التجمع والجبهة واستطلاع القناة الثانية يكشف عن عقلية إسرائيلية استعلائية وصائية، سواء في اليمين أو 'اليسار' في الإعلام والسياسة، مجبولة بغباء وسطحية 'الرجل الأبيض' وجهل وعداء، لكن الأهم هو أنه خبيث ويلقى آذانا صاغية وحتى تعاونا في شريحة صغيرة في أوساطنا لديها طموحات سياسية إسرائيلية (عضوية الكنيست مثلا) لكنها بلا قدرات لتحقيقها أو رصيد شعبي يدعمها (ربما فيسبوكي).

لكن كل ما شهده الأسبوع الأخير لا يخدم إلا شخص واحد، وهو بنيامين نتنياهو رأس هرم حكم اليمين، ولا يهدف إلا ضرب جهة واحدة، القائمة المشتركة، ليس لأنها 'انحرفت عن اعتدالها' بسبب بياني التجمع والجبهة، وإنما لأنها تمثل حالة سياسية عربية متقدمة مزعجة جدًا لحكم اليمين أولا، ولما تبقى من أوساط 'يسارية' ليبرالية إسرائيلية، سحبت القائمة من تحتها بساط اليسارية والديمقراطية.

وإذا ما تمعنا جيدًا في تصريحات نتنياهو ضد بياني التجمع والجبهة، فهو لم يكن بالحدة التي عهدناها وإقصائيًا مثل تصريحاته في أعقاب لقاء أسر الشهداء المقدسيين والتي قال فيها إن لا مكان لنواب التجمع في الكنيست، فهذه المرة كانت تصريحاته أقل حدة ليس لأنه أصبح أكثر رشدًا وتعقلاً، وإنما على ما يبدو مراهنة على 'أطرأف' عربية يرى نتنياهو أنها غير راضية من المشتركة حتى لو كانت داعمة لها علنًا، ولا نستبعد أن يقوم بإغرائها قريبا بخفض نسبة الحسم في انتخابات الكنيست لضرب وحدة المشتركة.

ليس هذا تكتيكا سياسيًا من نتنياهو، بل هي خطوة واحدة في مسعاه الإستراتيجي لإعادة رسم قواعد اللعبة السياسية مع العرب وأحزابهم وخفض سقف خطابهم ونشاطهم السياسي، سواء كانوا ممثلين بالكنيست أو مقاطعين لها، وما حظر الحركة الإسلامية الشمالية إلا في إطار إعادة ترسيم قواعد اللعبة.

وعلى ما يبدو فإن نتنياهو يعرف ويسمع أشياء لا علم لنا بها، وردنا ليس بالتراجع والعودة بنا إلى 'المربع الأول'، مربع أسرلة التسعينات، وإنما بوحدتنا ورفض أي محاولة لفرزنا بين 'معتدلين' و'متطرفين'، والأهم أن نحافظ على 'رؤوس باردة' وتفكير إستراتيجي عقلاني، أبعد من الحسابات الحزبية الداخلية الصغيرة وأقرب إلى تصرف شعب يواجه صعود حكم فاشي.

اقرأ/ي أيضًا | استطلاع: أغلبية المواطنين العرب تؤيد اللقاء مع أسر الشهداء